تركيا تبني حاضرها ومستقبلها بالحقائق لا بالألفاظ الجوفاء


 

كلما زرت تركيا إلا ولاحظت أنها تقطع كل سنة أشواطاً ومسافات طويلة بخطوات ثابتة ومحسوبة وفق مخططات مدروسة ووسائل مناسبة..

ففي هذه السنة استطاعت تركيا أن تحقق نمواً تجاوز 5% وإن اسطنبول ذات الخمسة عشرة مليونا من السكان تعتبر بضفتيها الأسيوية والأوربية نموذجاً رائعاً وباهراً للمدينة المتحضرة العظيمة ليس فقط بمساجدها الجميلة الكثيرة ذات المآذن الرشيقة والقبب المنتشرة والمتلائمة كأنها خيام متناسقة تظلل وتحتضن وتحمي ما تعلن عنه تلك المآذن من حقيقة!! ولكن بجمال شوارعها وانتشار حدائقها وتناسق مبانيها وجمال معمارها وعظمة تراثها وثراء متاحفها ومكتباتها ورقي سكانها وتعانق أشجارها، ولكن أعظم من ذلك وأروع تجاوب الشعب التركي مع حكومته التي فتحت أمامه آفاقاً جديدة للعمل والاستثمار. فالرأسمال التركي امتد نشاطه عبر الدول الاسلامية الجديدة بآسيا الوسطى، وقد رأيت الوجود التركي في دولة قرقيزيا قويا ليس فقط بشركاته ومقاولاته في البناء والتغذية وغيرهما، ولكن في الثقافة والعلم، ولتركيا عدة مدارس بهذا القطر الاسلامي الذي شرع شعبه يسترد أصالته في ظروف صعبة  وأجواء معقدة، ولتركيا جامعتان  : إحداهما كبيرة وتزداد اتساعاً وارتقاء، فقد زرت بعض كلياتها وأقسماها ومرافقها ومختبراتها ومكتبتها وشاهدت المدينة الجامعية العظيمة، وهي جامعة “مناص” الرسمية.

أما الجامعة الثانية فهي حرة لكن انطلاقتها تبشر بكثير من العطاء والخير وما شاهدناه هنا هو نفسه في الجمهوريات الاسلامية الأخرى…

والذي أعجبني في تركيا ليس المظاهر الحضارية المادية الراقية فقط، ولكني أعجبت بالمثقف التركي الذي يصنع دولته وأمته بكل ثقة واطمئنان، ومن النادر أن نجد شعباً متجاوبا مع حكومته كما نجد في تركيا.

إن وراء النهضة التركية رجالاً عظاماً ما تزال آثارهم تنمو ويبارك الله في نموها كل يوم، وقد أتيح لي أن أزور بعض الجمعيات والمنظمات الحضارية الراقية، كما التقيت بعض الأساتذة الجامعيين العاملين في ميدان البناء العلمي والثقافي وبعض العلماء الأجلاء المرابطين في مساجدهم وزواياهم ومجالسهم العلمية وبعض المشايخ المدرسين المرتبطين برواد المساجد ومعاهد العلم والكتاتيب القرآنية كما التقيت بدعاة ومبلغين عن ربهم الدعوة في تؤدة وحكمة وإصرار وأخلاق وآداب عالية.

وشاهدت شباباً وشابات يعملون ليل نهار في سبيل نهضة تركيا الاسلامية العريقة بحماس رزين وتفاؤل واقعي وفي جو من التشجيع والتبريك والتوفيق والإنجاز المتواصل.. إن الطبقات المهرجة والمستغلة والأحزاب العلمانية الغالّة (من الغلول) ذات الثقافة الانتهازية واللصوصية وذات المسالك المشبوهة والتصرفات المشينة قد رماها الشعب التركي في مزابل النفايات المتعفنةفي حين يحاكم بعض زعمائها الذين كانوا رمز العلمانية والتغريب ومحاربة الاسلام…

متى تهب هذه الرياح المباركة على البلاد العربية المشلولة والمسلولة والمنهوكة والمصابة بربو سياسي مزمن لا يسمح لها بأن تتحرك خطوات دون أن تلهث وتتصبب عرقاً وتكاد روحها تزهق ولما تقطع أمتاراً نحو الأمام..؟

متى يستيقظ الشعب العربي أو الشعوب العربية وقياداتها الصالحة لوضع هذه الأمة على طريق النهضة والتقدم والرقي بالحقائق لا بالألفاظ الجوفاء والمعارك المفتعلة والتصريحات الفارغة والمعالجات السامة القاتلة؟

متى يكون ذلك؟

د.عبد السلام الهراس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>