… مع مطلع فجر كل يوم جديد، تطلع علينا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار القصف والدمار و الامتهان على طول عالمنا الإسلامي و العربي وعرضه، وكأن هذه الأمة المستباحة لم تخلق إلا لهذا، وكأن قوله تعالى : {كنتم خير أمة أخرجت لناس} إنما أنزل على أمة غير هذه…
ففي كل يوم شهداء وجرحى وبيوت تهدم وأراضٍ تجرف في فلسطين، ومئات من المشردين من الأطفال والنساء والعجائز لا يجدون سوى بعض فصول المدارس تأويهم إلى حين.
وفي العراق، المزيد من الشهداء والجرحى لم يسمح حتى لسيارات الإسعاف بنقلهم… هذا إضافة إلى مسلسل إهانة وامتهان السجناء في سجن أبو غريب.
وما رشح من أكثر من 1000 صورة يندى لها جبين كل إنسان حر في هذا العالم أما القادة الميدانيون في الجيش الأمريكي، فلم تتفصد جباههم عرقا وعلى رأسهم وزيرهم (رامسفيلد) الذي اعترف بأنه كان على علم بما كان يحدث من انتهاكات، وحذر من ظهور صور أخرى أكثر امتهانا في المستقبل، ومؤخرا زار أفراد قوته في السجن المذكور، وأغلب الظن أنه أنبهم بشدة لا على الانتهاكات، وإنما على تصويرها وتسريبها لوسائل الإعلام. ولهذا أصدر أمره بمنع الجنود من استخدام الهواتف الخلوية الحاملة لكاميرات التصوير الرقمية.
هذا وقد كشفت جريدة (الواشنطن بوست) أن قائد القوات الأمريكية (سانشيز) تابع بنفسه إحدى حلقات الامتهان و التعذيب للأسرى العراقيين. أما طرق التعذيب فهي تنم عن نفوس مريضة وسادية حيوانية لم تعرف لها البشرية مثيلا، فمن إرغام المساجين على ممارسات مخجلة واغتصاب، إلى ركوبهم وهم عراة كما تركب الدواب، إلى إٍرغامهم على الأكل من المراحيض وتلطيخ أجسادهم بالقاذورات والعضرة، إلى إرغامهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير والارتداد عن الدين وسب المقدسات، وما خفي كان أعظم..أشياء مخجلة حصلت هي أشبه بقصص الخيال الحيواني، رآها العالم كله ولم يتحرك بالشكل المطلوب، فأين منظمات حقوق الإنسان ولا حتى حقوق الحيوان، وأين الصليب الأحمر الدولي ، وأين جمعيات الحريات الدينية، وأين…وأين…؟؟؟
كل هذه الجرائم البشعة يقوم بها جيش نظامي لدولة تعتبر نفسها رائدة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، أرسلتها عناية “الرب” كما يقول بوش لانقاذ البشرية من ظلمات التخلف والاستبداد!!
وفي المقابل، هناك صمت مريب في عالمنا البئيس، لا على المستوى الرسمي فقط، وإنما أيضا على المستوى الشعبي و الحزبي.
أما إعلامنا، كان الله في عونه، فهو مشغول هذه الأيام بمسابقات التفاهة لاختيار أفضل الأصوات والرقصات، ومشغول بالبرامج والأفلام الهابطة و المسلسلات التافهة.
أما أحزابنا الوطنية والقومية فكان الله في عونها كذلك، فلها من المشاغل ما يغنيها عن قضايا الأمة مع أن لحم أكتاف العديد منها نبت من هذه القضايا، خاصة القضية الفلسطينية. والبعض من هذه الأحزاب وصل إلى الحكم ورصع بالنياشين والأوسمة على حساب تبنيه للقضية الفلسطينية التي كانوا يتخذونها سلما للترقي والصعود حتى إذا وصلوا انفصلوا، ولم يعد للقضية مكان في اهتماماتهم، إلا ما نذر أو جادت به بعض المناسبات الاستعراضية. عبدوا القضية الفلسطينية حتى أتاهم اليقين فأووا إلى ركن ركين وقد علاهم ركام التزلف والاستجداء على عتبات الاستكبار العالمي لما انخرطوا في مشروعه دون قيد أو شرط، وراحوا يرددون شعاراته ومفاهيمه كالببغاوات ويتبنون مواقفه وقضاياه بحماس أكثر، واهتمام مبالغ فيه على حساب مصلحة بلادهم وقيمهم وثقافتهم. ونسي هؤلاء وغيرهم أو تناسوا أن هذا الاستكبار ليس له صديق ولا عدو دائم، وإنما هي مصالح دائمة فقط. وقد قال (كيسنجر) هذا الكلام منذ سنوات عديدة، وكان الرجل صادقا مع نفسه على الأقل، فالأحداث القريبة والبعيدة كلها تدل على صدق ما ذهب إليه، فكل من صَعَّرَ خده للأمريكان وقدم لهم الخدمات والقربات سرعان ما تدور عليه الدوائر فينبذونه ويتنكرون لجميل صنائعه عندما تدق ساعة الحسم، فلا يراعون فيه إِلاّ ولا ذمة ولا خدمة. فينبذ في العراء وهو ذليل مهيض الجناح. والأمثلة على هؤلاء أكثر من أن تحصى.
وآخر هؤلاء وليس آخرهم أحمد الجلبي زعيم حزب المؤتمر العراقي، وعضو مجلس الحكم الحالي، فقد ظل الرجل يمد المخابرات الأمريكية بالمعلومات والتقارير الاستخباراتية، قيل إنها كانت وراء موافقة بوش على غزو العراق وإسقاط النظام البعثي فيه. باع الرجل إذن بلده بثمن بخس دراهم معدودات قدرها 40 مليون دولار طيلة الأربع سنوات الماضية. ولقاء “خدماته” جاءت به القوات الأمريكية على صهوة دبابة مطعمة، وأحاطوه بعناية خاصة، وبحراس شخصيين أمريكان على طريقة “رامبو”.
ومع لحظة توجس غريبة انقلب كل شيء وقلبت المخابرات العسكرية الأمريكية بيته ومكاتبه رأسا على عقب بحثا على وثائق ومستندات لها علاقة بقضية “برنامج النفط مقابل الغذاء” و قضايا تجسس وتسريب معلومات لإيران وأشياء أخرى لا يعلم حقيقتها إلا الله و الراسخون في الاستخبارات الأمريكية. فالرجل الآن في وضعية صعبة لا تسر عدوا ولا صديقا بعدما تخلى عنه الأمريكان بالطريقة المهينة إياها.
فصادروا مربطه.
وجمدوا شعيره.
فهل من معتبر؟