من مقومات التباعل : الكفاءة
> الكفاءة لغة :
المُماثلة والمساواة، والكُفْءُ هو النظير والمساوي، قال تعالى :{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أحد}(الإخلاص) أي ليس له نظير ولا مُماثل ولا شبيه.
> الكفاءة اصطلاحا :
مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة، كالنَّسب والدِّين والثقافة والطموح والاهتمام، وغير ذلك مما يمكن أن يكون له أثر في زيادة الترابط والتآلف والتمازح والتكامل التَّبَاعُلِي.
أ- الكفاءة في الدين شرط ضروريٌّ لصحة الزواج :
قال تعالى : {وَ لاَ تَنْكْحُوا المشركاتِ حتى يُومِنَّ وَلأَمَةٌ مُومِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُومِنُوا وَلَعَبْدٌ مُومِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلَى النَّارِ واللَّهُ يَدْعُو إلى الْجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آيَاتِهِ للنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(البقرة : 221). وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُومِنَاتُ مُهَاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُومِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ لاَهُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَهُمْ يَحِلُّونَ لَهُن} وقال : {وَ لاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوََافِرِ}(الممتحنة : 10)، قال القرطبي : “وهذا أَدَلُّ دليل على أن الذي أوجب فُرْقَةَ المُسْلمة من زَوْجها إسلامُها لا هجرتُها” 2
فالاسلام صريحٌ في تكوين الأُسَرِ على أساس وحدة الدين في الدرجة الأولى، لأن الخطاب الموجَّهَ للمسلمين في الزواج وتربية الأولاد، ورعاية حقوق الزوج والزوجة، وحتى إذا وقع الانفصال أو الخصام… موجَّهٌ على أساس العبودية لله وطاعته في إكرام الزوجة، وإكرام الزوج، وإكرام الأولاد، والبِرَّ بالوالدين… فإذا انعدم الخوفُ من الله تعالى وتقواه في السر والعلانية انْعَدَمَ ضابط المراقبةِ وميزانها وأصبحت الأسرة متسيَِّّبَةً، يتصرَّفُ كل واحد من أفرادِها بهَوَاهُ، ولا ضابط للأهواء.
وإذا كان الإسلام قد أجاز للمسلم التزوج بالمُحْصَنَةِ الكتابية، أي المرأة العفيفة الكتابية فذلك لظروف ينبغي أن تُراعى فيها مَصْلَحَةُ الاسلام، لأن القوامة هي دائما بيد الزوج الذي ينتسبُ الأولاد إليه دينا ونسبا، ولذلك فلا خطر على الأولاد إذا كان الرجُل مسؤولا مسؤولية كاملة على توجيه الأسرة.
أما الصورة المعاكِسَة وهي تزوج المسلمة بالكتابي فهذا مما أَجْمَعَ المسلمون على حِرْمَتِه ومَنْعِهِ ليس عُنصريةً. كما يتوهَّمُ بعضُ المشككين الذين يعملون على تخريب الأسرة المسلمة. ولكن حفاظا على جعل كلمة الإسلام هي العُليا داخل الأسرة المسلمة، ولا عُلُوَّ لها مع افتراش الكفر للإسلام، وجعل القيادة فييد غير المسلم داخل الأسرة.
أما ما يُعرف بالزواج المَدَنيِّ الذي يسعى إلى إبطال هذا الشرط في الزواج فإنه لم يُفْرض في بعض الجهاتِ، ولم يُحْنَ له الرَّأْسُ إلا عندما أصبحت الأمة الاسلامية مُمَزَّقة الأشلاء يتلاعبُ بها الغِربانُ، كما وقع التنازُل عن عدة مبادئ إسلامية مُجْمَعٍ عليها، مثل : الربا، والقمار، ورواج الخمور وكُلِّ أساليب الدَّعارة، والرشوة، والديكتاتورية… وكلُّ ذلك شكل ويُشكِّلُ ضَرْباتٍ في الصميم للمنهج الإسلامي المتميز.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الصور التطبيقية لآيتي البقرة والممتحنة كثيرة في كتب التفاسير والأحكام(3).
ب- الكفاءةُ في غَيْر الدِّين شَرْطُ كمال :
إن الزواج صحيح بين مسلم وكتابية، وبين مثقف وجاهلة، أو العكس، وبين فقير وغنية، أو العكس، وبين كبير السن وشابة، أو العكس، وبين بنت أمير وأجير، وبين ذكي وبليدة أو العكس. إلى غير ذلكمن الفروق الثقافية، والنفسية، والحسية، والتربوية، والجمالية، والجسمية، والمعنوية.
ولكنَّ كلامَنَا ليس عن صحة الزواج، وإنما كلامنا عن التباعُل الذي هو التكامُل والاستقرار وليس مُجَرَّدَ صحة الزواج الذي قد ينتهي بالطلاق، أوبالإغراق في الشقاء. فالكلام عن صحة الزواج أو فساده من شأن الفقه والقضاء، أما الكلامُ عن التباعُل فهو من شأن علماء النفس والاجتماع، ومن مُهمّات المُربين والمربيات لإخراج الأجيال الصالحة والمُؤَهَّلة لتكوين الأُسَر الكفيلة ببناء مجتمع صالح مصلح، وذلك لا يتم إلا بأسر تتوفَّر فيها شروط الصحة الجسدية، والنفسية، والعقلية، والطموحية، والشعورية، والإيمانية.
