إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. ونصلي ونسلم على نبي الرحمة، الذي أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. من يهده الله فلا مضل له ومن يُضلل فلا هادي له. إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي مولانا رسول الله ، وشر الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، نعوذ بالله من النار وأحوالها وأهوالها، وما يقرب إليها من قول وعمل.
أما بعد :
فيا أيها الإخوة المؤمنون
نعيش إن شاء الله تعالى مع حديث شريف رواه البخاري ومسلم والترمذي، منا من يحفظه، ومنا من سمعه، ومنا من حفظه ونسيه، وإنما نُذكِّر به أنفسنا وإخواننا الكرام.
فعن حذيفة بن اليمان ] قال : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدْرِكَنِي، فقلت يا رسول الله : إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : “نعم”، قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : “نعم وفيه دخن” قلت : وما دخنه؟ قال : “قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر” قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال :”دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها”، قلت : صفهم لنا، قال : “هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا” قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال : “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم” قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال : “فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يُدْرِكَكَ الموت وأنت على ذلك”.
“دخن” الكدر : أي إن الخير ليس خالصا ولا صافيا بل فيه كدر، لأن ظاهره غير باطنه.
“بغير هدي” : بغير اتباع لهدي الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
“تعرف منهم وتنكر” : {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}.
“دعاة” : داع إلى الهدى وداع إلى الضلال، فالأنبياء يدعون الناس إلى طريق الهداية والرشاد، والشيطان وأعوانه يدعونهم إلى الغي والفساد، قال تعالى عن سيد الرسل : {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا}.
“دعاة على أبواب جهنم” : أي أنهم يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى بأنواع الخبث والمكر والخديعة.
“جِلدتنا” : المراد أنهم منا وأنهم من عشيرتنا، ويتكلمون بألسنتنا، فهم ليسوا أجانب ولا غرباء عنا، ولكنهم خبثاء يقولون ما لا يفعلون، ويُبطنون ما لا يُظهرون.
من المسلمين من يعملون ضد الإسلام، بل يحاربون المسلمين جهرا وسرا ـ بشتى الوسائل ـ فليعلم هؤلاء، أن الله رقيب عليهم {لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}، وهو سبحانه يُمهل ولا يُهمل، يُمْلي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِته {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
فحذيفة بن اليمان هو صاحب سر رسول الله ، لم يكن ليقنع من هذا الدين العظيم بالسؤال عن أمور الهدى والرشاد، بل تعداه إلى السؤال عما يهم المسلمين “ومن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم” كما قال .
أيها الإخوة المؤمنون :
ها أنتم تسمعون وتشاهدون هذه الحملة المسعورة على المسلمين في جميع أقطار العالم، وهذا التحالف الغاشم الذي يصف المسلمين بالإرهاب، وأنه يجب محاربتهم في كل مكان، فمن صنع الإرهاب ورسخ جذوره؟ من هم الإرهابيون الحقيقيون؟ لا يمكن لعاقل أن يقول إنهم المسلمون.
المسلم لا يمكن بحال من الأحوال أن يقتل أخاه المسلم، ولا يمكن أن يخرب ويدمر، المسلم متشبع بأخلاق رسول الله ، يخاف الله في السر والعلن ويراقبه سبحانه في جميع تحركاته وسكناته.
üüüüüüü
أيها الإخوة المؤمنون :
إن حديث حذيفة ] دال على رسوخ الإيمان في القلب والخوف على دين، والتشبث بمحبة المسلمين، والاجتهاد في جمع كلمتهم، حتى يكونوا صفا واحدا مرصوصا.
وللثبات على العقيدة، أسوق لكم هذا النموذج الحي لواحد من عباد الله المؤمنين، الذين تمكن الإيمان من قلوبهم، فأصبحوا لا يرون إلا الله ولا شيء يرجعهم عن محبته سبحانه.
كتب ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذيفة السهمي، أنه أسره الروم، فجاؤوا به إلى ملكهم، فقال في جوابه لملك الروم ـ والروم قلب الغرب آنذاك ـ : لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد طرفة عين ما فعلت، فقال ملك الروم : إذن أقتلك. فقال عبد الله السهمي : أنت وذاك. فأمر به فصلب، ولكن كيف؟
يقول ابن عساكر : أمر الرماة فرموه قريبا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بقِدْر من نحاس فأحميت، وجيء بأسير من المسلمين فألقوه فيه وهو ينظر، فإذا هي عظام تلوح، وعرض عليه النصرانية، في هذه الحال فأبى، فأمر به أن يُلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقى فيها فبكى، فطمع فيه ودعاه، فقال عبد الله : إنما بكيت لأن نفسي إنما هي واحدة تلقى في هذا القدر الساعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله. (نفائس اللطائف : ص 244)
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ومحبتك وطاعتك. واهد العصاة الضالين لأنفسهم ولغيرهم إلى طريقك المستقيم. اللهم أصلح ظاهرنا وباطننا وأصلح جميع المسلمين.
ذ.محمد بنشقرون