تمهيد
احتل الإعلام على مدار التاريخ دورا مهما في الحياة الإنسانية بمختلف مجالاتها، ومع تقدم وسائل الإعلام وأدوات الاتصال وما شهده العالم من ثورة هائلة عرفت بثورة تكنولوجيا المعلومات، وظهور مجتمع متواصل عالميا زادت أهمية الإعلام بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية في توجيه الرأي العام وتشكيله، بحيث أصبح الإعلام استراتيجيا موازيا في خطورته وأهميته لأشد الأسلحة وأقواها على الإطلاق، فيوميا يتم نقل أكثر من 35 مليون كلمة، كما يتم نقل عشرات الألوف من ساعات بث البرامج التلفزيونية من المحطات المختلفة في العالم، وتنشر آلاف العناوين من المجالات والصحف والكتب.
ومن بين الـ35 مليون كلمة التي يتم نقلها تنقل 32 مليون كلمة عن طريق الوكالات العالمية الأربعة الكبرى للأنباء “أسوشيد برس” 18 مليون كلمة، “يونايتد برس” 11 مليون كلمة، “فرانس برس” 3,5مليون كلمة، “ورويتر برس”، 1,5 مليون كلمة، فإذا علمنا أن ثلاثة أرباع الأنباء التي تذاع في العالم الثالث عدا الأنباء المحلية يتم نقلها عن طريق هذه الوكالات الأربعة فسنقف على مدى سيطرة هذه الوكالات على تدفق الأخبار في العالم، وبما أن وضع الدول الإسلامية في كثير من الأحيان هو دون مستوى الدول المتوسطة في العالم الثالث، يمكننا بسهولة تقويم تدفق الأخبار والمعلومات فيها، فالعالم الغربي أحكم سيطرته على الوكالات الكبرى للأنباء وعن طريقها يسيطر إعلاميا على المادة المنشورة في بلدان العالم العربي والإسلامي، وبالتالي يسيطر على الرأي العام فيها ويوجهه الوجهة التي تخدم أهدافه القريبة والبعيدة وتساعد على تنفيذها.
وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن الإعلام في مختلف أنحاء العالم شهد تطورا كبيرا في خطابهوأدواته ووسائله، فقد أصبح قائما على دراسة معطيات العلوم المعاصرة من علم نفس واقتصاد واجتماع وسياسة وغيرها، لذلك فقد أصبح تأثيره على العقول والعواطف والنفوس كبيرا مما يحمل على صنع اقتناعات إيجابية وإبطال اقتناعات سلبية، كما شهد على صعيد الأدوات والوسائل والتقنيات تطورا لم تشهده البشرية من قبل.
الحملة الإعلامية الغربية
ليست الحملة الإعلامية الغربية والأمريكية بشكل خاص على العرب والمسلمين جديدة أو مرتبطة بأحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) كما يحاول البعض أن يروج له، ولكنها قديمة جدا ولها أسبابها، وللقوى التي تقف خلفها أهداف بعيدة المدى، ولكن الجديد في هذه الحملة هو كثافتها وشراستها، فقد توسعت دائرة استهدافها الكثير من ثوابت الأمة وقيمها الأخلاقية والتربوية والحضارية، ووظفت الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية السائرة في فلكها كل ما تمتلك من أجهزة إعلاميةضخمة في هذه الحملة، خاصة أن الإعلام يحتل في الاستراتيجية الأمريكية مركز الصدارة، وهو ما يؤكده “الجنرال ويزلي كلارك” الذي قاد قوات الناتو أثناء حملة كوسوفو بقوله : “إن الحرب الحديثة لها أربعة أسس من وجهة النظر الأمريكية، وهي حسب الأهمية : أولا : الإعلام والعلاقات العامة، وثانيا : التعاون مع الحلفاء، وثالثا : توازن السياسات بين البنتاغون والخارجية، وأخيرا قدرات القوات المسلحة على التكيف مع المعطيات”.
