{يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم}(الأنفال : 1- 4).
الصفة الأولى : الوجل
أنهم يخافون الله، ومن خاف الله تعالى اتقاه وأطاعه { وإذا ذكر الله وجلت قلوبهم}.
الوجل: استشعار الخوف.
وخوف الله تعالى إنما يكون من مهابته سبحانه وتعالى.
وقد روي عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر بن حوشب، أما تجد له قشعريرة؟.
قلت: بلى.
قالت: فادع الله فإن الدعاء يستجاب عند ذلك.
وليس ضروريا أن يكون الخوف من الله هو الخوف من عذابه.
ويعزز هذا المعنى للخوف وهو مهابة الله تعالى واقشعرار القلوب عند التفكير فيه، وعند ذكره سبحانه وتعالى، يعزز ذلك قوله تبارك وتعالى:{ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين}(الزمر : 22).
الصفة الثانية: ازدياد الإيمان بتلاوة القرآن وغيره من المواقف الإيمانية
أنهم {إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا} : أي زادتهم يقينا واطمئنانا ومعرفة وإقبالا على الطاعات.
وزيادة الإيمان حقيقة مسلمة بنص هذه الآية الكريمة {زادتهم إيمانا} وثابتة بآيات أخرى كريمة منها قوله تعالى : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} (آل عمران 173).
ومنها قوله تعالى:{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} (الأحزاب:22).
ومعنى قوله تعالى { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا}: أن تلاوة القرآن الكريم تزيد المؤمن إيمانا، أو هكذا ينبغي أن يكون، ولهذا يكون القرآن الكريم ربيعا للقلوب وحياة لها.
الصفة الثالثة : التوكل على الله
أي من صفاتهم الأساسية أنهم {على ربهم يتوكلون}: والتوكل على الله هو أعلى مقامات التوحيد.
وليس معنى التوكل على الله ترك الأخذ بالأسباب، لأن الأخذ بالأسباب واجب شرعي، يفهم من قوله تعالى : {وأعدوا لهم ما استطعتم…..} (الأنفال: 60). وغيرها من الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم…..} (النساء: 102).
والفقه الصحيح للتوكل على الله إنما يكون بعد الأخذ بالأسباب.
والصفة الرابعة وهي : إقامة الصلاة؛ {الذين يقيمون الصلاة}
وإقامة الصلاة عمل قلبي بدني في وقت واحد، فالخشوع فيها واستحضار عظمة الله تعالى بتدبر ما في الصلاة من تلاوة وذكر وتسابيح، بالإضافة إلى أداء أركانها من ركوع وسجود وقيام، كل ذلك يجعل المصلي عضوا صالحا فاعلا في المجتمع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فضلا عن أن ينتهي هو عن الفحشاء والمنكر والبغي، والله تعالى يقول: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت : 45).
والصفة الخامسة : الكرم والانفاق
أنهم كرماء .. أهل بذل وعطاء يعرفون حق الله وحق الناس فيما منحهم الله من مال، {ومما رزقناهم ينفقون} أي ينفقون من أموالهم في سبيل الله أي في وجوه البر والخير، كالزكاة المفروضة، والصدقة المندوبة، وتجهيز الجيوش، وبناء المساجد والمدارس والمشافي ونحو ذلك من المرافق العامة التي تنفع المسلمين.
والانفاق في هذه الآية الكريمة أعم من الزكاة والصدقة.
هؤلاء المؤمنون الموصوفون بهذه الصفات هم المؤمنون حقا، {وأولئك هم المؤمنون حقا} أي حق الإيمان،أو الإيمان الذي لا نقص فيه.
ولاشك أن استكمال هذه الصفات يجعل الإيمان أرقى من مجرد الإ يمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره على وجه الإجمال، بل الإيمان بهذه الصفات يجعل المؤمنين كاملي الإيمان.
وجزاء هؤلاء المؤمنين حقا هو حسن الجزاء، كما قال تعالى: {لهم درجات عند ربهم}.
والدرجات منازل ورتب رفيعةعند الله تعالى، استحقوها فضلا من الله تعالى.
وحَسْبُ هذه الدرجات فضلا ورفعةً أنها {درجات عند ربهم} أي في الآخرة، دار القرار والخلود بلا موت.
ومن جزائهم أن لهم عند الله مغفرة الذنوب ورزقا كريما { مغفرة ورزق كريم}.والمغفرة أن يغفر الله لهم السيئات وأن يشكر لهم الحسنات، والرزق الكريم في الجنة؛ إذ يعطيه لهم من حيث لا يحتسبون. ووصف الرزق بأنه كريم ؛ بمعنى أنه لا قبح فيه ولا شكوى منه، هكذا تقول العرب في كل شيءحسن: إنه كريم.