إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيرا بين يدي الساعة.
من يطع الله تعالى ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله تعالى ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله تعالى شيئا.
إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد : شاء الله تبارك وتعالى أن يُمد في العمر حتى نفي بالوعد الذي تحملناه في الجمعة السابقة بالتعليق على خطبة الإحصاء، وقبل ذلك نعرف معنى الاحصاء في الكتاب والسنة واللغة.
فقد ورد في سورة ابراهيم : {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} أي لا تطيقوا عدها ولا حصرها ولا ضبطها، فضلا عن أن تشكروها، ومثل هذه الآية وردت في سورة النحل، وورد في سورة الكهف أولا : {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً} أي : أضبط وأدق. وثانيا {مال هذ الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} أي عدها وأثبتها، وفي مريم : {لقد أحصاهم وعدهم عدّا} أي عدهم وضبطهم فلا يخفى عليه أي واحد منهم، وفي “يس” : {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} كتبناه وضبطناه وعلمناه، وفي المجادلة : {فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه} أثبته وضبطه. وفي الطلاق : {وأحصوا العدة} أي اضبطوها واحفظوها. وفي سورة الجن : {وأحصى كل شيء عددا} أي أحصى عدد كل شيء. وفي المزمل : {علم أن لن تحصوه} أي لن تحفظوا مواقيت الليل، ولن تطيقوا قيامه كله، وفي النبإ : {وكل أحصيناه كتابا} أي أثبتناه وضبطناه في اللوح المحفوظ.
فكل إحصاء جاء مسنداً إلى الله تعالى فمعناه العد والضبط والكتب والاثبات على أكمل وجه وأدقه وأصحه.
وما جاء من الاحصاء مأموراً به، فمعناه الأمر بحفظه وإثباته. وما جاء مخبرا به عن البشر فمعناه العجز والضعف عن احصائه وحفظه وتحمله.
وجاء الإحصاء في الحديث بمعنى الحفظ في قول عبد الله بن مسعود ] لنهيك بن سنان : >وكلَّ القرآن قد أحصيت غير هذا؟< (م) صلاة المسافرين باب ترتيل القرآن واجتناب الهذ.
وجاء الإحصاء في الحديث بمعنى الحفظ والصيانة في قوله لامرأة بعدما خرص حديقتها : >أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله< (م) الفضائل باب في معجزات النبي (ح : 11).
وجاء في الحديث نفي الاحصاء بمعنى نفي الاستطاعة والاطاقة قال : >استقيموا ولن تحصوا< الحديث أخرجه مالك في الموطإ كتاب الطهارة رقم 75 باب جامع الوضوء.
والإحصاء في اللغة : العد والحفظ.
وأما قوله : >إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة< فمعناها عند بعض العلماء : من أحصاها علماً، وإيمانا بها، ويقينا بأنها صفات الله تعالى، ولم يُرِد الاحصاء هنا بمعنى العدّ.
ومن بين أسماء الله الحسنى : >المحصي<، ومعناه : الذي أحصى كل شيء بعلمه، فلا يفوته دقيق منها ولا جليل.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وفقهنا في معاني أسمائك الحسنى، وأعنا على الانتفاع بأسرارها وبركاتها، وعلى التخلق بحكمها وآدابها، آمين والحمد لله رب العالمين.
üüüüüüüüüü
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار.
وبعد : لقد جاء في نص الخطبة السابقة بالحرف :
أن عملية الاحصاء التي يقوم بها المغرب الآن عملية وطنية، أي شاملة للتراب الوطني من طنجة شمالا إلى الگويرة جنوبا، ومن المحيط غربا إلى فگيگ شرقا.
وأن المغرب يجند لهذه العملية طاقاتبشرية هائلة، ويرصد لها إمكانات مادية خاصة.
وأنه -أي المغرب- يستهدف من ورائها خدمة الصالح العام، لما ينبني عليها من تخطيط دقيق، ورسم محكم للحاجات المستقبلية في كل الميادين.
وأن مشاركة المغاربة في هذه العملية ليعد من أكبر مداخل التعاون على الخيروالصلاح دينا ودنيا.
ويطلب من كل مغربي الحضور في بلده من فاتح شتنبر الى 20 منه.
وأن يجيب بكل صدق ودقة، ونصح وأمانة عن جميع المعلومات والبيانات المطلوبة منه، عن نفسه وأسرته، وأحواله الاجتماعية.
وأن التفكير في التوقعات الاجتماعية المستقبلية والعمل لها بحسن النظر والتدبير.. هو من الأسباب المطلوبة منا شرعا.
