ندوة :الجهود الـمبذولة في خدمة السنة النبوية


كلمة أ.د. الشاهد البوشيخي مدير معهد الدراسات المصطلحية باسم المشاركين

فــي نــدوة

الجهود الـمبذولة في خدمة السنة النبوية

جامعة الشارقة 25- 26 ربيع الأول 1426 (4- 5 مايو 2005)

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد و آله

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

< السادة العلماء، خَدَمَة السنة المشرفة، وحماة الحنيفية السمحة، ونقلة ميراث النبوة، والموقعين عن رب العالمين، جيلا بعد جيل إلى يوم الدين،

< أيها الحضور الكريم، المشتاق إلى النهل من حياض العلم، الساعي إلى التزود من أطايب الكلم الطيب،

وحييتم بالروح والريحان، وطبتم وطاب ممشاكم، ونعم السعي مسعاكم، إلى مائدة العلم الشهية، وأنوار السنة المحمدية، تشرق بها الشارقة المشرقة، نور على نور، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

< عشاق السنة الأماجد،

ها هو الطابق الخامس عشر يتمهد، من عمارة رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد،

وإنها لعمارة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها!

وإنها لعمارة تحسبها جامدة وهي تنمو نموا فوق السحاب، صنع الذي أتقن كل شيء!

وإنها لعمارة تسمو أن ينال منها الاستشراق أو الاستغراب، وتعلو ببديع صنعها أن تمسها موجات الطعن والانحراف!

ألا فليحدث الحداثيون ما شاءوا من محدثات، وليطعن الطاعنون ما شاءوا من طعنات، وليجهز أبرهة ما شاء من فيلة، فإن للبيت ربا يحميه.

وإن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا.

ألا وإن الطابق الخامس عشر من عمارة رسول الله  سيبنى، آية للناس ورحمة، وكان أمرا مقضيا.

ألا وإنه لقرن الإنقاذ بعد السبعة السمان والسبعة العجاف،

ألا وإنه للقرن الذي فيه يغاث فيه المسلمون بإذن الله تعالى وفيه يعصرون.

بذلك ينطق التاريخ بفصاحة، لمن كان له نظر، أو كشف عنه الغطاء فبصره حديد.

وبذلك تحَدَّث المبشرات من الأحاديث والآيات، لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد. {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه وكفى بالله شهيدا}(الفتح : 28).

< خدام السنة الأماجد،

لا جرم أن المعضلة الأولى في البحث العلمي في التراث هي معضلة النص؛ ذلك بأن التراث هو الذات، وأغلب التراث مازال غير محقق، وأغلب محققه ما زال غير موثق، وأغلب موثقه مازال لضعف انتشاره في الأمة كغير المنشور.

وكل نقصان في النص أو فساد، يؤدي إلى نقصان في التصور أو فساد.

فمتى يمكن الاستيعاب إذن، ليمكن التحليل الصحيح، والتعليل الصحيح، والتركيب الواجب؟

إن تحقيق التراث في السنة وفي غير السنة، يبقى على رأس الأولويات لخدمة الذات، وإن إعداده الإعداد العلمي، موثقا محققا مكشفا، يبقى من حق الآباء الآكد على الأبناء حتى يؤدوه، ومستعجلا من مستعجلات إنقاذ الأمة من التصور الناقص أو الفاسد للذات؛ إذ كل ما بني على ناقص أو فاسد فهو ناقص وفاسد، ولن يستقيم التصور للذات بأوسع معنى للذات حتى يستقيم تصور التراث بأوسع معنى للتراث.

