التكريم الإلهي للإنسان والديمقراطية


 

عجيب أمر هذه الديمقراطية التي قسمت مجتمع أثينا طبقات، وعجيب أمرها وهي تقتل في جميع أنحاء العالم.. في فيتنام وفي أفغانستان وفي العراق..

وعجيب أمرها حين تضع شخصاً في سدة الحك بنسبة 23% من أصوات الناخبين، بل عجيب أمر كثير من القيم والشعارات الغربية التي باتت تطبع أفكار وأخلاق وسلوك الكثير منا.

فإذا  تأملنا تاريخ الديموقراطية نجدها تتعدد وتختلف، لسبب رئيسي يعود إلى مرحلة تخلقها ونشوئها في علاقتها بالشروط الثقافية والاجتماعية و..لكل مجتمع، و إلى مقدار تقويمها للإنسان تقويما حقيقياً يكرمه. وإذا تأملنا النماذج المتمثلة في ” الديموقراطية  الغربية” و”الديمقراطية الشرقية” والتي هي بدورها تتنوع وتختلف، نجدها تستهدف ” منح الإنسان بعض الحقوق السياسية التي يتمتع بها “المواطن” في البلاد الغربية وبعض الضمانات الاجتماعية التي يتمتع بها “الرفيق” في البلاد الاشتراكية سابقا. أما الإسلام فإنه يمنح الإنسان قيمة تفوق كل قيمة سياسية واجتماعية لأنها القيمة التي يمنحها له الله في القرآن في قوله تعالى : {ولقد كرمنا بني آدم}(الإسراء : 70 .

فهذا التكريم أكثر من الحقوق والضمانات.والآية التي تنص على هذا التكريم تبدو وكأنها نزلت لتصدير دستور تحريري  يمتاز عن كل النماذج الديموقراطية الأخرى.

لذلك فالنموذج الإسلامي يضفي على الإنسان شيئا من القداسة ترفع قيمته فوق كل القيم الممنوحة من طرف النماذج الأخرى- عندما يكرمه – .

إن الإنسان عندما يحمل في نفسه وضميره وبين جنبيه الشعور بتكريم الله له مستشعرا قيمة هذا التكريم في تقديره لنفسه وللآخرين، فإن الدوافع والنزعات السلبية المنافية للشعور الديموقراطي التحرري تتبدد في نفسه.

بالإضافة إلى ذلك فإن الإسلام وضع الإنسان داخل إطار يحده حاجزان  حتى لا يقع فيهاوية العبودية أو هاوية الاستعباد في قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}(القصص : 83 ) و{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا}(النساء : 96- 98 )

انطلاقا من هذه المحددات الإسلامية يمكن القول بأن روح “الديموقراطية” مغروسة في ضمير المسلم. وإذا أردنا إطلاق “الديموقراطية الإسلامية” أو “النموذج الإسلامي” للديموقراطية، فإن ذلك يعني تحصين الإنسان ضد النزعات الاستبدادية وتصفيتها في نفسه قبل تصفيتها في واقعه.

“أما الديموقراطية العلمانية أو اللائكية فإنها تمنح الإنسان أولا الحقوق والضمانات الاجتماعية في أحسن الأحوال ولكنها تتركه عرضة لأمرين، فهو يكون إما ضحية مؤامرات لمنافع معينة ولتكتلات مصالح خاصة ضخمة وإما أن يجعل الآخرين تحت ثقل ديكتاتورية طبقية لأنها لا تصف في نفسه دوافع العبودية والاستعباد لأن كل تغيير حقيقي في المجتمع لا يتصور دون تغيير ملائم في النفوس طبقا للقانون الأعلى : {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}(مالك بن نبي تأملات ص75).

ذ.محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>