كثِيرٌ هُم العلماء الذين لم تلق كتبهم ومؤلفاتهم العناية بالدرس والبحث، لاستخراج الدرر التي تشع بها، حيث تركوا لنا تراثا عظيما وضخما، لازال الجزء الأكبر منه مجهولا. وهذا دليل على انحطاط الأمة، لأن الأمة التي تنسى تاريخها ولا تستفيد مما خلفه عظماؤها من كنوز العلم، تصير نحو الانحطاط والتخلف. وهناك مقولة مشهورة تقول : “أمة بدون تاريخ أمة فانية’.
والأمة الإسلامية لها تاريخ حافل وزاخر بشتى أنواع فنون العلوم، التي كان لها الفضل الكبير على الحضارة الغربية المعاصرة، إذ نقبت في التراث الإسلامي فاستفادت منه أيما استفادة، فكان في طريقها نوراً تهتدي به في ظلمات الجهل التي عاشتها في القرون الوسطى، وفي الوقت نفسه، بدأ المسلمون يتخلون عن أصول ومقاصد هذه الحضارة شيئا فشيئا، فدالت الحضارة للغرب الذي يتحكم الآن في مصير شعوب العالم. قال تعالى : {وتلك الأيام نداولها بين الناس}(آل عمران : 139).
ومن هؤلاء العلماء الذين غمطوا حقهم في الظهور، علماء المغرب، فلنلقي لمحة عابرة عن واحد من هؤلاء، بعرض وجيز لترجمته، ألا وهو العلامة الجليل، والبحر الزاخر أحمد بن عبد العزيز الهلالي.
فعالمنا هو : أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، ولد بسجلماسة سنة 1113هـ. فأخذ بها العلم عن الشيخ أحمد الحبيب الصديقي السجلماسي اللمطي ولازمه، وابن أبي القاسم السجلماسي، وأخد بفاس عن الراوية محمد بن عبد السلام بناني، وابن امبارك اللمطي، ومحمد الكندوز وغيرهم، ورحل إلى المشرق فحج ولقي كثيراً من علمائه، فأخذ عنهم واستجازهم، واشتغل عند عودته بالتدريس والتأليف، فأخذ عنه كثير من شيوخ المغرب، مثل التاودي بن سودة، وابن أبي القاسم الرباطي، وأبي عبد الله الحضيكي، وغيرهم، وحظي عند سلطان وقته(1). ومن ذلك، مارواه الشيخ أحمد بن علي الهلالي من أن الشيخ التاودي بن سودة، دخل ذات يوم على السلطان سيدي محمد بن عبد الله، فقال فيه خيرا.
وقال الشيخ بناني صاحب الحاشية : سبحان الله ما رأينا أحدا في عصرنا هو أحفظ للعلوم وأتقن لها من الهلالي(2).
إن شهادة هؤلاء العلماء وَثَنَاءَهم عليه، تدل دلالة قوية على غزارة علمه، وسعة اطلاعه على فروع العلم المختلفة، من فقه، ولغة، وآداب.. وقد ألف في ذلك وأبدع، فترك عدة مؤلفات منها(3) :
- شرح على المختصر.
- شرح لخطبة القاموس.
- شرح القادرية في علم المنطق.
- تقاييد الخلاصة.
- ونظم عدة قصائد منها :
- إذا نابني خطب.
- ولك الحمد كل الحمد.
- أشكو إلى ربي المهيمن دائي.
- فكم لله من لطف خفي.
- يارحمة الله جدي السير.
- لطيف لطيف.
توفي رحمه الله بسجلماسة سنة 1175هـ. حيث يوجد ضريحة بزاوية الحاج علي بوزينة.
——
1- فهارس علماء المغرب منذ النشأة إلى نهاية القرن 12هـ. تأليف الدكتور عبد الله المرابط الترغي ص 672، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، سلسلة الأطروحات.
2- رسالة العالم أحمد بن علي الهلالي إلى ولده الأمين الذي كان يطلب العلم بمدينة فاس يبين له فيها النسب الهلالي (مخطوط).
3- المرجع السابق.
إعداد : كركين ادريس