1- قـلـب الكـــافــــر والـمـنــافــق
لقد أنعم الله على الإنسان بخلقه (فجعله حيا عالما، قادرا متكلما، سميعا بصيرا ومدبرا حكيما). قال سبحانه في محكم التنزيل : {لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم}(التين : 4) وأيضا : {وهو الذي أنشأ لكم السمع والابصار والأفئدة، قليلا ما تشكرون} (المؤمنون : 78).
وقد فضل الله القلب على جميع الجوارح وخصه بالذكر، لأنه موضع الفكر ومركز العقل والعلم وتلقي المعارف، وقيل أخلص الشيء وأشرفه قلبه. قال رسول الله : “…ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”. فأفضل الإيمان ما وقر في القلب، وأفضل الصلاة إذا خشع القلب، وأفضل الحب ما كان خالصا لله وحده، لذلك كان الإخلاص من أحب العبادات التي تصيب المشاعر حيث يستجمع القلب فيه نبضاته من أجل الإقبال على الله عز وجل. يقول عليه الصلاة والسلام : “مثل القلب مثل ريشة تقلبها الرياح بفلاة”. ولما كان القلب يتقلب بين أصبعين من أصابع الرحمان، كان يقول : “اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على طاعتك”.
والدارس للقرآن والفقه في أصول الدين والتفسير، يصنف القلب أنه أكثر الجوارح التي أتى ذكرها في مواطن عديدة من الكتاب الحكيم دلالة على أهميته باعتباره المقر الرئيسي للعقيدة. فالجوارح، وإن كانت تابعة للقلب، فقد يتأثر هذا الأخير بأعمالها للارتباط بين الباطن بما هو ظاهر. قال رسول الله : “إن الرجل ليصيب الذنب فيسْوَدُّ قلبه فإن هو تاب صقل قلبه”.
وقد خاطب الله عز وجل نوعين من القلوب لنماذج من البشر، فجعل لها أوصافا تدل على الأشخاص الحاملين لها والمتصفين بها حيث وصف قلوب الكفار بأوصاف عديدة منها :
< الختم والطبع : فقال :{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذاب عظيم}(البقرة : 7) وأيضا : {فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}(المنافقون : 3)
فالختم هو عدم الوعي عن الحق سبحانه في الفهم وإعمال الفكر في آياته، وهو معنى يخلقه الله في القلب يمنع من الإيمان به. ولقد طبع الله وختم على قلوب الكافرين عن التوحيد مجازاة لهم على كفرهم لأنهم في ضلال لا يؤمنون، وهذا هو قلب المنافق فهو كافر. الختم والطبع هو فعل ما يصير به القلب مختوما مطبوعا، والطبع أن يطبع على القلب وهو أشد.
< المرض والقسوة : قال سبحانه : {في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا} (البقرة : 10)، وكذلك : {ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}(البقرة : 74)،وجمع بين المرض والقسوة في آية واحدة فقال : {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم} (الحج : 53)، فالقلب المريض هو القلب المليء بالشرك والنفاق لا يلين أبدا لامرالله مُشَاقَّةً لله ولرسوله. وهو قلب قاس أيضا لما فيه من الصلابة واليبس تعبيرا عن خُلُوه من الإنابة والإذعان، فهو قلب لا يعي خيرا ولا يفعله، لأنه فاسد وردئ ولذلك كان رسول الله يقول : “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي”.
< الانصراف : وفيه قال عزوجل : {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون}(التوبة : 127) وقد وصفها كذلك لأنه سبحانه صارف القلوب ومصرفها ومقلبها، وقد صرفها عن الخير مجازاة على فعلهم، وفي ذلك ذم لهم لأن قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة فهو ضيق الصدر نافر من الإيمان.
< الإنكار : فقد قال تعالى : {إلهكم إله واحد، فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون}(النحل : 22)، وهذه إشارة إلى قلب المشرك المتكبر الذي لا يقبل الوعظ ولا ينجح فيه التذكير لأنه متكبر عن قبول الحق.
قال : >لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر<.
< الحمية : قال سبحانه : {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}(الفتح : 27)، ويعني الأنفة والعصبية لما فيها من الغلظة والجفاء، ونابية عن الإيمان لبعدها عن التوفيق إلى طاعة الله ذلك أن الكفار لم يضمروا في قلوبهم الإيمان بالحق والتصديق بالرسالة.
< الران : وهي صفة أخرى لقلب الكافر : {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}(المطففين : 14)، الران هو أن يسود القلب من الذنوب. وفيه قال النبي : >إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب صقل قلبه، فإذا عاد زيد فيه حتى تعلو على قلبه، وهو ‘الران” الذي ذكر الله تعالى في كتابه<.
فالران هو الذنب على الذنب حتى يسود القلب.
< الغفلة اتباع الهوى : قال تعالى : {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}(لكهف : 28)، و{ما يأتيهم من ذكر محدث إلا استمعوه وهويلعبون، لاهية قلوبهم}(الأنبياء : 2).
ولم يقتصر وصف الله لقلوب الكفار والمنافقين على هذه الأوصاف، بل تعدى ذلك إلى وصفها في أكثر من موضع بأنها في أغطية وعليها أقفال وأغلافة يحجب عنها الإيمان ويمنعها عنه، فقال : {وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم}(الأنعام : 25)، أي أن قلوب الكفار في أغطية فلا يفقهون. وقال أيضا : {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}(الإسراء : 47).
والمعنى أن الله جعل على قلوبهم سترا يحجب عنهم فهم القرآن وإدراك ما فيه من الحكمة والمعاني لأنهم كرهوا أن يفقهوا آيات الله ولأنهم لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون إلى الحق، فكانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم.
وقال في الإقفال {أم على قلوب أقفالها}(محمد : 24) وهي أقفال من اليبس والصلابة أقفلها الله عليهم فهم لا يعقلون وتلك إشارة إلى قلوب فظة لا يدخل الإيمان إليها ولا يخرج الكفر منها لأن الله طبع عليها وعلى قلوب من كانوا بهذه الصفة.
في الحلقة المقبلة سنتحدث عن
قلب المؤمن إن شاء الله.