رغم أنه يحض على الإخلاص في كل شيء لله سواء أكان عبادة أم عملاً، فإن شهر رمضان يتحول في المغرب مثله مثل كثير من البلدان العربية إلى استهلاك يرتفع بنسبة تزيد عن 30% مقارنة بباقي أشهر العام.
كما يظهر مع بداية الشهر الكريم “كسل إنتاجي”، فساعات العمل تقل، وتأخر الموظفين يزداد، وتنتاب معظم المؤسسات حالة من التأجيل والتسويف لأعمالها، وتظهر بقوة في أحاديث العاملين مقولة “فلنؤجل كل شيء إلى ما بعد عيد الفطر”.
المسئولون بالدوائر الحكومية المغربية يعترفون بتأثير شهر رمضان على إنتاج الموظفين، فيقول منير الكمحة المسئول بقسم الموارد البشرية في إحدى المؤسسات العمومية: إن نشاط الصائمين يتأثر بمواعيد العمل التي تتغير، وبوتيرة الحياة اليومية التي تنقلب في بعض الأحيان، حيث يؤثر السهر الطويل في ليالي رمضان على الأداء العام.
ووفقًا للكمحة تنتشر عـــادة التأخـر في الوصول إلى مقر العمل خلال شهر رمضان، وهو ما يعني تراكم العمل، كما يبدأ الخروج قبل المواعيد المقررة عادة، خصوصًا بالنسبة للنساء بسبب مسئولياتهن، وعدم كفاية الوقت الفاصل بين الخروج من العمل وموعد الإفطار لإعداد الطعام.
ويرجع المسئول المغربي حالة الكسل والتراخي في العمل إلى عدم وجود نظام صارم للعقوبات على التأخير في المؤسسات العمومية مثل القطاع الخاص، إضافة إلى أن ساعات العمل نفسها تنخفض في رمضان، فالمؤسسات تعتمد العمل طيلة السنة بنظام الدوامين (فترتي عمل): أربع ساعات في الفترة الصباحية، وأربع ساعات بعد الظهر، بينما تصل عدد الساعات يوميًّا إلى ست ساعات خلال شهر الصيام.
ويؤدي انخفاض معدلات الإنتاج في شهر الصوم إلى مشاكل، منها نقص المعروض من السلع الذي يعمق من أزمة العجز المزمن في الميزان التجاري الذي يقدر بـ10 مليارات دولار في عام 2003 – 2004، ويتم تغطية العجز عبر إيرادات السياحة وتحويلات المهاجرين وعائدات الخصخصة وتدفق الاستثمارات الخارجية وبرامج الاقتراض المحلي والدولي.
التأثير ليس كبيرًا
لكن أحمد الرحيوي أحد الخبراء الاقتصاديين المغاربة يرى في المقابل أن تأثير رمضان قد لا يكون كبيرًا على الإنتاج، بسبب استعداد المؤسسات المغربية لذلك وقلة الفترة الزمنية، فهو شهر واحد خلال السنة، بل إنه يرى أن هناك مهنًا موسمية تنشط في رمضان (بائع الكنافة، والحلويات، وغيرهما) وتتحسن مردوديتها، كما أن زيادة وتيرة الاستهلاك تحرك الاقتصاد من الركود شرط أن يترافق معها معدلات إنتاجية عالية.
وتعول الحكومة المغربية على تحريك الاقتصاد داخليًّا عبر زيادة الاستهلاك العائلي لدفع النمو الاقتصادي الذي تجاوز بقليل 4% عام 2003 – 2004، والخروج من حالة ضعف الطلب عبر زيادة مساهمة التجارة الداخلية في مجموع الاقتصاد الوطني.
مجتمعات متخلفة
الأشخاص “العاديون” الذين ينامون في وقت مناسب لم يثبت أن عملهم تأثر سلبًا بسبب الصيام.. هذا ما يقوله المحامي محمد السفياني الذي يعتبر أن الكسل الإنتاجي “ظاهرة موجودة وتؤكد تخلف مجتمعاتنا أكثر مما تؤكد تعارض الصيام مع العمل، ففي أوربا وأمريكا مثلاً جاليات مسلمة تصوم وتحيي شهر رمضان بشكل عادي دون أن يؤثر ذلك على عملهم، وذلك بشهادة مسئوليهم وزملائهم من غير المسلمين”.
ويعتبر السفياني شهر رمضان مناسبة له لفتح كل الملفات المتراكمة أو المنسية، لأنه يعمل في هذا الشهر أكثر من غيره من الشهور الأخرى، ويرجع ذلك النشاط إلى النوم المبكر، فرمضان ليس شهرًا للسهر الطويل، فهذه عادات سلبية اقترنت به، فالأصل هو النوم مبكرًا حتى تستطيع أن تقضي يومًا منتجًا.
تكيف في القطاع الخاص
شركات القطاع الخاص مختلفة في رمضان عن المؤسسات الحكومية المغربية، فأي انخفاض في معدلات الإنتاج فيها قد يعني خسارة لأصحابها، لذا يتم تلافي ذلك من خلال تثبيت الساعات وعدم تقليلها في رمضان وتعويض ذلك بالعطل الأسبوعية، أو العمل الليلي في بعض الشركات.
فيقول عبد الرحيم المزوضي، رئيس وحدة إنتاج في شركة للنسيج بالحي الصناعي بالرباط: “في هذا الحي الصناعي يصبح لشهر رمضان طعم مختلف، حيث إن العاملين به ملزمون بالعمل ابتداء من الساعات الأولى للنهار ويغادرون في وقت متأخر مقارنة مع باقي القطاعات الأخرى، وغالبًا ما يحل الإفطار علينا ونحن في طريق العودة إلى بيوتنا، خاصة في السنوات الأخيرة التي يطول فيها الليل ويقصر النهار، عكس السنوات التي يصادف فيها شهر رمضان فصل الصيف”.
أعباء على النساء
ويبدو الأمر أقل صعوبة للرجال العاملين في القطاع الخاص مقارنة بالنساء اللاتي يعملن خاصة في شركات النسيج المغربية، حيث إن أغلبهن متزوجات ولديهن أطفال، وهو ما يجعل عليهن عبء تحضير الإفطار، إلا أن بعض العاملات أكدن أنهن استطعن الوصول إلى حل وسط مع رؤسائهن، حيث يسمح لهن خلال الشهر الكريم بالانصراف في مواعيد مبكرة، ليتمكنَّ من الوصول إلى بيوتهن في وقت يسمح لهن بإعداد موائد الإفطار مقابل عملهن ساعات إضافية أثناء عطلهن الأسبوعية لكي لا يتضرر معدل الإنتاج الشهري.
واعتبرت العاملات أن هذا الحل هو الأفضل بالنسبة لهن دون أن يبدين خوفهن من الاضطرار للعمل خلال الليل في الأيام الأخيرة من الشهر، إذا كانت هناك “طلبية” عاجلة.
يبقى أن الكسل في الإنتاج أصبح قيمة سلبية مرتبطة بالمناسبات الأخرى لدى المغرب ومعظم الشعوب العربية والإسلامية، وتتطلب من المؤسسات الدعوية ومنظمات المجتمع المدني تبيان مدى أهمية العمل في شهر رمضان، وزيادة مساحة التوعية الخاصة بإجادة العمل في هذا الشهر الكريم، وأن الإخلاص في هذا الشهر يزيد من ثواب المسلم.
مريم التيجي
> إسلام أون لاين