أحمد ديدات – حياته وفكره


حــيــاتــه

لقد كان الفقيد ينتمي في الأصل إلى البراهما وهي أرقى طبقة في الهند في مقابل المنبوذين، وهذا التقسيم أساسه الدين الهندوسي العنصري، فهم يعتقدون أن الإله ذو جسم كالجسم البشري يتكون من رأس ويدين ورجلين.. كما أنه يحل في جسد البشر: فبوذا تاسع تجسيد للإله بعد كريشنا وراما. وقد من الله على أجداد ديدات بأن أسلموا رغم انتمائهم لأعلى طبقة في الهرم الاجتماعي الهندي أي البراهما.

ولد أحمد ديدات بمقاطعة سوراط بالهند في سنة 1918 لأبيه الحسين قاسم ديدات وأمه فاطمة وهي عائلة فقيرة حتى أنهم كانوا يلبسون قماش الكفن، وكان هو يمشي حافي القدمين. فاضطر أبوه للهجرة إلى جنوب إفريقيا طلبا للرزق، وبعد تسعة أعوام قضاها أحمد ديدات في الفلاحة بسوراط التحق بأبيه بجنوب إفريقيا. وفي سنة 1934 أنهى الفصل السادس من دراسته ثم أصبح بائعا للملح، ثم اشتغل في بعض الدكاكين بمقاطعة طرانسفال وكذلك ببعثة آدم.

وفي سنة 1959، تخلى ديدات عن العمل ليتفرغ للدراسة والدعوة الإسلامية. كان الدافع في ذلك ما يحكيه في كتابه: “كنت شابا مرهف الحساسية في العشرينات من عمري وكم قضيت من ليال دون نوم أبكي لأني لم أستطع الدفاع عن الرجل الذي هو أغلى عندي من حياتي والمرسل رحمة للعالمين محمد . لقد حولوا حياتنا إلى جحيم ولم نجد ردا عليهم”. “ثم ذات أحد، بينما أنا أبحث دون هدف في خزانة مشغلي وقعت على الكتاب الذي غير حياتي وقد كان بعنوان: إظهار الحق” للشيخ رحمه الله

لقد كان للبيض في جنوب إفريقيا عقلية كو كلوكس كلان (البيض الأنجلوساكسون المسيحيون العنصريون) الذين اعتمدوا سياسة التمييز والفصل بين العناصر الثلاثة: البيض والملونين (الذين كان ديدات ينتمي إليهم) والزنوج الأكثرية. وقد كان البيض يجدون تبريرا لعنصريتهم من الكتاب المقدسنفسه:

“فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته” (التكوين 9:24)

فهذه قصة حام ابن نوح الذي سخر من أبيه السكران والعريان فأصابته وأبنائه _الزنوج_ لعنة “السواد والعبودية”.

كما أن مسيحيي جنوب إفريقيا اشتهروا بتدينهم المتشدد ونشاطهم في ما عرف ب”التنصير”، فالمسلمون هناك عبارة عن جزيرة في محيط من المسيحيين. وكان المسيحيون يستفزون مشاعر هذه الأقلية (2%) بتعييرهم لدين الإسلام ونبي الإسلام ولا سيما “بعثة آدم”، وكان أحمد ديدات يتحسر فلا يجد أجوبة لما يقولونه. ففي حق محمد (ص) كانت طعناتهم  “أنت تتبع ذلك العربي الذي تزوج عدة نساء و نشر دينه بالسيف و نقل الكتاب المقدس في قرآنه؟!”

ثم انبرى للدراسة والتحصيل من كتبهم وأناجيلهم نفسها (وقد اعتمد أساسا على نسخة الملك جيمس (النسخة المعتمدة المترجمة عن اللاتينية إلى الإنجليزية في سنة 1611 والتي يستعملها معظم البروتستان البريطانيين والأمريكان)، واعتمد كتاب الـ 100، ترتيب أعظم شخصيات التاريخ لمايكل هارت (1978) والذي برز فيه النبي محمد ( في مقدمة هذا الترتيب مع أقوال العظماء في هذا النبي.

