كلمة عابرة : مُسَيْلمات أمريكا في العالم الإسلامي


بيان من أجل إسلام للأنوار أو 27 مقترحاً لإصلاح الإسلام

Manifeste : pour un Islam des lumieres, 27 propositions pour réformer lصislam

هذا عنوان كتاب بدأت إحدى الجرائد اليومية المغربية تنشره على حلقات في “فسحة الصيف” وكأن الإسلام أصبح لا يصلح إلا للتنذر و”قضاء الوقت” وليس للتدبر والانفعال به والتفاعل معه لبناء الحياة الفردية والجماعية لهذه الأمة، وما يلفت النظر هو الإرادة المحمومة التي أصاب أصحابَها سُعارُ “علمنة” الاسلام وتحديد دوره في مواقع هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع. والكتاب الذي بين أيدينا يريد -بكل وقاحة- إصلاح الاسلام وليس الفكر الاسلامي باعتباره معطى بشريا يصيب أو يخطئ.

ونحن لا نستغرب هذا من مثل هؤلاء الذين أصبحت دعواتهم تتقاطع مع مصالح المسيحية الصهيونية في العالم، وقد سبق أن تحدثنا في جريدة المحجة عن مشروع “الفرقان الحق” الأمريكي اليهودي الذي يشكك في عقيدة المسلمين ويؤسس لاستراتيجية مستقبلية يكون فيها الاسلام هامشيا أو منعدما، كما نشرت مجلة المجتمع في عددها 1607 مقالا عن مؤسسة “راند” الأمريكية التي تعمل في الاتجاه نفسه مركزة على تحريف الحديث النبوي الشريف والتشكيك في صحة القرآن. ولكن هؤلاء وأولئك لا يعلمون أن الدسائس التي حيكت وتحاك ضد الاسلام والمسلمين على جميع المستويات لو قدر لها أن تنجح لما بقيت بقية لأمتنا، فمنذ الحملات الصليبية إلى حقبة الاستعمارإلى عصر العولمة والنظام الدولي الجديد، والعالم الاسلامي يسحق تحت سنابك استكبار الكفر، وما يزيده ذلك إلا عنفوانا وثباتا، فكلما ضرب الاسلام ازداد انتشارا وكلما ضرب المسلمون  ازدادوا تشبثا بدينهم وقيمهم، فمحاربة التعليم الديني ليست جديدة وتغيير القوانين والأنظمة له جذور في التاريخ، والإخضاع بالقوة دَيْدَنُ الكفر، فمن كان يتصور الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني بالأمس وللشعب العراقي اليوم؟.

إننا لا نستغرب دعوات “إصلاح” الاسلام من الذين سقطوا أمام إغراءات المدنية الغربية وثقافة التدمير والإفساد في الأرض، بعدما خطفت زينة هذه الحضارة البريق والضوء من أبصارهم وبصائرهم، وبعدما ضللت حلاوتها أدوات الوعي والإدراك والرشد عندهم.

إننا قد لا نلوم الغرب على انتهاج ما هو عليه الآن بقدر ما نلوم مثل هؤلاء على تبعيتهم وتقليدهم ودخولهم جُحْرَه تحت عباءة “إصلاح الاسلام” وكأنهم أنبياء جدد يستدركون على الرسول الخاتم  ، جاءوا لإنشاء مفاهيم جديدة وتأسيس قيم جديدة ترضي السيد الغربي، لذلك فلا بأس من “التفسير الجديد للقرآن باعتباره الطريقة الوحيدة الكفيلة من الآن فصاعدا بتغيير الإسلام رأسا على عقب حسب تعبير صاحب (إصلاح الإسلام)، ولا بأس من تفصيل إسلام على مقاس القيم الغربية “المتسامحة” في العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان…!!

ولا بأس من إسلام حر مستنير يحلل الحرام ويحرم الحلال ويسمح بانتشار العري والرذيلة والفحش، ويكمم أفواه العلماء العاملين الذين يصدعون بالحق، ولا بأس من إسلام يفسح المجال لحرية الشواذ في تنظيم أنفسهم في تنظيمات حقوقية، ويفسح المجال لحرية العازبات في أن يصبحن أمهات، لا بل من واجب المجتمع أن “لا يعقدهن” بقوانينه وأعرافه “البالية” ومن حقهن ألا يعترفن بتشريعاته الإسلامية “المتخلفة” التي لا تتماشى مع القوانين الدولية التي لا تُحْتَرم إلا عندما يكون الإسلام والمسلمون هم المستهدفين… إنهم يتجاهلون خيرنا ولا يقتبسون من الغرب إلا شره فقط. ولا غرابة، فرغم أن الإنسان مفطور بفطرة الله وفيه معدن الخير، غير أن غياب النور أو رفضه الاستنارة والاستضاءة في حركته سيحتم وقوعه في الظلمات : ظلمات الفكر والكفر والممارسة، وسيصاب بالتلوث الخلقي والفكري والعقدي.

إن هؤلاء المعاقين حضاريا يريدون إعادة ترتيب القرآن كما قال أحد أزلامهم وحذف ما لم يعد يستجيب للهيمنة الكُفرية في محاولة يائسة وبائسة لإلغاء تأثير وفاعلية القرآن في ساحة الحياة الاسلامية وإسقاط مرجعيته الخالدة والمحفوظة بحفظ الله تعالى.

إنها مأساة عملية “العلمنة” في التعامل مع القرآن الكريم وتحديد دور له تحت الطلب الأمريكي والصهيوني.

إن القوم عازمون على التضييق على القرآن والعلماء في بلد دينه الإسلام ونظامه السياسي يرتكز على الدين كمقوم أساسي لاستمراره، ورغم أن المؤسسة الدينية والعلمية ظلت عبر تاريخنا تمثل مركز جلب وجذب واستقرار لنظامنا السياسي والاجتماعي، فالقوم مصرون على محاربة الذات وتدمير الهوية وإلغاء أرقى بدائل الحضارة التي تمثلت في آيات ا الله الكريمة المتناسقة والمتلائمة مع الفطرة وقواعد وضرورات الاجتماع البشري.

إن مسيلمة الكذاب ما زال يصر على تقليص دور النص المعصوم بإخضاعه لمناهج قراءة النصوص البشرية مثل التفكيكية والتاريخية لتنزع عنه العصمة والقداسة والاحترام والتقدير ليسهل نقده وازدراؤه ثم التخلي عنه في نهاية المطاف.

وأخيرا : إن قراءة الأحداث المرافقة لنزول الآيات تثبت أنها قد نزلت وسط الأحداث لأجل حسمها وإنارة الطريق وإضاءة السبيل للقيادة الروحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في احتكاك هائل بين منهج إلهي ينطوي على الخطوط العريضة للصيرورة الانسانية والاجتماعية الحتمية وبين مناهج وأنظمة إنسانية بحتة… فأنى لمسيلمة الكذاب في كل عصر ومصر أن يؤثر في هذه الصيرورة المعصومة التي بأزليتها يطمئن المؤمنون، وبسببها يعض الكافر على يديه هو وقبيله من الكفار والمنافقين. {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون}. فهل يطفأ نور الله بالأفواه وهل يمكن اطفاؤه أصلاً؟

مالكم، كيف تحكمون؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>