وانطلاقا من هذه الاستراتيجية لم يكن مستغربا أن تتحكم الولايات المتحدة بأكبر نسبة من الضخ الإعلامي والإخباري على الصعيد العالي، وتستحوذ على النسبة الأكبر من ملكية وكالات الأنباء المتعددة الأنشطة، ومجمعات الإنتاج السينمائي والبرامجي، ولكي نظهر حجم السيطرة الغربية على الرأي العام العالمي نقدم الإحصائيات التالية :
> أ- المجلات :
حسب الإحصائيات المتوفرة فإن هناك حوالي38 ألف مجلة في العالم، لكن المجلات الأكثر توزيعا هي المجلات الأمريكية والغربية، فالمجلتان المعروفتان : “التايمز”و”النيوزويك” توزعان أسبوعيا أكثر من عشرة ملايين نسخة لتعرف قراءها على السياسة والثقافة الأمريكيين، أما مجلة “ريدرز دايجست” فهي توزع ثلاثين مليون نسخة شهريا وبسبع عشرة لغة وتعتبر أوسع المجلات انتشارا في العالم، إضافة لهذا فهناك عشرات المجلات الأخرى تحت عناوين مختلفة مثل الرياضة -الأفلام- الاقتصاد-الموضة-الديكور- التي تصدر في الدول الغربية وتبث الدعاية بشكل مباشر أو غير مباشر.
>ب – الراديو والتلفزيون والمحطات الفضائيات :
شهدت صناعة الراديو والتلفزيون منذ بداية العقد الأول من القرن العشرين وحتى اليوم تقدما متسارعا، وتستفيد الدول الإسلامية حاليا من هذه الأجهزة الثقافية، ولكنها في الغالب تستخدم البرامج والأفلام المنتجة من قبل الدول الغربية، وفي بعض الدول الإسلامية لا تصل نسبة البرامج الداخلي إلى20% من مجموع ساعات البث، فأمريكا تحتل المركز الأول، فتنتج 150 ألف ساعة بث، وتنتج كل من بريطانيا وفرنسا 20 ألف ساعة بث لكل منهما، أما ألمانيا فتنتج 8 آلاف ساعة بث، وهكذا تحتل هذه الدول المركز المتقدم في هذا المجال. ولعل التطور الأبرز في مجال التلفزيون يتمثل في البث الفضائي العابر للقارات والمخترق لجميع الحواجز والسدود، إذ يحمل هذا البث ألوانا مختلفة من الغزو الثقافي والقيمي بالإضافة إلى التشويه وغسل الدماغ.
> ج- أفلام السينما :
تعتبر الأفلام أحد الميادين الدعائية التي استغلها الغرب في حربه الدعائية التشويهية ضد العرب والمسلمين وتركت هذه الصناعة آثارا تخريبية خطيرة على ثقافة المجتمعات العربية والإسلامية، ويكفي للتدليل على خطورة صناعة السينما أن نعلم أن النقاد الأمريكيين قد أعلنوا أن هوليود أنتجت ما يزيد عن 150 فيلما يسخر من العرب والمسلمين منذ عام 1986 حتى الآن.
> د- شبكة الأنترنت :
يصف الخبراء شبكة الأنترنت بأنها خطيرة وأقوى وسيلة إعلامية وثقافية عرفتها البشرية حتى الآن وعلى الرغم من محدودية انتشار الشبكة في العالمين، العربي والإسلامي قياسا بالدول المتقدمة إلا أنها الأشد خطورة لأنها جمعت جميع الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، كما أن جميع المواد المنشودة فيها غير خاضعة للرقابة، وعلى الرغم مما توفره شبكة الأنترنت من معلومات ومعرفة مفيدة، إلا أن ما توفره من مواد هدامة وعقائد فاسدة وترويج للانحلال الأخلاقي يفوق الوصف فقد جاء في إحصائية أمريكية أن عدد الصفحات التي تروج للجنس على الشبكة تجاوز260 مليون صفحة.
