2- معنى التبعُّل
التبعُّل : مصدر تبعَّلَتِ المرأة لزوجها : تزيَّنَتْ وتهيأت بأحسن الهيأة والصفات، وتبعلتْ المرأة أيضاً : أطاعَتْ زَوْجها فيما يحب منها، ويقال امرأة حَسَنَةُ التبعُّل إذا كانت مُطَاوِعَةً لزَوْجِها مُحِبَّةً له.
وهكذا لا يخرج التبعُّل عن ذلك التجاوُب القلبي والروحي بَيْن الزوجين حتى يشعر كُلٌّ منهما أن مشاعر كُلٍّ منهما اندمجتْ اندماجاً كلِّيّاً في بعضهما بعضاً، ليُحْدِث كل ذلك التساكُن والسَّكَن النفسي والعاطفي الذي أشار إليه الله تعالى بقوله : {ومِن آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لكُم مِن أنْفُسِكُمُ أزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورحْمَةً}(الروم : 20) فهو سَكَنٌ فوق ما يتصوره الشّهْوانِيُّون من السّكن الغريزي الذي توفِّره كُلُّ امرأة لأي رجل، ولكنه سَكَن آخر لا توفِّره إلا نساءٌ أوتين حظّا كبيراً من الموهبة التبعليّةِ الطبيعيّة، مع حظٍّ كبير من عُلُوِّ الهمة التي لا تصل إلى حدِّ الجموح والاغترار، موهبة تعْرف كيف تكون بلسما لكل جُرح، وسَكَنا لكل هَمٍّ أو غَمٍّ، وليستْ مبْعَث الجروح والآلام. وأحْسَنُ وصف جامع لمثل هذا النوع هو الذي قال فيه الرسول : >خَيْرُ النِّسَاءِ مَنْ تًسُرُّك إذا أبْصَرْتَ<(الطبراني) وقوله : >ما اسْتَفَاد المُومِنُ بَعْد تَقْوَى اللَّهِ عز وجل خَيراً لَهُ مِن زَوْجَةٍ صالِحَةٍ، إنْ أمَرَها أطَاعَتْهُ، وإنْ نَظَر إِلَيْها سرَّتْهُ، وإنْ أقْسَم عَلَيْها أبَرَّتْهُ، وإنْ غَابَ عَنْها نَصَحَتْهُ في نفسِها ومالِهِ<(ابن ماجة)، وقوله : >مِنْ سَعَادَةِ ابْن آدمَ ثلاَثَةٌ، ومِنْ شَقَاوَةِ ابن آدَم ثلاثة: منْ سَعادَة ابن آدم : المرْأَةُ الصّالحَةُ، والمسكَنُ الصالحُ، والمركَبُ الصالحُ، ومن شقاوة ابن آدم : المرأَةُ السُّوء، والمسكَنُ السُّوء، والمركَبُ السُّوء<(احمد)، وقال : >إنّ خَيْر نِسَائِكُم الوَلُود الوَدُودَُ، السِّتِّيرَةُ، العَزِيزَة في أهْلِها، الذَّلِيلَةُ مع بَعْلِها، المُتَبَرَِّّجةَ مع زَوْجِها، والحَصَانَُ عن غَيْرِه، التِي تَسْمعُ قوْلَهُ، وتُطِيعُ أمْرَهُ، وإذَا خَلاَ بِها بَذَلَتْ لَهُ ما أرَادَ مِنْها، ولَم تَبَذَّلْ لَهُ تَبَذلَ الرّجُلِ<(الطوسي) وقال : > تزَوَّجُوا الوَلُودَ الوَدُودَ فإنِّى مُباهٍ بكم الأُمَم< وفي بعض الروايات >الوَلُودَ الودُودَ العَؤُودَ<.
فالصفات الأساسية في المرأة الصالحة:
< حُسن المنظر : طهارة ونظافة، وحسن تخلق، وحسن حديث، وحسن فهم ومواتاة.
< الطاعة : وهي المطاوعة القلبية الداخلية، وليست الطاعة القهرية.
< حفظ المال والأسرار : فهي أمينة على نفسها وعرضها ومال زوجها وعيوبه وأسراره، وإذا غضب وأقسم أبرّته ولم تتحدّه.
< الودود: التي تكن لزوجها الحب مع الاحترام والتقدير والإبقاء على تلك الدرجة التي أعطاها الله تعالى له.
