رو ى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله : “إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون، فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أُغلق، فلم يدخل منه أحد” رواه البخاري ومسلم.
استوقفني مرة وأنا أتدبر أواخر سورة الزمر إشكال في آيتين منها وهما قوله تعالى: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها…}(آية 71). وقوله تعالى : {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها…}(آية : 73). والإشكال هو في (فتحت) و(وفتحت) قلت في نفسي : لم وقع حذف الواو في الأولى وأثبت في الثانية؟.
فرجعت إلى كتب التفسير فوجدت للمفسرين رحمهم الله أقوالا متعددة أَقْتصر على ذكر قولين منها فيما أورده القرطبي في الجامع.
الأول : قال النحاس : فأما الحكمة في إثبات الواو في الثاني وحذفها من الأول : فقد تكلم فيه بعض أهل العلم بقول لا أعلم أنه سبقه إليه أحد، وهو أنه لما قال الله عز وجل في أهل النار: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها} دل بهذا على أنها كانت مغلقة. ولما قال في أهل الجنة {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها} دل بهذا على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها؛ والله أعلم.
الثاني : قيل إنها واو الثمانية؛ وذلك من عادة قريش أنهم يعدون من الواحد فيقولون: خمسة ستة سبعة وثمانية.
قال القرطبي – رحمه الله- وقد استدل بهذا من قال : إن أبواب الجنة ثمانية وذكروا حديث عمر بن الخطاب، قال : قال رسول الله : >ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلغ ـ أو فَيُسبغ ـ الوضوء، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء<(أخرجه مسلم وغيره). وقد خرج الترمذي حديث عمر هذا وقال فيه : >فتح له”من” أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة< بزيادة “مِن” وهو يدلعلى أن أبواب الجنة أكثر من ثمانية. (الجامع ج 15 ص 286).
وقال في التذكرة : فهذه الأحاديث مع صحتها تدل على أنها أكثر من الثمانية إذ هي غير ما تقدم فيحصل منه والحمد لله على هذا ستة عشر بابا” التذكرة ص : 428.
وقال معلقا على حديث “الريان” وهكذا والله أعلم سائر الأبواب المختصة بالأعمال. وحديث باب الريان هذا أخرجه النسائي وزاد فيه : “من دَخل شرب ومن شرب لا يظمأ أبدا”.
قال ابن حجر في الفتح : وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ : إن للجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون”.
والريان : هو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مشتق من “الرَّي” وهو مناسب لحال الصائمين.. وأكتفي بذكر الرّي عن الشبع لكونه أشق على الصائم من الجوع.
وروى البخاري عن أبي هريرة ] : أن الرسول قال : “من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة”. فقال أبو بكر ] : بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ فقال : نعم، وأرجو أن تكون منهم. ومعنى الحديث أن من أنفق صنفين من أصناف المال في طلب ثواب الله، وحكى الآجري عن أبي ذر أن رسول الله قال : من أنفق زوجين في سبيل الله ابتدرته محبة الجنة ثم قال : “بعيرين، درهمين، قوسين، نعلين” هذا المنفق يدعى للدخول من كل أبواب الجنة وإن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل، وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة >لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل< أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال ابن حجر : وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة (الصلاة ـ الجهاد ـ الصدقة ـ الصوم) وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب : الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس (رواه أحمد بن حنبل عن روح بن عبادة عن أشعب عن الحسن مرسلا : “إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة”.
ومنها الباب الأيمن وهو باب “المتوكلين” الذي سيدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب، وأما الثالث فلعله “باب الذكر” فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون “باب العلم” والله أعلم. ويحتمل أن يكون بالأبواب التي يدعى منها من داخل الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية والله أعلم.
وقال القاضي عياض : ذكر مسلم في هذا الحديث من أبواب الجنة أربعة وزاد غيره بقية الثمانية نذكر منها : باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظ، وباب الراضين، والباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه. (انظر التذكرة ص : 428).
وقوله لأبي بكر : “أرجو أن تكون منهم، قال العلماء : الرجاء من الله ومن نبيه واقع وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر، ووقع في حديث ابن عباس عن ابن حبان في نحو هذا الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه : ” قال : أجل، وأنت هو يا أبا بكر”.
ما يستفاد من هذه الأحاديث
- إشعار بقلة من يدعى من تلك الأبواب جميعها.
- إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة لا واجباتها لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها، بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع الطاعات.
- وأن من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم.
- وأفادت الأحاديث أن أعمال البر قل أن تجتمع جميعها لشخص واحد على السواء، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله :
من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر : أنا. قال :
فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر : أنا. قال :
فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. قال :
فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر : أنا. قال : “ما اجتمعت في امريء إلا دخل الجنة”.
- وأفادت أن أبواب الجنة هي أكثر من ثمانية عند المحققين ومنهم القرطبي وابن حجر وغيرهما.
وأفادت أن الملائكة يحيون صالحي بني آدم ويفرحون بهم لذلك يدعون الصالحين من المؤمنين للدخول من الباب الذي كلفوا بالوقوف عليه.
- وأفادت أن قول الملائكة للمدعوين : “يا عبد الله هذا خير”, بمعنى فاضل لا بمعنى أفضل، وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك، ففائدته زيادة ترغيب السامع في طلب دخول الجنة من ذلك الباب.
- كما أفادت الأحاديث أن أبواب الجنة مفتوحة في وجوه المؤمنين قبل أن يأتوا إليها لكرامتهم على الله تعالى ، وأن أبواب النار مغلقة في وجه الكفار لا تفتح إلا إذا وقفوا عليها لما في ذلك من ترويع وشدة هول وإذلال لهم.
فبادر أخي الكريم أختي الكريمة لحجز مقعدك في الجنة، فإن من أضاع تذكرة السفر أو تأخر عن موعده فلن تقبل منه شكاية. ولمن أراد المزيد من المعلومات يرجى الاتصال مباشرة بكتاب الله وسنة رسوله وكلنا أمل في أن نفرح بقول الملائكة “سلا م عليكم طبتم فادخلوها خالدين” آمين والحمد لله رب العالمين.