أبعاد الحملة الغربية
اعتمدت الحملة الغربية على العرب المسلمين منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) على ثلاثة محاور هي :
أولا : اعتبار الإسلام عدوا سياسيا جديدا للغرب بدل الشيوعية، وبرز في الحملة الإعلامية الربط بين المسلمين والإرهاب، فلم يشتمل الحديث عن الإرهاب في خضم هذه الحملة إرهابا غير إرهاب العرب والمسلمين حتى صنفت مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي بأنها إرهاب.
ثانيا : تقسيم العالم إلى فريقين باعتماد تعريف الإرهاب كما قال بوش : “إما أنكم مع أمريكا أو مع الإرهابيين”، فلا يوجد فريق ثالث، وخطر هذا التصنيف أن أمريكا تحت شعار محاربة الإرهاب أصبحت تستطيع أكثر من أي وقت مضى، الاعتداء على أية دولة وضربها عسكريا أو محاصرتها اقتصاديا.
ثالثا : إقرار مبدأ الحرب الاستباقية والأعمال الوقائية في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية وليس التصدي للعدوان الواقع بالفعل كما كان متعارفا عليه دوليا من قبل.
وكان من نتائج هذه الحملة تعرض الإسلام والمسلمين إلى حملة تشويه إعلامية غير مسبوقة وفي جميع وسائل الإعلام، بحيث لم يبقمن قيمة ثقافية أو دينية أو حضارية إلا هاجمتها وحاولت التشكيك فيها، ولعل أخطر جوانب هذه الحملة سعيها لربط ما يسمى بـ”الإرهاب” بالمسلمين خاصة، بل إن بعض الساسة والمفكرين الغربيين ذهب أبعد من ذلك فدعا إلى اتخاذ الإسلام عدوا محل الإمبراطورية الشر الشيوعية، فسمعنا عبارات من مثل : “الحملة الصليبية” و”حرب الغارة ضد البربرية” و”ضرورة انتصار الغرب على الإسلام” كما سمعنا تهديدات عنصرية مثل “ضرب مكة بالسلاح النووي “والتهكم على الرسول “، وعلى القرآن الكريم وعلى رموز الإسلام وعلمائه، وقد صاحب هذه الحملة الإعلامية المحمومة إجراءات قمعية وخاصة في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية” كان من بعض نتائجها أن تعرض العرب والمسلمون في كثير من المجتمعات الغربية، مع مساجدهم ومراكزهم الثقافية ومصالحهم وحرياتهم المدنية إلى العديد من محاولات الاعتداء وألوان التفرقة العنصرية والاضطهاد.
دور الإعلام الصهيوني
استغل الإعلام الصهيوني الأحداث التي شهدتها الولايات المتحدة استغلالا خطيرا وشريرا، ونظرا لامتلاكه منظومة إعلامية عالمية متكاملة (سمعية ومطبوعة وإلكترونية) فقد نجح بإلحاق أكبر الضرر بالإسلام والمسلمين بحيث اقترب من إعادة تشكيل الرأي العام العالمي على النحو الذي يريده، فبدأ من شارون وانتهاء بكافة وسائل الإعلام الأمريكية المسيطر عليها من قبل الدوائر الصهيونية راحت أبواق العداء ضد العرب والمسلمين تشن أكبر حملة إعلامية باتجاه ترجمة ردة الفعل الأمريكية إلى حرب مدمرة على الشعوب العربية الإسلامية.
والمرافق للأحداث يرى الإعلام الصهيوني توجه في عدة اتجاهات، وعمل على عدة جبهات مما يشير إلى طبيعة التوجه التدميري للتحرك الصهيوني داخل فلسطين المحتلة وفي أمريكا وفي سائر أنحاء العالم. وأهم هذه الاتجاهات :
> الاتجاه الأول : صب الإعلام الصهيوني كل حقده على العرب المسلمين، وصورهم بأنهم إرهابيون، وأن ما حدث في أمريكا ليس إلا من فعل العرب والمسلمين الحاقدين على الحرية والديمقراطية وقيم العالم الحر.