ثم من بعد ذلك تأتي :

1-   أولوية المصطلــــــح :

والمصطلح الخادم للسنة المشرفة مصطلحان:

< الأول هو مصطلح نصوص السنة نفسها، وهو المصطلح الشريف. وهذا تبعيته لأصله الشريف الأشرف : مصطلح القرآن الكريم، أظهر من أن تعرّف. لأنه مصطلح البيان لمصطلح القرآن، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يفرِّق، لا في النفس ولا في الدرس، بين الوحي المبيَّن وبين الوحي البيان. وهما معا المصطلح الأصل. وإقامة المصطلح الأصل هي الأصل. وهي تستلزم فيما تستلزم :

أ- إقامة لفظه باستعماله في التواصل بين الناس، لأنه المختار للناس، كل الناس، من رب الناس ملك الناس إلاه الناس. فمن هجره فقد هجر كتاب الله تعالى، ومن اختار غيره فقد اختار غير ما اختار الله جل وعلا.

ب- إقامة مفهومه بأن يفهم من لفظه ما فهمه أو فهِّمه من أو حي إليه به صلى الله عليه وسلم دون تغيير أو تبديل، بدلالة زمن التنزل للألفاظ، ودلالة سياق الاستعمال للألفاظ. ولن يصلح آخر هذا الفهم إلا بما صلح به أوله، وهو استفادة المفهوم من مجموع صور استعمال اللفظ مفهوما بدلالة زمن التنزل، وإلا فهو التشوه والتشويه المستمر.

جـ- إقامة العمل به بالتخلق بما يقتضيه مفهومه في الظاهر والباطن معا… ذلك بأن الدليل على حاقّ التحقق هو التخلق، وما لم يتمثل المفهوم في واقع يمثله فلن تمثـُل القدوة، ولن تقوم الحجة، ولن يظهر للعيان ما جاء به الوحي في القرآن والسنة البيان.

< المصطلح الثاني هو مصطلح علوم السنة الخادمة لها رواية ودراية. وهو من المصطلح الفرع الذي انشغلت به الأمة طويلا عن اشتغالها بالمصطلح الأصل. وحقه الدراسة كغيره من فروع المصطلح الفرع في مختلف مجالات التراث:

ولا يمكن فهم الذات بغير فهم التراث في مختلف المجالات، كما لا يمكن الدخول إلى عالم التراث من غير بوابة المصطلحات، ولذلك كانت دراسة المصطلحات من أولى الأولويات في خدمة أي فن من فنون التراث.

ومن العلوم التي هي على رأس ذلك لا شك، علم الحديث الذي بلغ من اهتمامه بالمصطلح أن سمي بعلم المصطلح.

فحق على الباحثين فيه أن يدرسوا مصطلحاته الدراسة الوصفية والتاريخية، وحق على الباحثين فيه قبل ذلك أن يجمعوا جهود السابقين في تعريف مصطلحاته لتمييز ما للسابق مما للاحق.

وإنها لخدمة جليلة لعلم الحديث أن يخرج إلى الناس يوما معجم تاريخي صحيح لمصطلحات علم الحديث.

2- أولوية مدونة الحديث المقبول :

أجل، هي أولوية ذكرها الذاكرون وغفل عن ذكرها الغافلون؛ ذلك بأن الأمة وهي تستعد للعودة، لا بد لها من حصر متن الانطلاق، ولاسيما للأجيال القادمة؛ وقد تكفل الله جل جلاله بحفظ كتابه في كتاب، وبحفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من كتاب، فوجب العمل على جمعها بعد اليوم، تيسيرا على الأمة، في كتاب.

< ولقد آن الأوان، لينفر من كل تخصص علمي طائفة مصطفاة من الأمة، ليعدوا بيت تخصصهم تحضيرا لغد الأمة.

< ولقد آن الأوان، لينهض في الأمة على مستوى الأمة لكل تخصص كيان.

< ولقد آن الأوان، ليعلن من هذا المكان أن أقيموا يا أهل الحديث مجمعا عالميا للحديث، يشرف على جمع كلمة الأمة على المقبول من الحديث، يضطلع بالفتوى في القضايا العظمى والنوازل الكبرى في الحديث.

فهل إلى تأسيس من سبيل؟

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.

وبارك الله تعالى في سعي كل من أسهم في هذا الخير أو أعان عليه وجعله مشكورا.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>