4- معرفة الحقوق والواجبات وأداؤهما بِيُسْر وتلقائية يساعد على الاستقرار الأسري والاجتماعي


2-المرأة بين الوضع القديم والوضع الجديد

أ- الوضع القديم :

لا يمكن للإنسان الواعي العاقل الرشيد المتبصر أن يدرك التحوُّلَ الخطير الذي أحدثه الإسلام في مسار الحضارة، ومسار الحياة الفردية والجماعية، ومسار الأسرة بجميع عناصرها، ومسار الفكْر والعقائد والمذاهب في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني.. إلا إذا كان له إلْمامٌ -ولو كان بسيطاً- بالوضع الذي كان عليه الإنسان بصفةٍ عامة والمرأة بصفة خاصة. حتى يستطيع الموازنة بيْنَ وضْع مُهينٍ متوارَثٍ، وبين وضْع جديد نُقِل فيه الإنسانُ -عموماً- والمرأة بصفة خاصة من الحضيض إلى قمّة التكريم الرباني الذي يجعلُ الخَلْق كلَّهُم عِيالَ الله تعالى، ويجعلُ أحبَّهُم إليه من يُحْسنُ إلى خلْقِه، بل أكْثَر من ذلك يجعلُهم محصّنين تمام التّحْصين منكُلِّ شياطين الجن والإنس {إنّ عِبَادِي لَيْسً لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وكَفَى برَبِّكَ وَكِيلاً}(الإسراء : 64) بل أكثر من ذلك يؤمِّنهُم في المستقبل الغيبيّ الذي لا يعرفُه إلا المومنون من كل خوف وحُزْنٍ، حيث يقول لهم : {يَا عِبَادِي لا خَوْفٌ عليكُم اليَومَ ولا أنْتُمْ تَحْزَنُون الذِينَ آمَنُوا بآيَاتِنَا وكَانُوا مُسْلِمِين ادْخُلُوا الجَنَّةَ أنْتُمْ وأزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بصِحَافٍ من ذَهَبٍ وأكْوَابٍ وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ وأنْتُم فِيها خَالِدُون وتِلْك الجَنَّةُ التِي أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تعْمَلُون لكُمْ فِيهاً فَاكِهَةٌ كَثِيرةٌ مِنها تَاكُلُون}(الزخرف 67- 72) وعْدٌ ربّاني صادقٌ بالحماية الربانية في الدنيا والأمان التام في الآخرة من كل ما يخيف ويُرْعب أو يُحزن، وكفى بالإنسان -رجلا وامرأة- شرفاً وفخْراً واعْتزازاً أن يجعله الله تعالى عبداً له ليحرِّره من كُلّ العبوديّات لجميع أنواع المعبودات، مهما كانت مكانتُها في نفس الإنسان الذي لا يعرف لنفسه، وزناً ولا اعتباراً.

وبما أن الأسرة الصالحة في الإسلام أساسُ المجتمع الصالح والأمة الصالحة، فإن الأسرة تقوم على دعامتين أساسيتين : الرجل الصالح، والمرأة الصالحة، وتوجيهُ السهام لإفساد المرأة هو في نفس الوقت إفسادٌ للرجل، أي جَعْلُ المرأة أُحْبُولةً من حبائل الشيطان بها يغرز مخالبه في عِفّة الإنسان وكرامته ونقائه وطهارته، فإذا انعدمتْ فيه صفات الكرامة والعفة أصبح عبداً لشهواته وخرج من دائرة العبودية لله تعالى وحده إلى دائرة التّلَفِ والضياع.

فما هي وضعية المرأة قديما؟!

قبْل التكلم عن وضعية المرأة بصفة عامة -باختصار- لا بأس من تسجيل نصٍّ يُؤرِّخ لقيمة الإنسان عموما قبْلَ بزوغ فجر الإسلام، يقول أحَدُ الملوك الأشوريين المتألهين، مفتخراً ومتعاظماً بغطرسته : >إنَّهُ حرَّقَ ثلاثَة آلاَفِ أسِيرٍ بالنّارِ< >أمّا أُولئِكَ الذِينَ أذْنَبُوا فِي حَقِّ أَشُور وائْتَمَرُوا بالشَّرِّ عَلَيَّ.. فقَد انْتَزَعْتُ ألْسِنَتَهُمْ مِنْ أفْواهِهِم المُعَادِيَةِ وأهْلَكْتُهُم، ومَنْ بَقِيَ مِنْهُم على قَيْدِ الحياةِ قدّمْتُهُم قرابِينَ جَنائِزِيّةً، وأطْعَمْتُ بِأَشْلائِهِم المُقَطّعَةِ الكِلابَ والخَنازِيرَ والذِّئَابَ<(1).

