يعلن هذا السؤال حضوره المليء بالحزن والأسى في واقعنا المعيش بشكل صارخ ومهين، ليكشف أن مظاهر المدنية الحديثة التي لونت حياتنا وممارساتنا وثقافتنا ليست سوى قشور لامعة نخفي بها عجزنا وتخلفنا، وتشكي هواننا على الناس. وهو سؤال أهمّ الفضاء الثقافي العام للأمة منذ أجيال خلت، ترجع إلى أوائل القرن الماضي، حين طُرح على هيئة تحرير مجلة “المنار” ،وأحيل إلى المفكر الإسلامي الأمير شكيب أرسلان ، ليقدم الجواب حول واقع تخلف المسلمين وتقدم غيرهم. ولفداحة السؤال تمدد الجواب عساه يغطي جوانب من الموضوع، وكان أن تحول إلى مؤلف يحمل العنوان أعلاه.
وإذا كان هذا الكتاب قد أبان عن فكر الحركة الوطنية المغربية، وساهم في إضفاء المشروعية على عملها السياسي، وقدم بيانا موسعا للخروج من وهدة التأخر، فإن مختلف العلل التي شخصها أرسلان مازالت ، بشكل أو بآخر، ناشبة أضافرها في مجتمعاتنا ، تفرز عللا أخرى، وسقوطا أشد مرارة ، ليظل السؤال حاضرا بعنف، يسجل أن هذا التقدم المادي، وما صاحبه من تنوير على مستوى الفكر والعقل، يزج بنا نحو عنق حضارة متأزمة ظالمة، بدلا من الانخراط في الحضارة العلمية القائمة على المعرفة المنضبطة بالقيم الإنسانية .
وإذا استقرأنا روح السؤال نجد أنه يسعى للتنبيه إلى العمل على اكتشاف الخلل في ذاتنا أولا وثانيا وأخيرا، وإلى قضية الاستجابة الملائمة لمختلف التحديات المحيطة بنا ، والتي كان أخطرها وضع العقل مقابلا للوحي ، وفصل المعرفة والعلم عن العمل والسلوك ، ففقد العقل وظيفته التفكرية، وفقد الوحي فاعليته، وتميعت المعرفة وأصبح العلم تقليدا، وخرج العمل عن هدفه وانهار السلوك . وربما كان لفقدان الروح الجماعية ، وغياب التلاحم بين العلماء والمثقفين وبين عموم أفراد المجتمع من جهة، والهوة الواسعة بين العلماء والمثقفين وصانعي القرار من جهة أخرى دور أساس في تعامينا عن اكتشاف الخلل في ذواتنا ، وتعطيل القدرة على الاستجابة ، فتشتتت الولاءات وتنوعت الانتماءات، الأمر الذي أدى إلى ضعف في توظيف الطاقات واكتشافها وإعدادها إعدادا متكاملا يستجيب لمختلف التحديات ويضع الدواء لكل خلل، كما أدى إلى إحاطة أنفسنا بأسوار من السلبية والغثائية والتفلت من المسؤولية، وإلى الدوران حول سؤال:”لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم.
دة.أم سلمى