بارقة : تيه وأي تيه!!


كُتب على بني إسرائيل أن يتيهوا أربعين سنة في الأرض، أما أمتنا فيبدو  أن مُدَّة تيهها أضعافٌ مضاعفة.

لقد بذلت هذه الأمة جهوداً مضنية حتى تحررت من الاستعمار بأسمائه المختلفة، لكن ما أن انتهت الاحتفالات بأيام الاستقلال حتى أعلنت كثير من الأنظمة الحرب على الإسلام… وسرعان ما نشأت مِللٌ ونحلٌ ترى في الإسلام عدوها الأول… وقامت دول وحكومات على أساس ديمقراطية وليبرالية غربية، وفي ظل هذه الأنظمة الفاسدة ضاع نصف فلسطين… فقامت انقلابات سَمَّوْها ثورات تولى زعامتها قادة مجانين بذلوا الجهود والأموال لقمع شعوبها وتخريب ذمم رجالها وشراء الضمائر وتكميم الأفواه، والتبذير والاسراف وتسخير الإعلام لتوريم صورهم وتضخيم أسمائهم وإثارة الإحن والبغضاء خلال المجتمع، وتسليط فئات من المجرمين على خيرات البلاد للنهب والتدمير الاقتصادي وتكديس الثروات ببنوك الغرب، والتمكين للجهلة الأفاكين أو المتعلمين الانتهازيين والمدَّاحين المنافقين والكتَّاب المتملقين والفنانين الساقطين في البلاد والعباد!! فكانت النتيجة : ضياع النصف الثاني من فلسطين..

وبعد ذلك يحاول التائهون أن يكفروا بأنظمتهم الثورية فصاروا يشتاقون إلى أنظمة ملكية جديدة وأعلنوا أنهم رؤساء إلى الأبد تحت ستار التجديد المتوالي ثم صاروا يولون أولادهم ولايات عهدهم، لكن دون أن يتنازلوا للشعب قيد أنملة عن شبر ولو قليل من سيادتهم.. لقد سقطت الثورات وعاد الاستعمار من جديد بنفس الذرائع والأسباب : لنشر الحرية وإقامة الديمقراطية ويدعمون أنظمة أبشع من النازية وأقذر من الشيوعية، والعجب أن الذين حاربوا الاسلام باسم العروبة والبعث واليسارية والاشتراكية تحولوا إلى خدمة أسيادهم الجدد ليحاربوا الاسلام باسم الحداثة والديمقراطية الأمريكية وحقوق المرأة على الطريقة الغربية وحرية الدعارة وتقويض الأمة عن طريق تخريب الأسرة إلى غير ذلك.

وهكذا انتقلنا من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين كما صورت ذلك في حالة زياد بري أحد الأبطال الذين خربوا بلدهم باسم الاشتراكية السوفياتية أولا ثم باسم الليبرالية الأمريكية ثانيا إذ قلت:

يسارُ يمينٌ، يمينٌ يسارٌ

فإمَّا الجحيمُ وإمّا سقَر

أما المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله  فمازلنا تائهين عنها معرضين عن سوائها عُمْياً عن ليلها المضيئ ونهارها المشرق لأننا ما زلنا في غمرات التيه وأي تيه!!

{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى…}.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>