قضية الإنسان الكبرى


كيف نتناول القضايا إذن؟

إنه غالباً ما توزن القضايا في هذا العصر وتقيّم الأحداث بحسابات دنيوية بحتة  من دون أن يوضع في الحسبان الجزاء الأخروي، بينما العدل يقتضي وضع كل شيء في موضعه، ودونه الظلم. فكما لابد أن تؤخد الأسباب المادية الدنيوية في الحساب يؤخذ الجزاء الأخروي أيضا ولا يُسقط من الحساب.

وكذا الاهتمامات بالأمور توجّه حسب بُعدها وقربها من دوائر وظائف الإنسان الأساسية التي اُستخلف في الأرض لأجلها.

أورد مثالا للتوضيح :

سؤال وجّه إلى الأستاذ النورسي لمناسبة زلزال رهيب حدث :

لماذا لا ينزل العذاب الرباني والتأديب الإلهي ببلاد الكفر والإلحاد وينزل بالمساكين المسلمين الضعفاء؟.

فأنت تجد في ثنايا السؤال حصر النظر في مقاييس دنيوية وغياب البعد الأخروي.

ولكن الأستاذ النورسي يجيب السائل بالآتي:

الجواب:  مثلما تحال الجرائم الكبيرة إلى محاكم جزاء كبرى، وتُعهد إليها عقوبتها بالتأخير، بينما تحسم الجنايات الصغيرة والجَنح في مراكز الأقضية والنواحي، كذلك فإن القسم الأعظم من عقوبات أهل الكفر وجرائم كفرهم وإلحادهم يؤجل إلى المحكمة الكبرى في الحشر الأعظم، بينما يعاقب أهل الإيمان على قسم من خطيئاتهم في هذه الدنيا، وذلك بمقتضى حكمة ربانية مهمة. وكذلك الإستهانة بدين حق خالد تغضب الأرض وتزلزلها أكثر من ترك الروس وأمثالهم ديناً محرّفاً منسوخاً واستهانتهم به.

و سؤال مماثل :

ما دامت المصيبة تصيب كلاً من الظالمين والمظـلومين معاً، وفق الحكمة الإلهية، فما نصيب المظلومين من العدالة الإلهية ومن رحمتها الواسعة؟.

الجواب:  إن في ثنايا ذلك الغضب والبلاء تجلياً للرحمة ، لأن أموال أولئك الأبرياء الفانية ستخلّد لهم في الآخرة، وتدّخر صدقة لهم، أما حياتهم الفانية فتتحول إلى حياة باقية بما تكسب نوعاً من الشهادة، أي أن تلك المصيبة والبلاء بالنسبة لأولئك الأبرياء نوعٌ من رحمة إلهية ضمن عذاب أليم موقت، حيث تُمنح لهم بمشقة وعذاب مؤقتين، وقليلين نسبياً، غنيمة دائمة وعظيمة(1).

الخلاصة

إذا ما راعى المسلم التوازن بين الأسباب المادية الدنيوية بمقتضى السنن الإلهية الكونية، والبعد الأخروي دون نسيان له، ووضع تسلسل أهمية القضايا حسب دوائر وظائفه المذكورة، يكون حكمه واستنتاجاته أقرب للصواب والعدل الذي أمرنا الله به.

ذ. إحسان قاسم الصالحي

—————

1- الكلمات ص 195-197

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>