من المعلوم عندنا أن ثورة مصطفى كمال أتاتورك بتركيا دشنها العلماء والصلحاء بطلب وإلحاح منه، باسم الله وبالأدعية الصادقة والتضرع الخالص وبالصلاة على النبي . وكان من علماء وصلحاء المسلمين الحاضرين؛ الحافظ المحدث الكبير والولي الصالح بإجماع الأمة الإسلامية؛ الشريف محمد ابن جعفر الكتاني، والمجاهد العظيم والصالح الصادق الأمير الشريف أحمد السنوسي، وكان ذلك الاحتفال يوما مشهودا مازال منقوشا في ذاكرة الأجيال ومسجلا في صفحات التاريخ الخالد……
غير أن الطُّغْمة المدسوسة في القيادة التركية استبدت بالأمر واستجابت لمطالب الغرب وروسيا، بتحويل تركيا إلى نظام علماني معاد للإسلام وظل كذلك إلى الآن، حتى أن عدنان مندريس رحمه الله، لما أعاد الأذان بالعربية وفاء لوعده الذي وعد به المصوتين لصالحه، خُلِع من رئاسة الوزراء بانقلاب عسكري، وحُكم عليه بالموت شنقا لخرقه القانون الإلحادي المقدس. وبعد نحو من عقدين بنى له الشعب التركي في عهد الرئيس أُوزَال ضريحا ضخما في شارع من أعظم شوارع إسطانبول، وقد مررنا به ودعونا له باعتباره شهيد الأذان.
إن حراس العلمانية لا يسمحون للطالبات بالجامعات التركية بتغطية الرأس، وقد رأينا بعضهن وقد هاجرن لأمريكا وأوربا لإتمام دراستهن حفاظا على لباسهن الإسلامي؛ وهم أشد حراسة وإغلاقا للحدود والمنافذ أن ينفذ من خلالها نور الإسلام إلى الحكم والإدارة والمؤسسات الحكومية والعسكرية، لكنَّ الإسلامَ مع ذلك يزحف كل يوم، بل كل لحظة فتشرق أنواره على جماهير كثيرة من شعب تركيا في بيوتها وأسواقها وأزقتها وجبالها وسهولها، وأخيرا وليس آخرا فإن الإسلام يزحف على البنوك الربوية والشركات الرأسمالية بتركيا العلمانية، بل إن هذه البنوك والشركات هي التي تسرع الخطى نحو المعاملات الإسلامية الخالية من رجس الربا، البريئة من الاستغلال البشع، حتى أصبح الاقتصاد الإسلامي الطاهر يمثل 36% من الاقتصاد التركي، وقد جرت ثلاثون ألف عملية غير ربوية خلال السنة الماضية وهي في تزايد ونمو، وقد وجدت البنوك والشركات والمقاولات التركية في هذه المعاملات فوائد كبيرة، وأرباحا كثيرة ضمانات أكيدة وثقة واضحة…
وهكذا ينبثق الإسلام في تركيا عبر ميادين اقتصادية وتجارية ومالية، فمتى تقتنع الدول العربية والإسلامية التي ينص دستورها على الإسلام وأن تشريعها هو التشريع الإسلامي إما على مذهب مالك أو المذاهب الفقهية الأخرى، في حين تصر على مناصرة الرّبا ومحاربة الإسلام الذي يحرم الربا، ومناصرة العُرْي ومحاربة الستر الإسلامي ومناصرة الفساد والمفسدين ومحاربة الصلاح والمصلحين بشهادة منظمات ومؤسسات دولية كبيرة.
على كل حال فإن دماء الشهداء الأتراك الذين جاهدوا لإنقاذ تركيا منأعدائها الألداء ستورق أمنا وسلاما وتقدما ونهضة في ظل شمس الله التي أشرقت على هذا البلد العظيم.
د.عبد السلام الهراس