في غمرة فرحتي برفقة أولادي ، وتجمعهم حولي مرة أخرى في العطلة السنوية التي أحرص فيها على هيئة نفس الفضاء الأسري الحميمي المليء بالدفء والرحمة والحب، وفي عمق سعادتي بأحفادي المتربعين في حضني، تلقيت دعوة كريمة من المجلس العلمي بالدار البيضاء في شخص أستاذنا العزيز د.رضوان بن شقرون، للمشاركة في النشاط الثقافي الذي نظمه المجلس.
وحاولت رفض الدعوة ، لكن بعد إلحاح من أستاذنا، ولشدة احترامي له، ولرغبة روحي العارمة في المشاركة في أجر المجالس العلمية وافقت .
وصلت البيضاء قبل موعد مشاركتي بزهاء الساعتين، وكان في استقبالنا أنا وزوجي د.ابن شقرون بوجهه المشرق بالابتسامة التي لا تغيب عنه.ورغم حفاوة الترحيب وسمت الهدوء الذي يتحلى به أستاذنا، والذي ألمس إشعاعه كلما التقيته ,أحسست بغشاوة من القلق تظلله وتعكر صفو سكينته المعتادة . طلب منا التوجه نحو السيارة ليوصلنا بنفسه إلى مكان النشاط. وكانت المفاجأة الأولى أن التقيت بصاحبة عزيزة طالما التقت روحي بروحها المفعمة بالإيمان والغيرة على صفحات محجتنا الرائعة، التقيت بالأستاذة فوزية حجبي . وبعد ترحيب موجز، انغمسنا في حديث مكسو بالهم الفكري والثقافي، وكأننا نعرف بعضنا منذ مدة. واكتشفت أن ثمة مشكلات تعترض النشاط خارج إرادة المنظمين من المجلس العلمي. ووصلنا المؤسسة التي سوف يقام النشاط فيها، فكانت المفاجأة الثانية ، ثلة من علماء البيضاء وشيوخها وبعض الحضور واقفون ينتظرون فتح الباب الموصد أمام وجوههم منذ مدة تزيد على الساعتين لحضور المحاضرة القيمة التي كان سيلقيها أحد أعضاء المجلس العلمي والتي كان من المفروض أن تبدأ في ذلك الوقت.
كانت أصداء من الموسيقى الصاخبة تصلنا ، تنبئ أن الأبواب تفتح بسهولة لاحتضان كل نشاط يزيد من تمييع هذه الأمة . كانت ابتسامة رئيس المجلس العلمي تزداد قلقا ، وهو يلاحظ انسحاب الحضور الواحد تلو الآخر بعد أن أعياه الانتظار، فرغم الاتصالات بالمسؤولين كي تفتح الأبواب الموصدة في وجه الكلمة الطيبة ، ما زال كل مسؤول يتنصل من مسؤوليته ويحيل على آخر ، وكأن قدر هذه الأمة أن تبتلى بمن يكممون أفواه المخلصين ببرودة دم ، وبدون أن يعلنوا عن أنفسهم .
حان موعد الصلاة، واتجه العلماء لأدائها في المسجد القريب، وفي تلك الفترة وصل الإذن أخيرا بفتح باب المؤسسة، بعد مسلسل من الاعتذارات التي لم تغن عن اكتشاف الغرض المبيت والمقصود من هذا التصرف اللامسؤول في وجه مؤسسة علمية دينية رسمية ، يحاول رئيسها بكل جهده أن يؤسس صرحا تصدح في أرجائه الكلمة الطيبة ، لتوتي اكلها في كل الفضاءات المشبوهة، وتنظف هواءها ليدخل نقيا في أعماق المغيبين.
اتجهنا نحو القاعة لحضور المحاضرة بعد أن انصرف الجميع بعد الصلاة. لم يلتحق بها سوى رجال الأمن والمشاركون في النشاط الثقافي، ورئيس المجلس العلمي وصاحبتي طبعا يجللهما إصرار على المضي قدما نحو إشاعة الثقافة المعبرة عما تحت رماد هذه الأمة المغيبة رغم كل المعوقات، ورغم أنف الأصداء المشبوهة وكل القائمين عليها، بابتسامة مطمئنة لوعد الله {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}، وما زال للرحلة مسارب أخرى…
دة. أم سلمى