انتهى الصيف بحره وضجيجه، لينقضي وقت قيل عنه إنه “عطلة”، أي وقتا معطلا. وبصريح العبارة، وقتا فارغا من العمل. وإذا نحن رجعنا إلى حصيلة العام الماضي، وما حققناه من أهداف ونتائج، يجد أغلبنا أننا خرجنا صفر اليدين من أي جزء ولو بسيط من الأهداف التي خططنا لأنفسنا، (طبعا هذا إذا افترضنا أننا وضعنا لأنفسنا أهدافا نريد الوصول إليها، وما أبعد هذا الافتراض عن واقعنا) ، فلم نحقق أي نتيجة تُذكر، نستحق عليه الراحة، وليس تعطيل ما تبقى من فتات قدراتنا. وهذا يذكرنا بضبابية المفاهيم التي تروج في أذهاننا وتُشوش تصورنا لمختلف الأمور، من مثل مفهوم العبادة، العمل، العطلة، الراحة، وغيرها من المفاهيم التي تحتاج منا إلى إعادة تصحيحها وضبطها ليستقيم تصورنا، وتنتظم أحوالنا،وبالتالي نستطيع وضع أهداف لحياتنا ، وتحقيقها. وهكذا نجد أننا خرجنا من هوجة، ومن سوء تدبير للوقت وللعمل وللطاقة وللقدرة، لندخل في متاهة عام جديد مليء بالمعاناة والقلق والتخبط، ومزيد من التعطيل، تشعرنا أننا مجرد أشياء، أو آلات، أو في أحسن التقديرات ، مجرد مخلوقات تائهة لا حول لها ولا قوة ولا قيمة لها.
وقد نتساءل عن طبيعة هذه المتاهة، وكيفية الخروج منها. لكن قبل ذلك ، يجب أن نعلم أننا نعاني من أزمة حضارية كبرى في كل المجالات. بمعنى أن أي فرد منا مسؤول أمام الله أولا، ثم أمام نفسه ومجتمعه وأمته وتاريخه عما يحدث، سواء على المستوى الشخصي، أو الجماعي، وعن البحث عن سبيل للتغيير، ولاستعادة إنسانيتنا، بل إنسانية العالم التي تتسرب يوما بعد يوم، في خضم قانون القوة والفساد الذي أصبح المتحكم الأول في مصائر البشر. كل حسب موقعه الذي يجب ألا يستهين به مهما كان، شرط الإحسان في عمله، من أجل أن يقترن بالصلاح، ويؤتي أكله في عملية التغيير، واستعادة الإنسانية.
إن الفردمنا قد لا يملك أمر غيره من البشر، لكنه يملك أمر نفسه إن شاء، لذلك فإن الله سوف يحاسبه حسابا عسيرا على وقته أين ضيعه، وعلى ماله أين أنفقه، وعلى عمره أين قضاه، لأن هؤلاء الثلاثة هم أسس النهضة، وعمادها الإخلاص. فإن ضُيّعت، أو تخلخلت جذورها، أو تشوهت مفاهيمها، كان المصير ما نعانيه، سواء على مستوى الفرد، أو مستوى الأمة. معاناة لا تصب في مجال الجهد المؤدي إلى الرقي والعزة والكرامة، بقدر ما تصب في مجال الخسران والتثاقل في الأرض.
وقد يذهب عديد من الناس إلى الاحتجاج بأنهم لا يجدون ما يصنعون في حياتهم. فالذي يعمل ينهي عمله كيفما كان، أو يؤجله ليلحق بما ضاع من أعمال مؤجلة، والذي لا يعمل لا يتعب نفسه بأي مجهود للعمل، ويعلق ضياعه على شماعة الدولة وغيرها. والنتيجة، ضياع وتخلف وفوضى. ونتيجة عطلة الصيف، مزيد من الأوساخ والقاذورات المادية والمعنوية، المتراكمة في كل حي من أحياء المدن، بالإضافة إلى الضياع والفساد والانحطاط. وأضع بين أيدي القراء تساؤلا سألني إياه ولدي البالغ اثنتي عشر سنة، يمكن أن يكون مجرد نقطة في بحر لجّيّ من التساؤلات التي تحتاج إلى أن نعيها، ونحاول الخروج من حيرتها وقلقها:”لماذا لا يجتمع شباب حينا ويختارون كل أسبوع ثلاثة أو أربعة منهم بشكل دوري، وينظفون المسجد؟؟، إن رائحة السجاد نتنة تصيبني بالعطس والغثيان كلما سجدت”……….