الديمقراطية الغربية… الحسناء في المنبت السوء


 

إن القرآن الكريم في حديثه عن فرعون وهامان ونمرود  وأصحاب الأخدود  وكل جبابرة التاريخ يدين الحكومة الاستكبارية التي تربط الناس والنظام والقانون بوجودها بديلا عن جهاز سياسي قويم قوامه إرادة تقابل إرادة أنظمة الحكم الفاسدة المستبدة، إرادة التغيير الحضاري الشامل  الذي ينطلق من أسس الثقافة التوحيدية التي تحترم حركة الإنسان وحركة المستضعفين {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}( القصص : 56).

إن ورثة الأنبياء من المستضعفين ينبغي أن يكونوا أئمة في العلم والتقوى والدّعوة ليربُّوا الإنسان الذي يمكِّن الله له في القلوب قبل الأرض.

إن ” الشعور الديموقراطي الغربي ” -كما يصفه مالك بن نبي- راجع إلى كونه نتيجة ومآلا طبيعيا لحركةالإصلاح والنهضة التي عرفتها أوروبا خاصة، رغم أن الأمر ـ في مقارنته بالمرجعية الإسلامية ـ  يحتاج إلى المزيد من الحذر، فقد يتصور المرء في بادئ الأمر  أن الغرب يمارس ديمقراطية حقيقية غير أن من يطالع الأوضاع وخلفياتها الخفية يرى صورة عن الديمقراطية لا روح فيها وشكلا من حرية الانتخاب لا وقع له، فالإنسان في تلك الديار مسير بفعل العوامل الدعائية التي تملكها شرذمة من أصحاب الثروة والنفوذ والمصالح ، فالإنسان الغربي يمارس ديمقراطية كاذبة لأنه لا يختار إلا تحت التأثير الإعلامي من تريد تلك الشرذمة من أصحاب المصالح والنفوذ لا ما يريده هو في قرارة وجدانه أو يحكم به عقله وتقتضيه مصالحه (معالم الحكومة الاسلامية:جعفرسبحاني ص70/71 ،ط1/1984 )

إن الديمقراطية الغربية متخلفة في جانبها التطبيقي لأن الإنسان في الغرب ينتخب تحت تأثير الأجهزة الإعلامية والدعائية الفعالة والمؤثرات ماظهر منها وما بطن (الجلية والخفية) ، ينتخب من تروج له دعايات أصحاب الشركات والمعامل الكبرى أو من تدعو له الراقصات والمغنيات والعاهرات الحاملات لصور المرشح على صدورهن العاريات ، ناهيك عن شراء الأصوات والتحالفات المصالحية ، لذلك إن انتخاب مرشح شرذمة معينة لا قيمة له في ميزان العدل والحق الإسلاميين، إذا كان الشعب سيساق مثل القطيع إلى صناديق الاقتراع.

إن ” الشعور الديموقراطي ” هو ” نتيجة لاطراد اجتماعي معين ، فهو بالمصطلح النفسي الحد الوسط بين طرفين كل واحد منهما يمثل نقيضا بالنسبة للآخر ” (تأملات: مالك بن نبي ص66) .مثل المستعبد والمستعبد والمستبد و المستبد به ، والإنسان الذي تتمثل فيه قيم الديموقراطية هو ذلك الذي يمثل الحد الإيجابي بين ” نافية العبودية ونافية الاستعباد ” هذا هو  المقياس ” الذي تقاس به الأشياء بالنسبة إلى أي تطور ديموقراطي سواء كواقع اندثر في طيات التاريخ أو كمشروع نريد تحقيقه في واقع مجتمع”( نفسه ص67 ) .

إن تطورا من هذا النوع هو في حقيقة الأمر عملية تصفية للإنسان حين يتخلص من رواسب العبودية ونزعات الاستعباد بصفتهما صورة مشوهة للشعور الديموقراطي . فالعبد الذي يقول ” نعم ” في كل الظروف يكرس سلبية معناها رغم إيجابية لفظها . ” إن ” نعم ” هنا تساوي نافية ، تلغي قيمة الــــ ” أنا ” والذات  أي أنها تنفي القاعدة الأساسية التي تبني عليها الديموقراطية  في نفس الفرد الشعور الديموقراطي “(نفسه ص68 )،  وإن المستبد المستعبد صورة أخرى لنفي للآخرين .

إن الديمقراطية الغربية مثلها في ذلك مثل خضراء الدمن التي تحدث عنها خير البرية  حينما قال : >إياكم وخضراء الدمن ، قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله قال : الحسناء في المنبت السوء<(أو كما قال .

ذ.محمد بنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>