> الاتجاه الثاني : كرس الإعلام الصهيوني نفسه لدفع الأمريكيين شعبا وحكومة باتجاه شن حرب مدمرة على كل الدول التي تؤوي الإرهابيين حسب التصنيف الأمريكي، ولا شك أن الوضع النفسي الأمريكي كان لا يحتاج إلا لعود ثقاب ليشعل الحرب باتجاه أفغانستان بداية، وكان الإعلام الصهيوني عود الثقاب الذي أسرع بإشعال الحرب.
> الاتجاه الثالث : ربط الإعلام الصهيوني بين ما يجري في فلسطين بالإرهاب وحاول بشتى الوسائل دمج الصورتين ليجعل من الفلسطينيين (إرهابيين) أيضا ويجعل من العدو الصهيوني الدموي ضحية لهذا (الإرهاب).
> الاتجاه الرابع : صور الإعلام الصهيوني الإسرائيليين وكأنهم الأكثر حرصا على مشاركة الولايات المتحدة عسكريا في الحملة التي شنتها أمريكا على أفغانستان وبعد ذلك على العراق. ويظهر دوما أن هذا التوجه الصهيوني كان يقصد من ورائه إطلاق الحرية الكاملة للكيان الصهيوني لينفذ أكبر عملية تصفية للفلسطينيين دون حساب لأنها تأتي -حسب التصور الصهيوني/الأمريكي- في سياق ما يسمى الحرب على الإرهاب.
وكان من أخطر ما حققه الإعلام الصهيوني أنه نجح في ربط قضية الإرهاب بالمسلمين، ودفع بالإعلام والرأي العام الغربي ليصبح منحازا لهذا المفهوم بشكل خطير، وهو ما تجلى في المواقف الغربية من تنظيمات المقاومة الفلسطينية فأدرجت جميعا في لوائح المنظمات الإرهابية، وأصبحت مقاومة الاحتلال في نظر العالم أجمع إرهابا، والاحتلال مشروعا ومسكوتا عنه، وأصبح الجلاد ضحية والضحية جلاداً.
وهنا لا بد من إشارة إلى أن هذا الإعلام نجح في السابق في ترسيخ صورة نمطية سلبية عن العرب والمسلمين في ذهن المواطن الغربي، فقد استطاع أن يحدد رسم الصورة والمشهد الذي يريده لنا ولهم وأن يسهم في بناء ما هو قائم الآن في المنطقة والعالم من فوضى عارمة واضطراب لن تعرف آثاره وأبعاده قبل انقضاء زمن طويل.
الإعلام الأمريكي يتكلم عبرياً
وللوقوف على أسباب هذا النجاح لا بد من إلقاء الضوء على بعض تفاصيل النفوذ اليهودي على وسائل الإعلام الأمريكية حيث تؤكد التقارير والمعلومات المتوفرة أن اليهود يضعون أيديهم على عدة صحف داخل أمريكا وخارجها، وصحيفة “وول ستريت جورنال” أشهر الصحف الأمريكية في مجال المال والاقتصاد، كلها مملوكة لليهود. وهذه الصحف واسعة الانتشار تؤدي دورا غاية في الأهمية في تشكيل الرأي العام الأمريكي بقطاعاته المختلفة تجاه سائر القضايا الداخلية والخارجية.
وهذا الأمر ينطبق أيضا على المجلات فمجلة “نيويورك والتايمز والوورلد ريبورتويو اس نيوز”، تخضع جميعها للسيطرة اليهودية. ولا يختلف الأمر بالنسبة للإعلام المرئي،فأشهر القنوات التلفزيونية الأمريكية كالـNBC والـABC والـCBS والـCNN، إما مملوكة لليهود أو تخضع لنفوذهم، وهو ما ينطبق على دور النشر وشركات الدعاية والإعلان والإنتاج السينمائي. ويمتلك “نيوهاوس” وحده حوالي 12 قناة تلفزيونية و87 محطة كيبل و24 مجلة و26 صحيفة يومية، فيما لا يتجاوز معدل عدد الصحف المستقلة عن سيطرة الإمبراطوريات اليهودية عن 25% فقط من بين 1200 صحيفة تصدر في أمريكا، ولا ينبغي أن ننسى إمبراطور الإعلام اليهودي “روبرت ميردوخ” الذي يملك أغلب استوديوهات التصوير في هوليود، والكثير من محطات التلفاز وعشرات الجرائد والمجلات!
