تبرج الجاهلية


عباد الله : إذا قرأتم قوله تعالى : {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} يخاطب نساء النبي وينهاهن عن ذلك التبرج، فلعلكم تتساءلون : ما هو تبرج ُ الجاهلية الأولى؟ وكيف كان؟ فإذا رجعتم إلى كتب التفسير المعتمدة، فإنكم تجدون أن المرأة في تلك الجاهلية كانت لها أحوال لا يرضاها الله فنهى عنها قال مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية. وقال قتادة : إذا خرج النساء من بيوتهن مائلات مميلات وكانت لهن مشية متكسرة وكلام فيه غنج، فذلك تبرج الجاهلية الذي نهى الله عنه، وقال مقاتل : التبرج هو أن تلقي المرأة الخمار على رأسها ولا تسنده فتبدو قلائدها وقرطها وعنقها. وقال المبرد : تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره. وقال آخرون : التبرج هو أن تلبس المرأة الدروع الرقاق وتخرج فتمشي وسط الطريق. وقال أبو العالية : كان للمرأة قميص غير مخيطالجانبين تظهر منه الأكعاب والسوأتان. وقال المبرد أيضاً : كانت المرأة تجمع بين زوجها وخدنها، للزوج نصفها الأسفل، وللخدن نصفها الأعلى، يتمتع به في التقبيل والترشف. هذه -عباد الله- وجوه التبرج الجاهلي الذي عرفه العلماء، وذكره التاريخ عن نساء الجاهلية الأولى، وكرِه الله سبحانه أن يظهر في نساء النبي، وفي غيرهن من النساء المومنات. فهل ترون عباد الله أنَّ تبرج الجاهلية الأولى بكل صوره وأشكاله غير موجود في زماننا؟ لقد ذكر الفقهاءُ نوعين من اللباس يحرُمان على المرأة المسلمة, هما اللباس الضيق الواصف، والرقيق الكاشف، ولم يعلم الفقهاء أن المرأة ستخلع لباسها وتعري جسمها كله أو جله أمام العالم كله رجالا ونساء، مسلمين وكفارا، وتحسب ذلك من شأنها وحقها وحريتها. وتحميها السلطات، وتؤيدها القوانين ومن عاب عليها أو غضب أو استنكر سُمي إرهابياً متطرفاً متشددا. واستمعوا رحمكم اللهإلى قول عائشة أم المومنين رضي الله عنها : >لو أدرك رسول الله  ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد، كما منعت نساء بني إسرائيل.<. الشيخان عن عائشة رضي الله عنها

إن عائشة رضي الله عنها تتحدث عن نساء زمانها عرفتهن وعشن معها، فما هذا الذي أحدثنه بعد الرسول  مما يُمنعْن بسببه من الخروج إلى المساجد؟ هل أحدثن شيئا مما أحدثته نساء اليوم؟ فكيف لو رأت عائشة رضي الله عنها ما أحدثه نساء هذا الزمان؟ زمان العري والافتضاح، حيث لم يبق التبرج في إظهار الزينة، أو كشف الشعر، أو في التعطر والخروج وسط الرجال, لقد جمع تبرج هذا الزمان كل وجوه التبرج في الجاهلية الأولى وفي كل جاهلية، بل جاوزه وتعداه، بل صار تبرجُ الجاهلية الأولى في زماننا حجاباً وستراً عند البعض، وصار عند البعض رجعية وجموداً وبشاعة ومظهرا مقيتا مستكرهاً مستبشعاً، ولا تصح المقابلة أبداً بين تبرج الأمس البعيد وتبرج اليوم. ولا ندري كيف سيكون تبرج الغد. اللهم اشملنا بسترك الجميل، وزينا بالإيمان بك وجمّلنا بالحياء منك.آمين والحمد لله رب العالمين.