فماذا يُنتظَر للمرأة من مكانة في ظل أنظمة كُلُّ ملوكها يعتبرون أنفسهم أرباباً متألِّهين كالذي قال : {أنَا أُحْيِي وأُمِيتُ} أو الذي قال : {أنَا رَبُّكُم الأعلَى} إذْ نظرةُ هؤلاء إلى شعوبهم نِظْرةُ احتقار وازدراءٍ وتعالٍ واستكبارٍ، سواء كانوا رجالا أو نساءً، إلا أن النساءَ ينَلْن القَدْر الأكبر من الدُّونية والازدراء، فهي :

1) من حيث الخلْقُ : مخلوقةٌ من مادّة أقلَّمن المادة التي خُلِق منها الرجل، فتقول بعض الأساطير الهندية : >إن الخَالِق -عندهم- صاغ المرأَة من جُذَاذَاتٍ وقَصَاصَاتٍ تناثَرَتْ منْ عَمَلِيّاتِ الخَلْقِ، بعْدَ اسْتِنْفَادِ مادَّة الخَلْق التّي خُلِق منْها الرّجُلُ<.

2) من حيث علاقتها بالزوج : فهي ينبغي أن تخدم زوجها كما لو كان إلهاً، ولهذا فهي تخاطبُه في خشوع قائلةً : >يَا مَوْلاي، أو يا سَيِّدي، أو يا إِلَهِي، وإذا سافرت معه مَشَتْ  خلفه بمسافة بعيدة.

3) من حيث مكانتها الاجتماعية : فهي لا تتعدى أن تكون محَطّ شهوة الرّجُل، فلا اعتبار لها لا بصفتها : أمّاً، أو زوجةً لأب، أو زوجةً، أو بنتاً، أو أختاً، فزواجها مثَلاً، باستثناء زواجٍ واحِدٍ عرفه العرب، وأقره الإسلام، فيه الخِطبة والوليمة والإشهاد.. باستثناء هذا الزواج، كانت المرأة تتزوج الرّهط يُقَدَّر بالعشرة، أو أقل، أو أكثر، وكانت المرأة في حضارات أخرى تتزوج عن طريق الاغتصاب، والشراء، كما كان يُفرض على بعض النساء أن يكُنَّ خَادماتٍ للّهِ، أو خادماتِ المعْبَد، لتحقِّقَ المُتعة لرجال الدين “الكهنة” وتُسمى هذه المتعة “دعارة مقدسة” ويمكن أن يُسْمَح لهن بممارسة الدّعارة العلنيّة بأجْرٍ، بشرط أن يدفعن نصيبا من هذا الأجر لرجال الدين.

ولهذا المعنى، معنى القداسة، كانت الدّعارة شيئاً غير منكور أو مُزْدَرىً بل يُنظَر إلى هذه الدّعارة بشيء من الاحترام إلى درجة أن بعض النساء المحترمات كُنَّ يدفَعْن بناتهن إلى هذه الدّعارة المقدسة في المعابد.

وقد لخَّصَتْ إحْدَى بناتِ الطبقة العُليا في الصين مكانة المرأة في رسالة ذائعة الصَّيْت في الأدب الصيني، قالت فيها : “نَشْغَلُ نحْنُ النِّساءَ آخِرَ مكانٍ في الجِنْسِ البَشَرِيِّ، ونحْنُ أضْعَفُ قِسْمٍ من بَنِي الإنسانِ، ويَجِبُ أن يَكُونَ من نَصِيبِنا أحْقَرُ الأعْمَالِ”(2).