< العَؤود : التي تسرع بالعودة إلى الزوج لمصالحته بعد الغضب من بعض تصرفاته، فحسن الاعتذار يُذْهب وغَرَ الصّدْر.
وهذه الأوصاف وغيرها كلما تمكّنت منها المرأة، وامتلكتْ منها القدْرَ المطلوب للمرأة الصالحة اقتربت من الوصف الجامع الذي أطلقهُ عليها الرسول في قوله : >الدُّنْيَا مَتَاع وخَيْرُ مَتَاعِها المرْأَةُ الصّالِحَة< أو >إنما الدّنيا متاع، وليس من متاع الدّنيا شيء أفْضل من المرأة الصالحة<.
وقال : >حُبِّبَ إِلَيَّ منْ دُنْيَاكُم : الطِّيبُ والنِّسَاءُ< فالنساء المحبّبات : نساء المعْْنى ولسْن نساءَ الجَسَدِ والمبْنَى والمظهر، فهؤلاء قال فيهن : >إِيّاكُم وخَضْرَاءَ الدِّمَن< قالوا : وما خَضْراءُ الدِّمَن يا رسول الله؟! قال : >المَرْأَةُ الجَمِيلةُ في المَنْبَتِ السُّوءِ< لأن الكمال البدني وحده لا يكفي، ولكنه إذا اجتمع مع الكمال العقلي، والكمال الروحي، والكمال النفسي، والكمال الخلقي كان ذلك قمّة القِمم في الجمال التي يخْتَصِر خَيْر الدنيا في المرأة الصالحة التي لا تنشئ السّكَن بالنظرة الحانية فقط، ولا بالبسمة المشرقة فقط، ولا بالكلمة الطيبة فقط، ولا بالإشارة الصالحة فقط، ولا بالرحمة المتدفقة فقط، ولكن بما هو فوق ذلك وأكثر من ذلك مما لا يُوصَفُ ولا يُعرَّف، ولكنه يُشَمُّ ويُحَسُّ بعواطف الإيمان والإخلاص المنسكبة في قلوب الشاكرين والشاكرات.
ولا يمكن للتبعُّل أن يتغذى ويزهر ويثمر إلا من الدِّين الذي يُلحِّمُ المشاعِر العابدة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال : قال لي رسول الله : >تَزَوَّجْتَ؟ قُلْت : نعم، قال … فإِذَا قَدِمْتَ فالْكَيْسَ الكَيْسَ< أي الرِّفْقَ الرِّفْقَ بالأهل، والْزَمْ حُسْنَ التأنِّي والتّأتِّي -ابن حبان- وفي رواية ابن اسحاق : >فَإِذَا قَدِمْت فاعْمَلْ عَملاً كَيّساً< قال جابر -حين قدِمتُ- قُلت للمرأة : >إنّ رسُول الله يأْمُرُنِي أنْ أعْمَلَ عَملاَ كَيِّساً< قالت : >سَمْعاً وطَاعَةِ فَدُونَك< قال : فبتُّ معها حتى أصْبَحتُ. ابن خزيمة.
قارِنْ بين المطاوعة التي أبدتْها زوجة جابر رضي الله عنهما وبين ما أصْبَح يُعْرف -في عصر الحداثة- بالاغتصاب في فراش الزوجية، أي أن الزوج يغتصب زوجته حين يطالبها بحقه الشرعي والعرفي والفطري، ولكن لغرورها وعجرفتها تعتبر ذلك اغتصاباً لا تستحيي العلمانيات من قوله وكتابته والتشهير به، فالأولى تغترف من معين طاعة الرحمان، والأخرى تغترف من مستنقع الشيطان.
ولهذا كان يؤكّد على أمْر الدِّين في اختيار الزوج أو الزوجة لأن الدين هو حجر الأساس في استقرار الأسرة وتجاوب أفرادها وترابطهم، قال : >عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّين ترِبَتْ يدَاك<(مسلم وغيره) ونهَى نهيا صريحا عن تغييب عنصر الدين في الزواج فقال : >لا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لحُسْنِهِنَّ فعَسَى حُسْنُهُنَّ أن يُرْدِيَهُنّ، ولا تزَوَّجُوهُنّ لأمْوالِهِنّ فعَسَى أمْوالُهُن أنْ تُطْغِيَهُنّ، ولكنْ تزَوّجُوهُنّ على الدِّينِ، ولأمَةٌ سَوْدَاءُ ذاتُ ديِنٍ أفْضَلُ<(ابن ماجة).
