قال الله عز وجل: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}(يس : 39).
منذ أن خلق الله الإنسان على ظهر البسيطة وهو يضع أسئلة تخص نشأة هذا الكون ونهايته وكيفية وجود الإنسان على الأرض وذلك من خلال المنظور الديني والعلمي وكذا الاكتشافات الجديدة في علم الكون الحديث وأيضا فهم هذه النظريات على ضوء الكتاب والسنة.
إن الاكتشافات الباهرة التي توصلت إليها الفيزياء الكونية وعلى رأسها النظرية النسبية لأنشتاين سنة 1905م أحدثت ثورة في مفهوم الزمان والمكان وهي كلها تسير في تأكيد الحقائق المطلقة التي جاء بها القرآن الكريم منذ 14 القرن خلت.
إن نظرية أنشتاين في مفهوم الجاذبية وفي الزمان والمكان أكدت أن الكون في حركة ذائبة ومستمرة.
كما أكدت هذه النظرية الارتباط الوثيق بين الزمان والمكان وأطلق عليه اسم “الزمكان” وهذا الارتباط كان موجودا منذ أن خلق الله السماوات والأرض.
{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب}(الإسراء : 12).
وفي الحديث الشريف قال رسول الله : >لقد استدار هذا الزمان كهيأة يوم خلق الله السماوات والأرض<.
ولقد كان الاعتقاد سائدا لدى العلماء قبل اكتشاف هذه النظرية أن الكون محيط جامد غير متحرك وأن هذه النظرية الأخيرة حررت نظرة العلماء الكونيين فأصبحوا ينظرون إلى الكون بأنه متطور ومتحرك مع الزمن وتوصلوا إلى حقيقة مفادها أن كون الأمس ليس كون اليوم وأنه حتما ليس هو كون الغد، يقول تعالى: {كل يوم هو في شأن}(الرحمن : 27).
ذلك أنهم وجدوا أن معادلات هذا الكون تتغير وأوضاع أجرامه تتبدل من موضع إلى آخر وأن لا شيء في هذا الكون يعرف الاستقرار ابتداء من أدق جسيماته وهي الذرات التي لها بعدميكروسكوبي حيث تقاس بالنانومتر (يساوي جزء من مليار /متر) إلى أكبر مكوناته وهي النجوم والمجرات ذات الأبعاد الماكروسكوبية التي تقاس بالسنوات الضوئية (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة وتساوي 10000 مليار كلم).
هذا التغيير لا يصيب وضع الأجرام بعضها بالنسبة للبعض فقط، وإنما يصيب أيضا شكلها وحجمها مع تغير الزمن. فمثلا نجمة الشمس علاوة على انتقالها وتحركها في فلك محدد، فإن شكلها ووضعها الداخلي (عمرها) يتغير مع مرور الزمن، فهي تعتبر خزاناً من الهيدروجين. هذا الخزان سينفذ في وقت ما، ذلك لأن الهيدروجين يتحول بفعل معادلة نووية إلى هيليوم (عنصر خامل) وطاقة ضوئية نستفيد منها . من هنا ندرك أن الشمس تجري لمستقر لها. {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}(يس : 37).
كما أن الأرض التي نعيش عليها تحسبها كتلة كروية جامدة لا نبض فيها، إلا أن الاكتشافات الجيولوجية الأخيرة توصلت إلى أنها تتمدد وتتقلص مع الزمن، هذا بالإضافة على دورانها حول نفسها وحول الشمس.
{وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء}(النمل :90).
كل هذه النظريات الكونية الحديثة وعلى الخصوص منها النظريات الكمية ذات التفاعلات القوية يطلق عليها اسم الحقول اللونية (La Chromatographique quantique) كلها ترى أنه لابد من وجود قوة دائمة ومهيمنة وراء هذا الخلق، إنه (الله).
وأخيرا: لقد خلق الله الإنسان وكرمه بالعقل وطلب منه أن يتدبر الآيات ويتفكر في خلق السماوات والأرض واعتبر الله هذا جزءاً من العبادة، وهذه هي الغاية من كتابة هذه السطور. غاية تقودنا إلى أن الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم هو الله خالق هذا الكون.
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانــــك فقنـــــا عذاب النـــار}(آل عمران: 190- 191).
د.محمد حمدون