ب- الوضعالجديد :

لا يختلف اثنان في أن شرفَ المرأة ورفعةَ مكانتها قديما يتجليان في صيانة عرضها، وفي عِفّتها وطهارة أخلاقها، حتى في الجاهلية القديمة فهذه الخنساء رضي الله عنها تقول لأولادها عندما رَغَّبَتْهم في الجهاد بالقادسية : >يا بَنَيّ إنّكُمْ أسْلَمْتُم وهاجَرْتُم مُخْتارِين، ووَاللّهِ الذي لا إلَه غَيْرُه، إنَّكُم لبَنُو رَجُلٍ واحِدٍ، كما أنّكُمْ بنُو امْرَأَةٍ واحِدةٍ، ما خُنْتُ أبَاكُمْ، ولا فَضَحْتُ خالَكُمْ، ولا هَجَّنْتُ حَسَبَكُم، ولا غَيّرتُ نسَبَكُم، وقد تعْلَمُون ما أعدَّ الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرْبِ الكافِرين، واعْلَمُوا أن الدّار الباقية خَيْرٌ من الدّارِ الفانِية..<(3).

فهِيَ تُعْلِي رأسَ بنيها بشرَفِ الأصل، ونقاءِ النسَب، وعزّة الانتماء لأمٍ مشهورة بين الناسِ بالعفة وصيانة العرض… فعليهم أن يُتوِّجُوا شرَفَ الأصْل والمحتِدِ والمنبع بشرفِ اختيارِ المستقبَل الخالِد في دار النعيم الخالد.

ولا يختلف اثنان أيضاً في أن المرأة الدّاعِر -مهما تفنَّنَتْ في الإغراء- تُعْتَبَر في المجتمع ساقطَة الاعتبار، يُتَلَهَّى بها ثم تُرمى كما تُرمى قشورُ الفواكه في ِقماماتِ الأزبال.

وأحْسَنُ من يمثِّلُ وضع المرأة -في العصر الحاضر بشكل قانوني- هو وثيقة مؤتمر السكان بالقاهرة الذي انعقد من 5- 13 شتنبر 1994 برعاية هيئة الأمم المتحدة، فقد كانت الوثيقة عبارة عن توثيق وتقنين ما وصلَتْ إليه الحضارة المادية المُهْلكة للحرث والنسل، عن طريق إعطاءِ الحرية المطلقةِ للمرأة في العَبَثِ بجَسَدِها وقَتْلِه بجعْله سِلعةً للبيع في أسْواق اللذائذ والشهوات المحرّمة.

فقد انعقد المؤتمر تحت هاجس وحيد -في نظرهم- هو أن التكاثر السكانيّ قُنبلةً موقوتة ستنفجر عما قريب لتدمِّر وتخرب العالم، والعلاج الناجع هو التقليل من السكان ليحدُث التوازن بين الموارد الرّزقيّة -عالميا- وبين تزايد الأفواه المستهلكة لهذه الموارد، فهؤلاء -طبعا- لا يومنون بأن الله تعالى موجود، وهو الرزاق.

ولكي يتحقق هذا التوازن لا بأس بـ :

< جَعْل الأسرة تتكون إمّا : من رجل وامرأة، وإما من رجُل ورجل، وإما من امرأة وامرأة، إذا كان المُشكلُ هو قضاء الشهوة، فالشهوة تقضى باللواط والسحاق.

< الحثُّ على تعليم الثقافة الجنسية باستعمال الواقيات من الحمل أدوية وعوازل طبية، لكي يمارس الإنسان بنتا أو ولداً حقَّه الجنسي بدون خوف من التبعات.

< إذا وقع التهاون في الاحتياط ووقع الحمل فلا بأس من التخلص منه عن طريق الإجهاض.

< إباحة الممارسة الجنسية للمراهقين والمراهقات بدون محاولة كشف أسرار هؤلاء، أو التدخل فيهم، لا من الآباء ولا من الأمهات، ولا من الإخوة والأخوات، ولا من الدولة أو القانون، لأن هذه الممارسة خارج إطارِ الزوجية المشروعة تُعتبر حقا من حقوق الإنسان، ولهذا دعت الوثيقة كل الدول إلى إلغاء القوانين التي تحُدُّ من ممارسةِ الأفرادِ لنشاطِهم الجنسي(4).

