وقفات : عن التأليف المدرسي وما يليه


هل تُرْضَى دور النشر على حساب المدرسة المغربية؟

مع مطلع السنة الدراسية، هلت علينا الكتب الدراسية المقررة بعد أن انتظرناها بفارغ الصبر، أساتذة وتلاميذ وآباء.

وكلنا يضمر ذلك السؤال البدهي : ما الجديد الذي تحمله هذه الكتب؟ وما القوة الإيجابية الدافعة لكل كتاب بمستوى المدرسة المغربية؟.

أول الخيبات التي بهتتنا، أن تتولى لجنة نيابية إقليمية توزيع هذه الكتب بين المؤسسات التعليمية، وكان الأمل معقودا على أن تُجعل قضية اختيار الكتاب من مهمات هذه المجالس داخل كل مؤسسة تعليمية.

وإذا كان هذا الأمر يراعي مصالح الناشرين والمؤلفين ويحفظ ماء وجوه بعضهم من ظهور الكتاب الأجود وعلو كعبه، فإنه يضرب في الصميم مصلحة المتعلمين والمعلمين، ففي الوقت الذي كنا نطمح إلى ترجيح كفة الكتاب الأفضل ونريد لمجالس التسيير أن تُمْنَحَ الحق في الفصل والاختيار. إذا بذلك التوزيع يعصف بالآمال.

فكيف تسجن مؤسسة تعليمية -في كتاب رديء المضمون- طوال سنة بكاملها وإلى جانبها مؤسسة أخرى تتفيأ ظلال كتاب جيد؟.

وإذا افترضنا أن استعمال الكتاب سيكون بالتناوب، فهل يعقل أن يعيد الأستاذ تهييء مذكرات دروسه كل سنة أم أن الكتاب الرديء سيظل لعنة تطارد المؤسسة السيئة الحظ طوال سِني عملها؟.

لقد رفعت الوزارة المعنية على واجهات لافتاتها الإشهارية الضوئية شعارات كالجودة والجهوية والقرب، فأي جودة روعيت حينما تنزل إلى السوق كتب فيها الغث وفيها السمين وتتفاوت حظوظ متعلمينا في تلقي الشيء الواحد بين كتب متباينة المستوى … ومن لم يصدق فليتصفح هذه الكتب وليتأملها ليعلم أن لجان مراقبة التأليف تسد العيون حينما تشاء وتفتحها متى شاءت بقدرة قادر وبقوة دافع.

وقفت على بعض هذه الحقائق وأنا أتأمل مؤلفات في اللغة العربية متفاوتة القيمة تفاوتا فاضحا. ففي هذا إطناب وفي الآخر تقصير وفي ذاك تلخيص ونقص وفي الآخر حشو، وفي الآخر تركيز ودقة وفي الثاني تعميم وغموض.. مع تكريس نفس الأسماء القديمة ونفس الوجوه وإقصاء بيِّن للإبداع المغربي ما بعد السبعينيات إلا نادرا، وحضور قوي للمشارقة؟ هذا مع سكوت متواطئ عن القضية  الفلسطينية…

وإذا كان القديم يبقى على قدمه، فلماذا يُعنت الناس أنفسهم في التأليف ويُعنتون المعلمين في التهييء، وفي المقررات القديمة غنى عن كل هذه المعاناة؟.

صحيح لقد تغيرت الأحجام والأشكال والألوان والرسومات والصور الاستعراضية غير أن المحتويات ظلت في كثير من الكتب تقليدية جامدة أو مضطربة الصياغة أو معقدة فيما يتعلق بالدرس اللغوي.

بكل هذا حدثت نفسي وأنا أتأمل بعين المهتم المشفق هذه المقررات التي تتعلق بها مصائر أبنائنا، ثم أخذت بين يدي أجودها بغلاف ذي لوحة سريالية وأنا أستشعر مرارة حرمان تلاميذنا من تلقي دروسهم من هذاالكتاب وحرمان مجلس التسيير في المؤسسة من ممارسة مهمة الاختيار.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>