الحقوق بين المسلم وأخيه المسلم متبادلة بشكل يضمن الاحترام والتقدير، ويجنب المسلمين عوامل الفرقة والنزاع، الذي تنكمش فيه الحقوق وتختفي، وتغرق معه الأمة في بحارٍ من المآسي، وأحق من تُرعى معَهُ هذه الحقوق : الأقرب منّا منشئاً وداراً وموطِنا.
عن معاوية بن حيدة قال : قال رسول الله : >حق الجار على جاره : إن مرض عُدْتَه -وهذه السنة كان يعمل بها حتى مع الجار غير المسلم، فقد روى الإمام البخاري أن النبي زار يهوديا في مرضه فعرض عليه الإسلام فأسلم، وكان هذا اليهودي من جيرانِه – وإن مات شَيَّعْتَه، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعْوَر سترته<(رواه الطبراني، أعور : أخطأ).
والوصية برعاية هذه الحقوق جاءت في التوجيه النبوي بأسلوب يُفيد التوكيد، قال : >لازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سورثه<(متفق عليه).
ومقياس الخيرية في الإسلام الإحسان إلى الجار، قال : >خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره<(رواه الترمذي وحسنه).
وشهادة الجار على جاره أحق الشهادات بالقبول شرعاً وعرفاً، جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله دُلَّنِي على عمل إذا عملته دخلت الجنة، فقال : كن محسناً، فقال الرجل : وكيف أعرف أنني محسن، فقال : سَلْ جيرانك، فإن قالوا إنك محسن فأنت محسن، وإن قالوا إنك مسيء فأنت مسيء<(رواه البيهقي).
وحرامٌ في دين الله أن يبيت المسلم على الشبع والري، وجاره إلى جنبه يتلوى في الجوع والحرمان، قال : >ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم<(رواه الطبراني بإسناد حسن).
وقد يتوهم أحد أن حقوق الجار تقف عند حدود الإحسان والإكرام وكف الأذى، كلاَّ فالأمر أبعد من ذلك، قال الحسن البصري رحمه الله : >ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى<.
ومن أجل رعاية هذه الحقوق كانوا يؤكدون على اختيارالجار قبل الدار، قال الإمام علي كرم الله وجهه : >الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق< واعتبروا حفظ الحقوق مع الجار من تمام الإيمان، قال ابن أبي جمرة ] : >حفظ الجار من الإيمان<.
فهل من مجدد لهذه الحقوق حتى يجدد الله الإيمان في قلبه.
ذ.عبد الحميد صدوق