إذا كانت التقوى في الإسلام هي أساس التفاضل، وهي الماحِيةُ لكل نوع من أنواع التمايز الطبقي، والجنسي، والنَّسبي، والعنصري… فإن الحِكْمَة في اعتبار الكفاءة شرطا أساسيا لبلوغ مرحلة التباعل والاستقرار هُو تحقيقُ مقاصد الزواج الكبرى التي عَبَّر عنها القرآن الكريم ب”السَّكَن” الذي يعني فيما يعنيه : تحقيق الانسجام والوئام بين الزوجين حَسَب الأوضاع الاجتماعية، والأعراف السائدة بين مختلف الشعوب والأسر، حتى يُحِسَّ كُل زوج باحترام الزوج الآخر، احتراما قائما على الإحساس بأنه كفؤ له، وبالأخص في الزوج الرجل لأن المرأة الذكية تَسْتَنكِفُ أن يستفرشها بليدٌ، والمثقفة تستنكف أن يستفرشها جاهلٌ، والشابة لا تجد سعادتها ـ غالبا ـ مع رجُلٍ تخطى مرحلة الشباب فضعُفت لديه شهوة النكاح والملاعبة والمداعبة والمسابقة والمصارعة مع شيء من النزق والطيش الشبابي المقبول في الحياة الزوجية.
وهذا بخلاف الرجل الذي يمكن أَلاَّ يَشْعُرُ بغَضَاضة في معاشرة امرأة جاهلة إذا كان هو مثقفا، أو امرأة بليدة إذا كان هو ذكيا، أو امرأة فقيرة إذا كان هو غنيا، أو امرأة وضيعة النسب إذا كان هو رفيع النسب، بل قد يشعر بشيء من الراحة النفسية إذا كان يُحس أن زوجته تُقدِّره التقديرَ المناسبَ لمستواه، وتحسِّسه دائما بكمال سعادتها لاقترانها به فضلا من الله ونعمة.
وعظمة الإسلام تظهر بوضوح في كونه فرَّق بين صحة الزواج، وكمال الزواج، حيث اعتبر الكفاءة شرطا يحقق التساكن والملابسة، قال : “تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَأَنْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ”(4) وقال : “أَلاَ لاَ يُزَوِّجُ النسَاءَ إِلاَّ الْأَوْلِيَاءُ، وَلاَ يُزَوَّجْنَ إِلاَّ مِنَ الْأَكْفَاءِ”(5). وقال عمر بن الخطاب ] : “لأَمْنَعَنَّ فُرُوجَ ذَواتِ الْأَحْسَابِ إِلاَّ مِنَ الأَكفَاءِ”(6)
وروى الحاكم وصححه من حديث علي ] أن النبي قال له : “يا عَلِيُّ ثَلاَثٌ لاَ تُؤَخِّرْهَا : الصَّلاََةُ إِذَا أَتَتْ، والْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، والأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ كُفْؤاً”(7).
………………….
1- انظر المفصل في أحكام المرأة المسلمة عبد الكريم زيدان 6/ من 325-330
2- الجامع 18/49
3- من ذلك : أن أبامِرثد الغنوي، أو مرثد بن أبي مرثد بَعَثَهُ رسول الله سِرّاً إلى مكة ليُنْقِذ رجلا مسلما من الأسر الشِّركي، وكانت له امرأةٌ بمكة يحبها تسمى “عَنَاق” فدعته لنفسها، فقال لها : “إن الاسلام حَرَّمَ ذلك” قالتْ : “فَتَزَوَّجْنِي” قال : حتى استأذن رسول الله[، وعندما استأذَنَهُ نهاه عن الزواج بمشركة، ومن ذلك أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط هربتْ من زوجها عمرو بن العاص بعد صلح الحديبية هي وأخواها : عمارة، والوليد، وعندما طالبتْ قريش بتنفيذ شرط الردِّ لكل من جاءه مسلما رَدَّ الأخوين ومنَعَها وحبسها حتى لا تعود للمشرك وكذلك عمر بن الخطاب طلق زوجتيه المشركتين : "قُرَيْبَةَ بنتَ أبي أمية، وأم كلثوم بنت عمر الخزاعية" بل أكثر من ذلك أن زينب بنتَ الرسول كانت عند أبي العاص بن الربيع فمنعها منه حتى أسلم ثم ردَّها إليه. الجامع 48/18 -49.
ومن ذلك أن مُعاذَة جاريةَ عبد الله بن أبي بن سلول أسْلَمَتْ، وكان عند ابن أُبي أسير، فكان عبد الله بن أبي يريد من معاذة أن تمكنه من نفسهارجاء التوالد للمتاجرة في أولاد العبيد، ولكن معاذة كانت تأبى عليه لأنها مسلمة. فكانت بذلك مثلا للمرأة المسلمة المستقيمة في البيئة الفاسدة المنافقة الكافرة.
لقد ملأ الإيمان قلبها، فصانت نفسها عن الحرام -وهي الأمة المملوكة-، ولكنه الإِباءُ، إباءُ الإسلام والايمان، وفيها وفي جوار أخريات كان ابن أبي يتاجر في أعراضهن نزل قول الله تعالى : {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}(النور : 32) وعرض الحياة الدنيا هو عبارة عما تكسبه الأمة بفرجها، وعبارة عن الولد الذي تلده فإنه يسترق ويباع. (نساء حول الرسول 100والجامع لأحكام القرآن 12/214).
4- سنن ابن ماجة ج 1/633 نقلا عن المفصل في أحكام المرأة والسنن الكبرى للبيهقي : د. عبد الكريم زيدان 6/42 7/133
5- هذا الحديث وإن كان عن عائشة] ضعيفا فهو قوي بتضافر الشواهد. المفصل 6/327
6- فتح القدير للكمال ابن الهمام. ح 2/417
7- المرجع السابق
ذ.المفضل فلواتي