üüüüüüüüü

…تعلمون عباد الله أن المرأة إذا تزينت وتجملت لزوجها أو لنفسها في بيتها لا تعتبر في الشرع متبرجة، فإذا أرغمها الزوج على التبرج خارج البيت، فهو آثم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فليتق الله أولئك الأزواج الذين يُكرهون زوجاتهم على التزين والتجمل من أجل الخروج معهم في حال التبرج إلى الشوارع والمقاهي والأسواق والأسفار والفنادق والحفلات والمناسبات… وليعلموا أنهم يقدمون زوجاتهم هدايا للذئاب، ويشجعونهن على الوقوع في الفاحشة.

وكل امرأة تبرجت برغبتها ورضاها، فهي تريد أن تحقق منفعة مادية، أو تشهرَ نفسها رغبة في الزواج، أو تقصد الزنى، أو إرضاءً لمن يستخدمها، كرئيس أو مسؤول، أو تتبرج إعجابا بنفسها، وأنتم تعلمون -عباد الله- أن هذه النوايا، وتلك الأهداف كلُّها حرام وغير مشروعة، وأن كل تلك الأحوال هي في درجة من درجة الفاحشة المحرمة بالكتاب والسنة، وكلها توصل إلى الوقوع في اللعنة والعذاب، والمقت والغضب.

فالمتبرجة تنعكس آثار تبرجها على الشباب والشابات، وعلى المتزوجين والمتزوجات، وعلى الأطفال والكهول والشيوخ وعلى الأقارب والأباعد، وهي بذلك تتحمل آثام كل من تأثر بها، إضافة إلى نفسها.

عباد الله : إن المرأة المومنة المتسترة لتعتبر قدوة في الخير، وإن المتبرجة لهي قدوة  في السوء، وداعية إلى الفجور والفاحشة، وإن كل من يزين للمرأة التبرج، أو يامرها به، أو يدعوها إليه، أو يرضى بالتبرج في أهله وفي مجتمعه، فهو يحب أن تشيع الفاحشة في المجتمع الإسلامي أيّاً كان، عالماً أو حاكماً، ولن يمنع اللعنة عن نفسه ولا عن المتبرجة بسببه وإن كل متبرجة متعمدة، هي زانية بعينها أو مشيتها، أو كلماتها، أو بلباسها، أوبحالها، أو بجميع ذلك.

عباد الله : إذا تدبرتم أثر التبرج الخبيث على المجتمع وجدتموه هو السبب في كثير من الأمراض الجنسية والبدنية، وهو السبب في كثير من حالات الطلاق والنزاع بين الأسر، وتشتتها وتمزقها, وفي فساد ذات البين. وهو السبب في انتشار المخدرات والخمور والقمار، والاغتصاب والسرقة، فالفواحش مرتبط بعضها ببعض، يجر بعضها إلى بعض، ومن خطا الخطوة الأولى إلى فاحشة سهل عليه أن يخطو خطوات إلى فواحش أخرى، وتلك هي سياسة إبليس وطريقتُه. قال تعالى : {يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتها} إنه -لعنه الله- يريد أن ينزع عنا كل ستر ليفضحنا أمام الخلق والخالق.

عباد الله، تعلمون أن التبرج يدعو إلى النظرات الخائنة، وإلى الابتسامات الشيطانية، وإلى الكلمات الفاسقة، ومن ثم إلى ارتكاب الفاحشة.

وتعلمون أن التبرج يثير الشهوات، ويُهيّج الفتنة في الشباب والشابات، ويحول الذوق الإنساني إلى غرائز البهائم والحيوانات.

فقارنوا رحمكم الله بين امرأة يجمّلها  اللباس الساتر، ويزينها الحياء ويحصنها الإيمان، وبين متبرجة متهتكة رخيصة، تعرض نفسها على كل خبيث، وتبذل عرضها لكل فاجر، وحالها استهزاء بالقرآن وفعلها حرب على الإنسان، ومصيرها أن يتبرأ منه الشيطان. قال تعالى : {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} وقال  : >ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : إصلاح ذات البين. وفساد ذات البين الحالقة< أ.(د) عن أبي الدرداء ].

وقال فيه الترمذي : هذا حديث صحيح.

اللهم حبب الستر الجميل إلى قلوب نساء المسلمين وأعنا على ستر عوراتنا.

آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

د. محمد أبياط

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>