(القيم الإسلامية والحضارية في الكتب المدرسية الجديدة بالمرحلة الإعدادية


طرق اكتسابها وإكسابها للتلميذ)

الحلقة الثالثة :  طرق اكتساب القيم وإكسابها للتلميذ

1- أهمية تدريس القيم :

يعتبر تدريس القيم أصعب من تدريس المفاهيم والمهارات نظرا لارتباطها، أي القيم، بالجانب الوجداني من جهة، ولأنها مجال مشترك بين كل المواد من جهة ثانية، إذ لكل مادة قسط معين في تحقيقها.

وعلى الرغم من تلك الصعوبة، فإن تدريس القيم يمكن، في جانب التلميذ، من التنبؤ بسلوكه في مختلف الوضعيات التعليمية، التعلمية، وتوجيه ذلك السلوك نحو ما هو مطلوب ومرغوب فيه. وإذا كان المدرس متمثلا لتلك القيم، فإن التلميذ يقتدي به، وتتحسن العلاقة بينه وبين تلميذه الذي يقبل على التحصيل والإبداع والابتكار ومضاعفة الجهود لذلك.

ثم إن تدريس القيم يفترض في الأستاذ تقدير عمله والإخلاص فيه وإتقانه، كما يظن فيه حب الخيرللتلميذ، فيجريه “مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه… وأن يحب له ما يحب لنفسه، وأن يكره له ما يكره لنفسه…”(12).

ومن المعلوم أن التلميذ يسبح في محيط من القيم : في المؤسسة التعليمية، في الشارع، في الأسرة، مع الأصدقاء والأقران… ويتعرض يوميا لتربية مكثفة على القيم عبر شبكة معقدة من العلاقات ووسائل الإعلام البسيطة والمتطورة وغيرها.

كما أنه من المعلوم أيضا أن المدرس، بدوره حامل للقيم، يدرسها شاء ذلك أم أباه. والسؤال الذي ينبغي أن يطرحه على نفسه ليس هو : هل أدرس القيم؟ بل هو كيف أدرس القيم؟.

2- تدريس القيم في الكتاب المدرسي (دليل الأستاذ) :

بداية، تجدر الإشارة إلى أننا لا نكاد نعثر على أي تعريف للقيم في دلائل الأستاذ، سوى تعريفين : أحدهما منقول عن المعجم الفلسفي لجميل صليبا، أخذ به دليل “فضاء التربية الإسلامية” دون نسبته لصاحبه، وآخر مأخوذ عن معجم علوم التربية لعبد الكريم غريب وزملائه في دليل “المنير في التربية الإسلامية”(13).

ولم يتكلم أي دليل عن القيم وتدريسها، باستثناء دليل “فضاء التربية….” الذي خصص -في الإطار النظري- عنصرا للتربية على القيم أكد فيه على أن “تعليم القيم أمر صعب لأنها تمس ما هو وجداني في شخصية المتعلم وذاتيته…”(14). وأشار الدليل -فيما يتعلق بتدريس القيم في المادة -إلى ضوابط يتطلبها دورها في بناء ودعم القيم” من قدوة، ومعرفة قائمة على الفهم، وإدراك العلاقات بين المفاهيم الإسلامية والحياة، وتوجيه المتعلم إلى التفكير والتأمل والمناقشة، وإبداء الرأي والاستنتاج، وصولا إلى الاقتناع والحماس والإيمان القوي”(15).

أما “تخطيط المواقف التعليمية الكفيلة بتوضيح القيمة وتحليلها والسلوك انطلاقا منها”(16)، فيتطلب “من المدرس مراعاة ما يلي:

- تحقيق النظرة الإسلامية الكلية المتكاملة إلى القيموالمعرفة والسلوك، وتحسيس التلاميذ بهذه النظرة الشمولية.

- التزام المدرس بهذه القيم فكرا وسلوكا، والتخطيط للمواقف التعليمية في ضوئها.

- توفير المناخ المناسب، خاصة النفسي، لتوجيه وتعديل مسار الفكر والسلوك من خلال قاعدة صلبة من القيم”(17).

أما بقية الدلائل، ففيها إشارات قليلة جدا إلى ما يمكن ربطه بتدريس القيم، انطلاقا من كلامها حول التدريس بالكفايات، وفيما يلي تلك الإشارات :

أ- دليل “واحة التربية الإسلامية” خصص بعض الصفحات لموضوع الكفايات، لكنه اقتصر -في موضوع القيم- فقط على بعض “مواصفات المتعلم الواردة في الاختيارات والتوجهات في مجال قيم العقيدة الإسلامية وقيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية”(18).

ب- دليل “في رحاب التربية الإسلامية” أشار في صفحتين للكفايات (ص8 و9) ثم خصص فصلا كاملا للموضوع (من ص 19 إلى 26)، لكنه لم يشر إلى القيم، بله تدريسها، إلافي ص 6 حيث ذكر الاختيارات والتوجهات في مجال القيم منقولة من الوثيقة الإطار ومن الكتاب الأبيض.

وفي ص 42 ذكر بعض طرق التدريس الفعال (الطريقة الحوارية، الطريقة الاستكشافية والاستنتاجية، طريقة التعلم الجماعي) دون ربطها بتدريس القيم.

