شغب الإساءة إلى القرآن


ظاهرة تشويه القرآن الكريم وتدنيسه ليست جديدة، وماحدث في غوانتانامو ما هو إلا حلقة في سلسلة بدأت مع مسيلمة الكذاب ثم القرامطة ثم ….قائمة طويلة من المسيئين للقرآن عبر التاريخ، وذلك كله يدخل في إطار الصراع بين الحق والباطل، فكلما ضعف الحق وأهله اشرأب الباطل برأسه فطغى وأحدث في الأرض الفساد، وهذه سنة الله في الارض.

إن التذمر والمظاهرات التي وقعت مؤخرا احتجاجا على تدنيس المصحف الشريف من قبل الأمريكان في غواتانامو ومساجد العراق – وإن كان ذلك غير كاف – يدل على أن القرآن الكريم مايزال يتربع على قلوب المسلمين رغم الوهن الحضاري الذي يعيشونه ورغم الآثار المدمرة لتعطيل القرآن في حياتهم الفردية والجماعية.

والحقيقة أن ما جعل الغير يتجرأ على القرآن كل هذه الجرأة، هي جراءتنا نحن، حكاما ومحكومين.

ألم يدنس القرآن مرارا في بلداننا من بني جلدتنا الذينيتسمون بأسمائنا؟

ألم يدنس القرآن في جامعاتنا ومعاهدنا وكلياتنا في فترة من الفترات بعدما قطعه (التقدميون جدا) ووطأوه بأقدامهم ؟

ألا يدنس القرآن يوميا على صفحات جرائدنا ومجلاتنا ومواقعنا الإلكترونية وقنواتنا التلفزيونية؟

ألا يساء إلى القرآن في تعليمنا من خلال تجفيف منابع التعرف عليه بحذف المادة الإسلامية تماما في بعض الدول وتقليصها بشكل كبير في أخرى تطبيقا لتوصيات(كبيرهم هذا) الذي علمهم التدنيس وجرأهم عليه؟

أليست دعوات القراءة الجديدة للقرآن ممن لا يحسنون حتى اللغة العربية ولا يمتلكون ناصية أدوات المعرفة الإسلامية ، أليست هذه الدعوات إساءة للقرآن؟

أليست الدعوة إلى إعادة ترتيب القرآن الكريم إساءة للقرآن؟

أليست الدعوة إلى تقديم القوانين الغربية على الأحكام الشرعية إساءة للقرآن؟

ألا يعتبر هجران القرآن والتضييق على أهله من خطباء وحفظة ومعلمين له إساءة للقرآن؟

إن نظرة فاحصة لتفاصيل حياتنا تبين-دون عناء-ذلك البون الشاسع بين القرآن وبين ما يجب أن نكون عليه من تقدير لهذا الكتاب العظيم الذي ضمن الله عز وجل حفظه واستمراره رغم تخاذلنا نحن ورغم تربص الآخرين به لقوله عز وجل {إنا نحن نرلنا الذكر وإن له لحافظون}، فهو لا يندثر ولا يتبدل ولا يلبس بالباطل ولا يمسه التحريف رغم المحاولات العديدة التي عرفها التاريخ ولازال إلى الآن.

إننا ما زلنا ننظر اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ القرآن، فنرى فيه المعجزة الشاهدة على ربانية هذا القرآن، فقد مرت عليه أيام الفتن الأولى التي كثرت فيها الفرق والنزاعات وتماوجت فيها الاحداث، ودخل في هذه الفتن أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود خاصة ثم آخرون تعددت أشكالهم وأسماؤهم ومضمونهم واحد؟

ورغم المحاولات اليائسة للمضللين والمنحرفين والمنافقين، بقيت نصوص القرآن حجة باقية على كل محرف مخرفمؤول إلى يومنا هذا، حيث ضعف  المسلمين المضاعف الذي يتجلى في العجز عن حماية النفس والعقيدة ونظام القيم والأرض والعرض والأموال والأخلاق، وحيث غير علينا أعداؤنا الغالبون كل معروف عندنا وأحلوا مكانه كل منكر من العقائد والتصورات والموازين الظالمة، وزينوا لنا الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص (الإنسان) بغية ردنا إلى حياة يعافها حتى (الحيوان)….

إنه الشر تحت عناوين براقة من (التقدم) و(التطور) و(العلمانية) و(العلمية) و(التحرر) و(تحطيم الأغلال والطابوهات)و(التجديد)و(القراءة الجديدة) للقرآن و… ورغم ذلك لم يستطع أعداء هذا الدين تبديل نصوصه مع أنهم لم يكونوا في هذا من الزاهدين وكانوا على تحريفه من الحريصين المثابرين، فقد كانوا أحرص الناس على نيل هذا المراد لو كان ينال، وأخرجوا (الفرقان الحق) للتشويش على القرآن وأهله، لكن هيهات (انظر ص 6 من هذا العدد).

إن رصيد المحرفين يتجاوز أربعة آلاف سنة من الكيد لدين الله أي حتى قبل القرآن، وقد نجحوا أحيانا في الدس في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي تاريخ الأمة وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم الأمة المسلمة ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرو الوجوه، وقدروا على تقديم عملائهم في صورة الأبطال ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في الجسد الإسلامي… ربما حققوا كثيرا من الأمنيات. ولكن مالم يقدروا-ولن يقدروا-عليه هو إحداث شيء في الكتاب المحفوظ الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه لوهنهم الحضاري .

إنها معجزة باهرة تشهد بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم.

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} إنه الوعد الرباني الأزلي الذي ظل ساري المفعول في مفاصل الأمة ومفاصل التاريخ  رغم كل تلك القرون الطوال من الأحداث الضخام والفتن المظلمة.

هذا الحفظ هو المعجزة الشاهدة على ربانية هذا الكتاب وعلى تهافت المتهافتين وشغب المشاغبين {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.

وتذكيراً لأنفسنا وللمسلمين كان هذا العدد عن القرآن الكريم.

محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>