الإعلام العربي الإسلامي
أثبتت الأحداث والتطورات السياسية والعسكرية التي اجتاحت المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات وحتى الآن أن الإعلام العربي والإسلامي ما زال يعاني من القصور والضعف مع بعض الاستثناءات القليلة وخاصة في مجال القنوات الفضائية فقد سجلت بعض هذه القنوات وخاصة (محطة الجزيرة) حضورا جيدا، ويتمثل هذا الضعف في عدم مواكبة الأحداث والتطورات بشكل فاعل، واعتماده على الوكالات الغربية في نقل الأخبار والصور، واتخاذه موقف المتفرج في كثير من الأحيان مقابل الضخ الإعلامي المعادي الهائل، لذلك لم يكن من المستغرب ضعف أدائه في الدفاع عن قضايا الأمة والتصدي للحملات التي تتعرض لها، بل لقد تخلف الإعلام وخاصة الرسمي منه عن دوره ومهماته ومسؤولياته ومستواه عن إرادة الشعوب العربية وتطلعاتها ومواقفها المتقدمة من الأحداث التي شهدتها وخاصة في فلسطين المحتلة وأفغانستان والعراق، فالإعلام كان في واد والشعوب في واد آخر، كما يؤخذ على بعض وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات انشغالها بالقضايا الجانبية والبرامج الترفيهية في وقت أحوج ما تكون فيه الأمة إلى الجد واليقظة والحذر.
إن بإمكان الإعلام العربي والإسلامي أن يشكل بعثا لنوعجديد من الهوية خلال السنوات القادمة إذا ما عمل على تطوير خطابه وأدواته مستفيدا من التكنولوجية الجديدة التي تتيح للعرب والمسلمين في هذه المنطقة وفي العالم أجمع أن يقرؤوا ويروا ويسمعوا نفس المعلومات في نفس الوقت بدرجة غير مسبوقة. وسوف يكون لذلك تأثير إيجابي داخل العالم العربي والإسلامي وخارجه، وقد يساعد أيضا على إعادة تجميع العرب والمسلمين الذين يقيمون في أمريكا الشمالية وأوروبا وسائر أرجاء العالم الأخرى حول أهداف أمتهم وقضاياهم المصيرية.
مواجهة الحملة الإعلامية
لا توجد وصفات جاهزة للرد على الحملات الإعلامية الغربية العنيفة على الإسلام والمسلمين، فعجزهم الإعلامي وتقصيرهم في الوصول إلى الرأي العام العالمي عمره عشرات السنين، لذلك فإن الإجراءات المقترحة تندرج تحت الخطوات الاستراتيجية طويلة الأمد وبعضها الآخر متوسط وقصير الأمد أيضا، وبداية لإنجاح أي جهود يمكن أن تبذل لمواجهة ما يتعرض له الإسلام والمسلمون من حملة ظالمة لا بد من اتخاذ إجراءات مساعدة يمكن أن تسهل من المهمة الصعبة ومنها :
أ- توحيد الرؤية في الإعلام العربي والإسلامي تجاه القضايا المركزية للأمة، والارتقاء بالخطاب الإعلامي وأدواته، واستثمار الطاقات الإعلامية الموجودة والعمل على تفعيلها وتنسيق جهودها وتعزيز العلاقات فيما بينها والعمل على استحداث مؤسسات إعلامية مستقلة.
ب- العمل على توحيد المصطلحات الإعلامية والتعبيرات اللغوية السياسية المستخدمة في وسائل الإعلام والتي تتحمل مضمونات مختلفة وتخدم توجهات وأهدافا معينة.
