كلمة عابرة : إعلامنا وصناعة (الكلمة الخبيثة)


لقد نشطت حركة صناعة (تلفزيون الواقع) في العالم العربي في السنين الأخيرة، وهي نسخة مما تنتجه التلفزيونات الغربية، بل أكثر منها فحشا ورداءة في كثير من الأحيان . ولقد ركبت قنواتنا في المغرب – بعد انتشارها المهول في المشرق – هذه الموجة الجهنمية التي تستهدف فئة الشباب خاصة، فتستغل مواهبهم في توسيع دائرة الأمر بالمنكر بالفعل والحال والمقال.

وإذا كان من المفروض على القنوات الإعلامية بشتى أصنافها أن تنتج المعرفة والعلم والفن الرفيع الذي يسهم في تنمية الأفكار وتهذيب الأذواق وتوجيه المواهب قصد سيادة (الكلمة الطيبة) ، فإن ما نشاهده يوميا هو المزيد من محاولات تفسيق المجتمع وتفسيخ ما بقي من عراه الدينية والاجتماعية والفكرية …

فالترويج للجسد وكل فن رديء أصبح القاعدة في الصناعة الإعلامية، وما الإنتاج الهادف الباني إلا استثناء يؤكد هذه القاعدة .

وصدق الله العظيم إذ يقول : {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله مايشاء}(إبراهيم :24- 27) .فالله تعالى يقدم لنا الكلمة الطيبة من خلال الشجرة الطيبة لنفهم أن الكلمة الطيبة هي التي تمتد جذورها في أعماق مصلحة الإنسان وحياته لتنظم جميع فروعها المادية والروحية ، الفكرية والفنية والاجتماعية و… وهذه الكلمة لها ثبات من خلال امتدادها في أعماق الإنسان وهي دوما ترتفع في السماء- كالشجرة الطيبة – وهي تعانق الحق لتبثه  في الحياة الفكرية والروحية والاجتماعية ، وهي تؤتي ثمارها وأثرها ونتائجها في أي زمان ومكان، لأن الحق والطيب ليس له موسم معين مادام يمثل غذاءً دائما لحياتنا وصلاحا يقوِّمها .

أما الكلمة الخبيثة- ومنها جل الصناعة الإعلامية في هذه الأيام العجاف -  فلا جذور لها لأنها لا تنطلق من مواقع الحق في الفكر والحركة، بل هي حالة انفعال كما يبدو- مثلا – من خلال التوظيف المشين للكثير من شبابنا في برامج تصرفه عن رهاناته الحقيقية وترسم له مسارات تبعده عن قضايا الأمة المصيرية ، ففي الوقت الذي يرتكب فيه العدو الصهيوني المجازر في حق إخواننا الفلسطنيين، والاحتلال الأمريكي البغيض للعراق يدك المساكن على أهلها متحديا بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية، ورئيسه المنبوذ محليا ودوليا ما يزال يصر على غيه وعدوانه ، في الوقت الذي يحدث فيه هذا وغيره، نرى القوم يجِدُّون ويجتهدون في إنتاج برامج تهدر فيها الأموال والطاقات وتذبح على “بلاتوهات” استديوهاتها الفضيلةُ والعفةُ والحياءُ… وبذلك يتم التقاء (القوم) مع بوش وشارون في الذبح ـ بوعي أو بدون وعي ـ رغم اختلافهم في الوسيلة .

إن الكلمة الخبيثة حالة انفعال لا تستمد مواقعها الفكرية من العلم ، بل من الجهل الذي أصبح يغشى طبقة متعالمة من دعاة الحداثة العرجاء، ومن الشهوة التي لا حدود لها ومن المادية التي لا أخلاق لها و…

يا قومنا، إن الإسلام هو الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت لأنه يستمد كل شرعيته من الله ، فهو ليس فكر بشر حتى لو كان البشر رسول الله، {ولو تقَوَّلَ علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}(الحاقة : 44 )، {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}(النجم :3- 4)، فإذا كان الإسلام كلمته ووحيه ، وإذا كانت شريعة الإسلام في كل حلالها وحرامها هي شريعة الله ، فعليكم أن تسلموا وتذعنوا وتنضبطوا بضوابطه وخاصة أنكم تدعون احترام الإسلام ولا تخاصمونه، بل إنه -حسب اعترافكم- الدين “الحنيف”.

إن صناعة (الكلمة الطيبة) هي الثابتة وكل شيء غيرها إلى زوال رغم كيد الكائدين، لأن ذلك وعد من الله وقوله ، قوله الطيب الذي تحلو ثمرته ، والذي أسس حياتنا منذ القدم وإلى الأزل، وكل شيء لا يتصل به فهو الخبث كله ، فمتى ترفع وسائل إعلامنا شعار {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}(الأنعام :162- 163)، متى ترفع هذا الشعار ليصير فنها لله وثقافتها ومهرجاناتها لله و…؟

ومتى ترجع إلى طريق الصواب وتبتعد عن التطرف اللاديني الأعمى الذي يقدس اللذة والفجور؟ عسى أن يكون ذلك قريباً.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>