ولخطورة المرأة نجد أن الله تعالى ابتدأ بها شهوات الدنيا، وابتدأ بها في نِعَم الجنة، قال تعالى: {زُيِّنَ للنّاسِ حُبُّ الشّهَواتِ مِن النّسَاءِ..}(آل عمران : 14) وقال : {قُل أَؤُنبِّئُكُم بخَيْرٍ من ذَلِكُم للذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبِّهِم جَنّاتٌ تَجْرِي من تَحْتِها الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وأزْوَاج مُطَهّرةٌ ورِضْوانٌ من الله}(آل عمران : 15) وقال تعالى في حُسْنِهن وصوْنِهن {وحُورٌ عِينٌ كأمْثَالِ اللّؤْلُؤِ المكْنُونِ جَزَاءً بِما كَانُوا يعْمَلُون})الواقعة : 32- 34).
عن أنس ] أن أمّ حارثة أتت رسول الله ، وقد هلك حارثة يوم بدر، أصابه غَرْبُ سَهْمٍ سَهْمٌ لا يُدرى رَامِيه، فقالت : ىا رسول الله قَدْ عَلمتَ حارثة من قلبي، فإن كان في الجنة لَمْ أبْك عليه، وإلاَّ سوف تَرَى ما أصْنَعُ، فقال لها : >هَبَلْتِ -فقدتِ عَقْلَكِ؟ـ أجَنَّةٌ واحِدَةٌ هِي؟ إنَّها جَنَانٌ كَثِيرةٌ، وإنَّهُ فِي الفِرْدَوْسِ الأعْلَى، وقَالَ : غُدْوَةٌ في سبِيلِ الّلهِ أو رَوْحَةٌ خَيْرٌ من الدُّنْىا وما فِيها، ولَقَابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ أو مَوْضِعُ قَدَمٍ مِن الجَنّة خيْرٌ من الدّنْيا وما فِيها، ولوْ أنّ امْرأَةً من نساءِ أهْلِ الجَنَّة اطَّلَعَتْ إلى الأرْضِ لأَضَاءَتْ ما بيْنَهُما، ولمَلأَتْ ما بَيْنَهُما رِيحاً، ولنَصِيفُها -خِمَارُها- خَيْرٌ من الدُّنيا وما فِيها}(البخاري).
هذه النصوص واضحة الدّلالة في : أنّ المرأة الصالحة كنْزٌ الدنيا والآخرة. أما المرأة الفاسدة -والعياذ بالله- فهي أساسُ خراب الأُسَرِ والمجتمعات، قال : >مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أشَدّ على الرّجَالِ من النِّساء<(البخاري ومسلم) وهن السبب في قطع صلة الأرحام وإفساد العلاقات بين الجيران والعائلات، وهُن السبب في دفع الرجال إلى المغامرة في كسب المال من حله وحرامه، وكم منهن من كان لهن أدوار خطيرة في التجسس وحبْك خيوط التآمر لهَزْم الأمة وتعْويج طريقها المستقيم، نسأل الله عز وجل السلامة واللطف.
إن الرباط الذي يُربط على أساس الدين يباركه الله تعالى ويجعل فيه الخير للأسرة والمجتمع والأمة، فاسمع إلى موقف ذات الدين في عصر انهارت فيه القيم، يذكِّرنا بعصر النبوة وعصور القِيم من بعد، فقد قالت إحدى المسلمات الثابتات لزوجها الذي امْتُحِن بالسجن أيام سَجْن الفكرة الإسلامية، فأرسل إليها يخيِّرها بين البقاء كزوجة، وبين أن تَطْلُب الطلاق قضائيا، فهو من حقوقها، فأرسلتْ إليه (عاتِبَةً) : أهَكَذَا هَانَتْ عَلَيْك تِلْكَ العِشْرَةُ الطّيّبَةُ، والّتِي وثَّقَتْهَا أُخُوَّةٌ في اللَّهِ خَالِصَةٌ، جَمَعَتْ بَيْنِي وبَيْنَكَ، أتَضِنُّ عَلَيَّ أنْ أُشَارِكَكَ بَعْضَ أجْرِكَ حِينَ يُثْقِلُ اللَّهُ مِيزَانَ حَسَنَاتِكَ؟! قَدْ أقْسَمْتُ ألاَّ يُفَرِّقَ بَيْنَنَا إلاَّ الموْتُ، فَطِبْ نَفْساً وأجْراً إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالَى) وقفات تربوية لعبد الحميد جاسم البلالي ص 45.
ِّذ.المفضل فلواتي