ج- إجراء حوارات معمقة بين العاملين في المجال الإعلامي العربي والإسلامي للاتفاق على منطلقات محددة وأهداف يمكن تحقيقها مع الأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع الصعب والمساحات الضيقة التي يمكن أن تتحرك فيها.
مقترحات عملية
أما على صعيد المقترحات التييمكن أن تساعد في التصدي للهجمة الإعلامية الغربية، فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار بداية أننا أصحاب دين سماوي شعاره : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ، {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} و (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) ومهمة المسلمين الإنقاذي، كما أن الإسلام يطالب أتباعه باحترام الأديان السماوية، كما يحترم حريات الإنسان في الاعتقاد والاختيار، وانطلاقا من هذه المعطيات فإن المهمة المترتبة على المسلمين كبيرة، لا تنفذ إلا بالعمل المتواصل وبذل الأموال لامتلاك كل أدوات الفعل الإعلامي المؤثر سواء لإيصال دعوة الإسلام إلى العالمين أو الرد على الحملات التي يتعرضون لها، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف نقترح :
1- مواكبة أدوات وتقنيات العمل الإعلامي مثل إقامة محطات فضائية، وإطلاق مواقع إلكترونية وإقامة إذاعات تبث باللغات الأجنبية الحية حتى يمكننا مخاطبة جميع شعوب العالم من أجل إظهار الحقائق وكشف زيف وبطلان الدعوات التي تنتشر ضد الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى تقديم تعريف واضح بمبادئ الدين الإسلامي وأحكامه بلغات عالمية مختلفة.
2- القيام بأعمال ونشاطات إعلامية متواصلة وباللغات الأجنبية الحية مثل : ورقة إعلامية محورها الأساسي “تعريف الإرهاب”وأنه نتيجة للعنف البشري الذي تمارسه القوى الكبرى وحصيلة بعيدة عن المعايير الأخلاقية ولا يمت بأي صلة لديننا، وعمل بوسترات تظهر العنف المرتكب ضد المسلمين، وعمل أفلام وثائقية توثق الجرائم التي ترتكب في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها، وعمل بطاقات مطبوعة وإلكترونية، ونشر مقالات مترجمة على شكل إعلانات في الصحف الغربية.
3- الاتصال بأصحاب القرار في الغرب من السياسيين ورؤساء الأحزاب والمفكرين والنقابيين والكتاب والصحفيين ومحاورتهم على قاعدة الاعتراف بالآخر والاحترام المتبادل وتعريفهم بقضايا المسلمين وخصوصياتهم الحضارية وحقوقهم حسب المواثيق التي أقرتها الشرائع الدولية، وتوسيع مفاهيم حوار الحضارات وتقارب الأديان والشعوب لخدمة السلام الذي تنشده الإنسانية جمعاء. ولتحقيق هذا الهدف يمكن الإفادة من العلماء والباحثين المسلمين في الغرب للإسهام في مواجهة الحملة الإعلامية الظالمة وتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام.
4- رصد جميع الممارسات الإرهابية والمضايقات وأعمال الابتزاز التي ترتكب بحق المسلمين في مختلف أنحاء العالم والاعتراض عليها من خلال الخطابات البريدية أو الرسائل الإلكترونية أو الفاكسات ومطالبة مرتكبيها بعدم تكرارها.
5- إقامة حوار مع صانعي الإعلام وحراس بوابته في العالم، ومعرفة الأسباب التي تدعوهم إلى تكريس حالة العداء مع العالم العربي والإسلامي، فإذا لم يحدث نوع من التواصل والتفاهم فلن يحدث تصحيح لصورة العرب والمسلمين، لأن هؤلاء هم من يصنعون الصورة والخبر والحدث أيضا.