واعتمد أحمد ديدات على العالم الهندي الشيخ “رحمة الله” صاحب كتاب إظهار الحق.فقد كان المبشرون النصارى يتحدون المسلمين في الهند لكي يواجهوهم في مناظرات جماهيرية آملين من وراء ذلك أن يحولوا المسلمين من دينهم إلى دين المسيحية. فالكتاب يشمل جزئيات المناظرات وكيفية التعامل مع مبعوثي “بعثة آدم” فهذا العالم هو الذي كان قد واجه المبشرين الإنجليز في الهند قبل استعمارها في القرن التاسع عشر.

لقد كانت للشيخ أحمد ديدات عدة مناظرات كبرى بدأت سنة 1958 في جنوب إفريقيا ثم تردد على أمريكا وبريطانيا وإيرلاندا وكانادا وهونك كونغ والهند وموريس والإمارات العربية والسعودية وباكستان، ولعل أكبر جمهور جاء لسماعه كان بمقاطعة كاب حيث وصل عدد الحاضرين 30000. ومنعته السلطات الفرنسية من دخول أرضها رغم حصوله على التأشيرة من سفارتها بكاب طاون.

وله عدة كتب باللغة الإنجليزية ومعظمها ترجم إلى العربية أهمها: “الاختيار”،”The Choice”.

وقد واجه أحمد ديدات أشهر المبشرين المسيحيين، نذكر منهم: الدكتور أنيس شاروش الفلسطيني الذي ناظره في موضوع “ألوهية المسيح”، والقس جيمي سواقرت الأمريكي في موضوع “هل الإنجيل كلمة الله؟”، والدكتور دوكلاس الأمريكي في موضوع “الصلب” والقس ستانلي السويدي في موضوعي “الإنجيل والمسيح”، ومناظرته مع السفير الإسرائيلي بجنوب إفريقيا بعد مجازر بيروت 1982، كما اقترح المناظرة العلنية على البابا (رأس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية) إلا أن هذا الأخير اقترح أن تكون في مكتبه الخاص بالفاتيكان.

فلسفته

للمرحوم الشيخ ديدات فلسفة خاصة نقسمها إلى ثلاثة فصول: أولها مسؤولية العرب والمسلمين، ثانيها نقد الكتاب المقدس على ضوء القرآن والعقل، وثالثها نقد المسيحية على ضوء الكتاب المقدس نفسه.

فهو يعيب على المسلمين كونهم تركوا ثلث القرآن وأهملوه لمدة ألف عام. هذا الثلث هو الذي يدعو أهل الكتاب من يهود ونصارى إلى حوار بل وإلى التوحيد والإسلام:

{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} (آل عمران 110)

فكل نشاط المرحوم أحمد ديدات كان من أجل إحياء هذا الثلث. وقد كان هذا الثلث بالفعل حيا على يد الرسول محمد ( وأذكر هنا ثلاث قصص:

قصة الحاخام (عالم يهودي) الذي نزلت في حقه الآية الكريمة:

{قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم}(الأحقاف 10).

وهو الحاخام الذي أصبح اسمه عبد الله بن سلام رضي الله عنه. فقد سأل الرسول ( عنه أتباعه فقالوا: خيرنا وابن خيرنا”. فلما أعلن إسلامه قالوا: شرنا وابن شرنا.

وقصة المسيحيين العرب من أهل نجران في جنوب الجزيرة العربية الذين (حسب المؤرخ الأمريكي MILLER) أرسل إليهم الرسول(  رسالة فأتوه ودخلوا المسجد النبوي فسمح لهم بإقامة طقوسهم الدينية هناك وبعد ثلاثة أيام دعاهم لاعتناق الإسلام قائلا: أنا أخ عيسى فالذي أرسلني هو الذي أرسله فهو عبد الله ورسوله. ولكن المسيحيين تشبثوا بكون المسيح “ابن الله” فدعاهم الرسول للابتهال كما جاء في الآية:

{فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم نم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}(آل عمران 61).