وأن العصر الذي نعيشه ونحياه هو عصر التنظيم والتخطيط لنجاح كل عمل..
أما كون عملية الإحصاء وطنية، وأنه يجنّد لها الطاقات الهائلة من البشر والمال فصحيح، وأما أنه يستهدف من ورائها خدمة الصالح العام فدعوى يتوقف تصديقها على ما ستكشفه الأيام، وأما أنه ينبني عليها التخطيط الدقيق والرسم المحكم للحاجات المستقبلية فنسأل الله أن يتولى ذلك أولو الخبرة والعلم، الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون، وأن يكون للاسلام -عقيدة وشريعة- حضور كبير، وحيز مهم في التخطيط المسقبلي، أما إذا تولى التخطيط والرسم أصحاب الخبرة دون إيمان ولا حياء، أو العابثون والجهال، فيا حسرة على هذه الجهود البشرية والأموال الضخمة.
وأما أن يقيم المغاربة بمحلاتهم طيلة عشرين يوما فليس هذا بمستطاع للجميع، ولا هو مفيد للوطن والمواطنين، وأما أن يجيبوا بكل صدق ودقة ونصح وأمانة عن جميع المعلومات والبيانات التي يُسألون عنها عن أنفسهم وأسرهم وأحوالهم الاجتماعية. فهذا أمر مهم لو تربى المغاربة منذ الاستقلال على الصدق والنصح والأمانة، والعدالة الاجتماعية التي تجعل المواطن يطمئن ولا يخاف، ويجيب بكل دقة وأمانة، فكيف يطلب الشيءمن فاقده إلا من رحم الله! ولو فرضنا أن المغاربة أجابوا كما طلب منهم فماذا سينكشف بالاحصاء، ألوف من العاطلين عن العمل، وألوف من اللصوص، وألوف من الحمقى والمجانين والمتسكعين بشهاداتهم العليا، وألوف من المتسولين، وألوف من السكارى وعشرات الألوف من المدخنين، وألوف من الذين أكلتهم الأسماك في البحار، وألوف من السحرة والمشعوذين. ألوف وألوف من المتخلى عنهم ذكورا وإناثا صغاراً وكباراً لا يعرفون لهم آباء، وقليل منهم من يعرف أمه، وقد تتنكر له، وألوف أخرى من النساء تعيش من مال الدعارة والبغاء وألوف أخرى من الذكور تعيش بالشذوذ الجنسي وهؤلاء ينتظرون صدور قانون يسمح لهم بتلك الممارسات بصفة علنية (طبيعية) وهناك ألوف من المزورين والمرتشين والوسطاء والباطشين والقاتلين بوسائلهم الخاصة، لكن هؤلاء يبعد أن يصرِّحوا بأفعالهم ووسائلهم وأحوالهم الاجتماعية.
كل تلك الألوف وغيرُها كانتنتيجة لإبعاد شريعة الله من الحكم، واستبدالها بالأحكام البشرية الناقصة والجائرة وقد قال قائلهم : إننا لسنا بحاجة إلى تطبيق الشريعة الاسلامية، لأننا بخير وعلى خير وإلى خير… وما لم يحرص المخططون للمغرب والذين يرسمون البرامج المستقبلية وينظرون بجد إلى توقعاته المرتقبة على جعل القيادة الاجتماعية للشريعة الاسلامية في كل الميادين التربوية البشرية، والتنموية الاقتصادية، فسوف يكشف الاحصاء المقبل بعد عشر سنين عن قوم لا خلاق لهم -لا قدر الله.
وأما أن التفكير في التوقعات الاجتماعية المستقبلية والعمل لها بحسن النظر والتدبير هو من الأسباب المطلوبة منا شرعا، فهو حق بشرط أن يكون النظر نظر الشرع. والتدبير تدبير الشرع والوسائل والأدوات مشروعة. وأما أن العصر الذي نعيشه ونحياه هو عصر التنظيم والتخطيط لنجاح كل عمل، فكل عصر عند العقلاء يجب أن يكون أهله كذلك، أما الغافلون والبلداء المتكاسلون فهم الذين يرون أن بعض الأزمنة للجد والمكابدة. وبعض السنين للهو والعبث والطرب، والنوم والاسترخاء. فنسأل الله عز وجل أن يكون هذا الاحصاء منبها قوياً للمغاربة على أن لا قيام لهم ولانهضة ولا نجاح ولا تقدم بغير الاسلام وشريعته. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة المهتدين وعن التابعين المخلصين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.