6- استغلال الاهتمام الغربي برأي الشارع العربي والإسلامي، من خلال توجيه رسائل إلى الشعوب الغربية وقادتها تعلن عن رفض المخططات الظالمة وتعرفهم بالمستفيدين من تسعير حالة العداء مع العالم الإسلامي، فقد وجدنا العديد من قادة الغرب يتوجهون للرأي العام والاعتراف باستنارته وتأثيره في أمهات القضايا الأساسية والحساسة، وجاءت هذه المواقف بعد المظاهرات التي شهدتها شوارع العالم اجمع معلنة تأييدها للحق الفلسطيني ورفضها لضرب العراق وغيرها من الدول العربية والإسلامية.
7- دعوة القادة والمفكرين وأساتذة الجامعات والأكاديميين العرب والمسلمين لمخاطبة الشعوب الأوروبية والأمريكية كما يفعل المسؤولون الغربيون فيكتبون ويخاطبون الشعوب العربية على ذات النسق، ويكون لكلامهم صدى، خاصة أن الإعلام الأمريكي يعطيهم أكثرمن سبب لهذه المخاطبة لما يوجه من نقد فيه الكثير من التجني على بعضهم هذه الأيام، ناهيك عن التجني المستمر على العروبة والإسلام.
8- اهتبال الفرصة الهائلة التي انفتحت أمام المسلمين لتصحيح صورة الإسلام في الغرب وتوضيح عدالة قضاياهم، خاصة أن العالم الغربي والأمريكي يبدي هذه الأيام اهتماما لم يسبق له مثيل لمعرفة الإسلام وقيمة رسالته، فقد أثرت الأزمة في عقلنة المواطن الأمريكي (المسلم وغير المسلم) وجعلته يفكر بعلاقته بالإسلام والمسلمين بشكل جديد وغير مسبوق، وحدث الأمر نفسه مع العديد من المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة فقد دفعتهم الأزمة وتداعياتها إلى مراجعة المصادر والمؤسسات الاسلامية للبحث عن أجوبة لما أثارته الأزمة من تساؤلات عن الإسلام.
9- تعزيز الحوار العربي -الأمريكي الذي انطلق منذ أكثر من ثماني سنوات عندما اجتمع عدد من رجال الدين والإعلام العرب في أطلانطا، وتم بعدها إنشاء “الجمعية الأمريكية العربية لمدرسي الاتصالات” بهدف دعم الحوار بين أساتذة الجامعات وتبادل الدراسات والبحوث، كما أقيمت مجموعة من المؤثرات السنوية في العواصم العربية.
10- دعم الدعوات المتزايدة في أوروبا وأمريكا وغيرها من دول العالم ضد العولمة وتلك التي تطالب بإزالة المظالم السياسية والاقتصادية وأسباب الإرهاب في العالم على حد تعبيرهم، وتعزيز هذه الدعوات بإعداد تقارير ودراسات موثقة عن المظالم الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب الدول العربية والإسلامية جراء السياسات الغربية وخاصة تلك المتعلقة بصندوق النقد الدولي وشروطه التجويعية والتفقيرية.
11- استخدام شبكة الإنترنت العالمية التي أتاحت للمسلمين فرصة لم تتح لهم من قبل في وسائل الإعلام الأخرى لتعريف الغربيين بالإسلام وللرد على الشبهات التي تثار حوله، ولتكون منبرا مفتوحا للحوار بين الجانبين.
بكلمة أخيرة إن سلاح الإعلام من أخطر الأسلحة التي ينبغي على العرب والمسلمين أن يأخذوا بها ويحرصوا على امتلاكها بكل تقنياتها وأدواتها لصد الحملات المعادية لهم ولقضاياهم وحماية أبناءهم من حملات التشويه والتضليل وغسل الأدمغة وصولا إلى سلب الثروات والسيطرة على الأوطان وحسب، بل لاستعمال هذا السلاح (الإعلام) في التعريف بالدين الإسلامي ودوره ومساهماته الإيجابية في الحضارة الإنسانية وإيصاله من غير تشويه ولا تحريف إلى كافة شعوب العالم وبيان أن هذا الدين يستطيع أن يقدم الكثير من الحلول العملية والواقعية لكثير من المشكلات التي تعاني منها البشرية.
صلاح الدين الجعفراوي