إنه التَّتْويجُ القانونيّ للحرية المتفلِّتة من كُلِّ قيْد، وإنهُ التقْنينُ لاجتياز مَرْحلة الهبوط الإنساني إلى مستوًى أقلَّ من مستوى الحيوان.

ذكَرَ أحدُ العلماء أنه كان في زيارة للُنْدن، وكان معه صديقُه الذي اصطحبَ معه أسرتَه، فخرج هذا الصديق مع بنته الصغيرة إلى حديقة مشهورة هناك، فوجد شَابّاً مع فتاةٍ في وضع جنسي مكشوف، فسألَتْه الطفلةُ : ماذا يعمل هؤلاء يا أبي؟! قال الأب : هؤلاء حيوانات!! فقالت الإبنة ببراءة : وماذا يفعل هؤلاء الحيوانات؟! ولم يستطع الأب أن يُجيب، وفَرّ إلى مكانٍ آخر فوجد مشهداً أقبَحَ من الأول، فلم يَسَعْه إلا أن يَرْجعَ ببنتِه إلى الفندق الذي يقيم فيه(5).

وتزداد هذه الحضارة المادية إمعاناً في تقنين النزول والهبوط إلى تأسيسكليات متخصصة في البغاء يتخرّجُ منها المشاركون فيها بشهادة دبلوم مصدّقة باعبتارهم من الخريجين والخريجات في مهنة البغاء.

ألا نحمدُ الله تعالى على ديننا الذي كرَّم المسلمة أيّما تكريم؟! وصانَها من مِثْل هذا السُّعار الجنسيّ المحموم؟! وألاَ نرْفَع رؤسَنا اعتزازاً بأُسوتِنا محمدٍ  الذي حذّرنا من الوصول إلى هذه المرحلة الهابطة، فقال : >إِذَا اقْتَربَ الزّمانُ كثُرَ لُبْسُ الطَّيَالسَةِ، وكثُرَتْ التّجَارة، وكَثُر المَالُ، وعُظِّمَ ربّ المَالِ، وكَثُرَتْ الفاحِشَةُ، وكانتْ إمْرأةُ الصِّبْىانِ، وكثُر النّساءُ، وجارَ السُّلْطان، وطُفِّفَ في المِكْيالِ والميزانِ، يُرَبِّى الرجُلُ جَرْو كَلْبٍ خَيْرٌ له من أن يُرَبِّي ولداً، ولا يُوقَّرُ كبيرٌ، ولا يُرْحَم صغِيرٌ، ويكْثُرُ أولادُ الزِّنَا حتَّى إنّ الرّجُل ليَغْشَى المرْأة على قارِعَةِ الطّريقِ، فيقُول أمْثَلُهُم في ذلك الزّمانِ : لَوْ اعْتَزَلْتُم عنِ الطَّرِيق!! يَلْبَسُون جُلودَ الضَّأْنِ على قُلُوبِ الذِّئابِ، أمِْثَلُهُم في ذَلِك الزّمان : المُدَاهِنُ<(6).

فهل يُقدِّر المسلمون قيمة التّبعة؟! وحجْم الكارثة التي تنتظر الإنسانية بسبب تخلِّي المسلمين عن الدّعوة إقامة لحجة الله، وإنقاذاً للإنسانية من الدّمار؟!

—–

1- قصة الحضارة لـ : ول ديورانت 282/2.، وانظر المرأة المسلمة وفقه الدّعوة إلى الله 27، وقارِن بين فعل المتألهين القدماء والمتألهين الجُدُد، وما يفعلونه بالإنسان في مختلف البلدان الإسلامية ومدنها وسجونها من إهانةٍ وقتلٍ وإبادة، ولقد افتخر أحدُ الحُكّام -الذين حكموا البلاد بالحديد والنار منذ النصف الأخير من القرن العشرين إلى أواسط السبيعنات..- بأنه اعتقل في ليلة واحدة ثمانية عشر ألفاً من المسلمين.

2- المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله ص 34.

3- موسوعة عظماء حولالرسول  719/1.

4-  الإسلام حضارة الغد.

5- انظر الإسلام : حضارة الغد، للدكتور يوسف القرضاوي ص 36.

6- رواه الطبراني، انظر منهاج الصالحين لعز الدين بُليق، باب الفتن وعلامات الساعة ص 937.

ذ.المفضل فلواتي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>