جـ- دليل “المنير” أفرد عدة صفحات للكلام عن الكفايات وتقنيات التنشيط المرتبطة بالتدريس بها (من ص11 إلى17)، وتكلم عن “بيداغوجية حل المشكلات”، مشيرا إلى ما يمكن اعتباره قيما حينما عدد مزايا تلك البيداغوجية والتي منها أنه “بواسطتها يتم التعاون والتكامل والتفاعل مع الآخر على مستويات عدة : وجدانيا -معرفيا -حسيا -حركيا”(19). ولم يشر إلى القيم صراحة إلا في قوله : “يعتبر التنشيط من التقنيات التربوية المعتمدة في العملية التعليمية، وأساسا في اكتساب المعارف والمهارات والقيم”(20)، ولم يذكر إلا تقنية “الزوبعة الذهنية فقط.

د- دليل “إحياء التربية الإسلامية” أفرد عدة صفحات للكلام عن الكفايات (من ص 7 إلى ص 16). وعلى الرغم من تعرضه مثلا للوضعية المشكلة من حيث تعريفها وعناصرها وخصائصها، وللصراع المعرفي -الاجتماعي، وللطرق التربوية لتنمية الكفايات (الطريقة التلقينية، الطريقة الاستقرائية -الاستنباطية، الطريقة الاستكشافية)، وعلى الرغم من تعرضه أيضا “للنهوج المعتمدة لاكتساب الكفايات”(21) خاصة “المبنية المبني على بيداغوجية حل المشكلات”(22) و”النهج الافتراضي – الاستنتاجي”(23)، على الرغم من كل ذلك، فإنه لم يتعرض للقيم، بله تدريسها، إلا في إشارة إلى ما يمكن للنهج الأول أن ينميه من كفايات لدى التلميذ مثل “الالتزام بالأخلاق والمثل الإسلامية في ترشيد استخدام الطاقة”(24). وفيما عدا ذلك، فإن الدليل ينظر إلى بيداغوجية حل المشكلات، وللطريقة الاستكشافية مثلا، من جانب دورها في اكتساب معارف -لا قيم- جديدة. إذ يرى “أن الوضعيةالمشكلة بالنسبة للمتعلم، مجال اشتغال عناصر التحدي والتجاوز لاكتساب معارف جديدة”(25)، وأن الطريقة الاكتشافية “طريقة للنشاط التعليمي تقوم على استقلال المتعلم في اكتشاف المعارف والمفاهيم بنفسه”(26).

3- طرق اكتساب القيم وإكسابها للتلميذ :

بداية تجدر الإشارة إلى أن تدريس القيمة لا يهدف إقناع التلميذ مثلا بحقيقتها ومظاهرها وثمرة أو ثمرات الالتزام بها.. فذلك جانب فقط من جوانب أخرى في تدريس القيمة. إن معنى أن تدرس قيمة من القيم، هو أن تقنع الطالب بالجانب المعرفي للقيمة، ثم أن تجعله يتشرب القيمة ويوجه سلوكه طبقا لها. لذلك يقول أحد الباحثين وهو يضرب مثلا بتدريس قيمة الأمانة للتلميذ : “..يهدف المدرس إلى أن يجعل طالبه قادرا فقط على أن يقرر أن الأمانة هي أفضل سياسة.. وهذا هو المعنى السلبي لتدريس القيم للطالب”(27). ويتابع أنه يجب على المدرس أن “لا يهدف فقط إلى أن يجعل طالبه يتلفظ بألفاظ حول الأمانة، ولكنه يهدف إلى أن يجعله يفعل ويسلك كل ذلك طبقا للأمانة، وهذا هو المعنى النشيط أو الإيجابي لتدريس القيم للطالب”(28).

ويؤكد باحث آخر أن القيم ليست “مادة دراسية يمكن تضمينها برامج التعليم وتدريسها للمتعلمين، وإنما القيم ضمير أخلاقي ووعي سلوكي، وهذا شيء لا يعلم، وإنما يحس ويعاش”(29).

وتبعا لذلك يلزم المدرس، حين تدريسه للقيم، اعتبار الجوانب، الثلاثة للقيمة والتي سنتناولها في الحلقة المقبلة إن شاء الله.

————-

12- محمد بن سليمان الكافيجي، التيسير في قواعد علم التفسير. تحقيق ناصر بن محمد المطرودي، دار القلم بدمشق، ودار الرفاعي بالرياض، ط 1410/1 -1990 ص 274.

13- فضاء “التربية الإسلامية” (دليل الأستاذ) في آخر سطر من ص 6، والمنير في التربية الإسلامية” (دليل الأستاذ) ص 99.

14، 15، 16، 17- ص 9 من الدليل.

18- ص 7 من الدليل.

19- ص 14 من الدليل.

20، 21، 22- ص 15 منه.

23-  ص16.   //   24- ص15.   //   25- ص10.

26- ص14.

27- رونالدت، هايمان، طرق التدريس، ترجمة د. ابراهيم محمد الشافعي، مطابع جامعة الملك سعود، الرياض، 1983/1403 ص 24.

28- نفسه.

29- قمبر، مرجع سابق، ص 90.

ذ.حسن لمعنقش

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>