هكذا مر صيفُ المهرجانات…


أغرب ما لوحظ هذه السنة حُمَّى المهرجانات التي انتابت ربوع البلاد خلال فصل الصيف، من أدناها إلى أقصاها في السهل والجبل والقرى والمدن والشواطئ وكأني بهذه الموجة العجيبة قد سرت كالنار في الهشيم تنافسا وتقليدا وسباقا نحو التسلية والتنشيط حتى إن المستجوَبين في بعض نشرات الأخبار من المواطنين المغلوبين على أمرهم، لم يألوا جهداً في مباركة (النشاط) الذي أُغدق عليهم وعلى أبنائهم وأخرجهم حسب رأيهم من الخمول والركود…!!

ذكرتني هذه المهرجانات بالانتخابات.. ولا أعرف لحد الآن الخيط الدقيق الذي ألَّف في ذهني بين الأمرين.. غير أني كنت -في هذه المعمعة- أود أن أسجل أسماء المهرجانات لكن العدد فاق التصور إذ بقيت مبهوتة أستغرب ما يمكن إهداره من طاقات مادية لا أخالها إلا من المال العام الذي سيحاسب عليه القيمون يوم لا تزول قدما ابن آدمحتى يسأل عنه… مال فيه حق للأرملة واليتيم والمعاق والعاطل والصغير والكبير.. لست أدري هل استُفتي المغاربةُ جميعاً في أمر إقامة المهرجانات؟.. ولعمري لو أن ما أُهدر فيها من أموال وُظف في مشروع  لتشغيل العاطلين لدر من الأرباح المادية والمعنوية ما تقر به النفوس والبيوت وتقِلُّ به آفات كالبطالة والتسول والحرابة، ولساق الوطن حتما إلى تنمية إيجابية فاعلة.. كم سيارة ستتحرك من أجل هذه المهرجانات؟ كم من البنزين سيُهدَر فيها؟ كم فندقا سيُحجز وكم مآدب ستُقام؟ وكم وكم..؟ كل ذلك كان في سبيل (البندير) ولأجل (البندير) لا غير..

ما الغايات الكامنة إذن وراء هذه المهرجانات سوى أن تكون أبواباً مشرعة يقتحمها بعض الطفيليين والفضوليين للإثراء على حساب أبناء هذا الشعب المسكين..

حاولت جاهدة أن أتذكر أسماء المهرجانات الصيفية غير أنني نسيتُها لكثرتها ولم يعلق منها بذهني سوى مهرجان لبعض (الشيخات) رعته جهة رسمية وليست المقصودة.. عالمةً مشهورةً أو أديبة مرموقة أو مناضلة بطلة… قهرتني الحسرة لأنه لا مهرجان كرم شخصية دينية أو سياسية أو مصلحاً اجتماعيا أو عالما جليلا أو جنديا مجهولا أو أما عظيمة أو عاملا مخلصا.. كنت أنتظر أن أسمع -مثلا- عن مهرجان يحمل اسم الشاعر محمد الحلوي الذي أهملته الثقافة الرسمية!! أو اسم المهدي المنجرة الذي شَغَلَ العالَمَ فشُغِلْنَا عنه، أو اسم المختار السوسي أو علال الفاسي… كنت أنتظر من المهرجانات أن تنخرط بالمواطنين في سباق المواهب والفضائل في أمور كالقراءة والكتابة وحفظ المتون والاختراع وابتدار مواقف جليلة كالتضحية والإيثار والبر ولو في إطار مسابقات ترفيهية.. لكنَّ المِنَصَّات نُصِبَت، وأجساد المراهقين اختلطت وماجت.. ودقة البنادير والطبول في السهول والجبال والشواطئ وكان ذلك الصيف الساخن رقصا وميوعة وعُرْياً.. وقَرَّتْ عيونُ الناهين عن المعروف وانزوى المغلوبون بعيداً عن الشواطئ والمراتع والحَلَبَاتِ الساخنة.. غيرَ أن مجاليهم لم تسلم من شراذِمِ العاريات تماما تماما.. لا يصدهن خُلُقٌ ولا يَرُدُّهُنَّ حياءٌ، ولا يُقعِدهُن سِنٌّ ولم يجدن في البيت أباً صارماً أو أخاً حازماً أو زوجاً غيوراً تهزهم أنفة ويدفعهم كبرياء ليشدوا الزمام صوناً للعرض وذودا عن الشرف وغيرةً على الحرمات…

هكذا مرَّ صيفُ المهرجانات الصاخبة بما فيها من تمييع وتجهيل وتجفيف للموارد العامة، قبل أن تحط هذه المهرجاناتُ أوزارها ونعودَ مكروبين إلى بيوتنا لنحمل أوزار محفظات الأبناء الثقيلة واللوازم المدرسية الفادحة وأعباء الحياة الجميلة التي لا أخالها إلا دار اختبار…

ذة. أمينة لمريني

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>