فجاء النصارى في أبهتهم للابتهال فلما رأوا النبي ( قد جلس تحت شجرة مع بنته وزوجها وابنيهما أصابهم ما أصابهم لهذا المشهد وخافوا من العذاب فقبلوا بإعطاء الجزية والحفاظ على دينهم.

والقصة الطريفة لإسلام اليهودي النمساوي ليوبولد فايس  LEOPOLD WEISS صاحب عدة كتب عن الإسلام نذكر منها كتاب الطريق إلى مكة، وترجمة القرآن إلى الإنجليزية.

ونعود إلى أحمد ديدات ففي مناظرته مع السفير الإسرائيلي بجنوب إفريقيا بعنوان: “العرب وإسرائيل-الصراع أم الصلح؟” يقترح على اليهود أن يبدلوا تسميتهم من “اليهود” إلى “المسلمين”.

ويزن ديدات الكتاب المقدس بالقرآن والعقل، إذ فيه ما لا يمكن رده كدعوته للتوحيد وفيه ما هو مرفوض كآثام الأنبياء. كما أن أحمد ديدات يزن عقائد المسيحيين بالكتاب المقدس نفسه. من تلك العقائد المسيحية التي وزنها بالقرآن والعقل “الذنب الأولي” و”التثليث أو ألوهية المسيح” و”المغفرة بدم المسيح” و”عالمية الدعوة المسيحية”.

يرد أحمد ديدات على عقيدة الذنب الأولي من الكتاب المقدس الذي يقرر أن:

“لا الإبن يتحمل ذنب الأب ولا الأب يتحمل ذنب الإبن”. (إزكيال 18:20)

ويرد على التثليث باقتباسه لعبارة “ابن الإنسان” من كتابهم التي تتكرر في حق المسيح أكثر من مرة عوض “ابن الإله”.

ويرد على عقيدة المغفرة التي تقابلها “المسؤولية” إذ أن المسيح كان يسب أحيانا مجادليه في العقيدة بأنهم من الزناة فعليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم في العقيدة والسلوك.

ويرد على عقيدة التبشير والعالمية بقوله إن الإنجيل ليس عالميا في دعوته بل كان  المسيح عليه السلام يوجه اتباعه:

“إلى طريق الأميين لا تمضوا وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا إلى خراف بني إسرائيل الضالة”. (متى 10:5).

من أهم محاور الفكر الديداتي تصحيح اسم “الله” والتبشير ببعثة الرسول محمد  (  ونقض ألوهية المسيح في الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى والمسلمين على حد سواء.

فتصحيح اسم الله نجده في أول آية من التوراة:

” بريء شيت براء إلوهيم آت إي شمايم فيئيت ها آريز” أي “في البداية خلق الله السماءين  والارض”!

فاسم الله الحقيقي هو “الله” وليس بوذا ولا راما ولا يهوى ولا يسوع!

ونبوة محمد في الكتاب المقدس نجدها في التوراة:

أُقيم لهم نبيا مثلك من وسط إخوتهم وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به”.التثنية (18:18).

فالنبي الذي مثل موسى والذي من إخوان بني إسرائيل هو النبي العربي محمد .

أما بشرية المسيح فتبرزها آيات كهذه:

“وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبين قال لهم أ عندكم هاهنا طعام؟ فناولوه جزءا من سمك مشوي وشيئا من شهد عسل فأخذه وأكل”.

فالمسيح عليه السلام كان يأكل الطعام كأي بشر آخر وهذا ما ينبه إليه الإنجيل نفسه.

رحم الله الشيخ أحمد ديدات وعوض الأمة عن خسارته آمين.

د. ابن رشد المعتمد

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>