“الكلمة” عند الاستاذ “فتح الله” كائن روحي، ووجود ذهني، وحياة يتمخض عنها الوجدان، وينهضها من العدم الإبداعُ… والكلمة عنده -بعد ذلك- لهبٌ نوراني يضيء دياجير الفكر والروح، وهي منبر يمكن أن يقود العالم ويهديه سواء السبيل.
والاستاذ “فتح الله” رجل دعوة وفكر، وهو بعد ذلك كاتبٌ حصيف ألمعي، ذو ضمير يموج بالإيمان، وروح مليءٌ باليقين… إنه اليوم في “تركيا” مِلءَ العين والقلب، ولاشك أن جلجلة كلماته، وبروق روحه، وصفاء ذهنه، وقوة عارضته، ستبحر عاجلاً أو آجلاً الى ما وراء آفاق هذه البلاد وحدودها، ولاسيما إلى العالم العربي الذي لازال يجهل الكثير عن علماء تركيا ومفكريها، ورجال الفكر والدعوة فيها.
ورسالته الفكرية والدعوية هي إنقاذ “الإيمان” من محنته. ومحو ما خَدّدتهُ أقلام الفسقة من آثار على أذهان المسلمين المستعبدة، وهو لا ينفك يعمل على استنهاض الهمم وإنقاذ الساقطين في لجج اليأس، من الذين تاهت أصوات استغاثتهم في عواء عاصفة الكفران.
إنه كاتبٌ يتلوّى بأصدق الآلام وأشدّها مِمّا آلَ إليه أمر المسلمين من فقر إيماني وبؤس حضاري، ولازال يتصدى في كتبه ومقالاته وخطبه لأولئك الذين يريدون أن يدنسوا قداسة الإسلام ويمسحوا عنه مسحة العظمة الإلهية… اختاره القدر ليحمل في هذه البلاد شعلة الإيمان المتوهجة بعدما كادت تخبو وتنطفيء… إنه يحمل في كيانه عناداً إيمانياً، وإباءاً استعلائياً على كل أنواع المغريات الدنيوية، وها هي خطوات فكره المسهد تذرع اليوم آلاف الرؤوس والعقول، وكم من عقول مستعلية بكبريائها الثقافي سقطتْ صرعى تحت قهر معرفته الإيمانية، وكم من أرواح تفوح منها رائحة العفونة إغتسلتْ بينابيع روحه، وتطهرت من عفونتها بأشعة شمس فكره، وكم من روح حازها إلى روحه، وكم من قلب ضمَّهُ إلى قلبه، وكم من عقل لجأ إلى غِنى عقله، وكم من معدم في الفكر والدين وجد في دفءِ وجدانه أمناً فكرياً ويقيناً دينياً، وكم من جحيم تتسعّر ناره في النفوس أطفأها بأنفاس روحه.
لقد رفع الرجل علم الرجاء في حومة اليأس المحيط، وسرعان ما التفّ حوله أصحاب القلوب الحية، والأرواح الفتية وكأنه يناديهم ويهتف بهم: إليَّ يا رجال الإيمان… وثباً وثباً يا فتيان… ركضاً ركضاً يا شجعان… هذا الإسلام، روحكم، مجدكم، تاريخكم، فؤادكم النابض، وجدانكم الحي… ها هو ساقط يتلوى ألماً، لا شيء أفجع على نفوسنا من هذا، ولا شيء أكثر إيلاماً لأرواحنا من أن نرى “القرآن” وحيداً في حومة النضال يناضل -بالحفظ الإلهي- عن أبنائه، بينما أبناؤه يغطون في نوم عميق.
هذه بعض ملامح ولوامع من فكره الخصب، وروحه العظيم، قبستها على عجل، ما استقصيت ولا تحريت، ولكني أشرتُ وأومأت، تاركاً لمَنْ يريد الاستقصاء والتحري حرية اختيار أيّ ٍ من كتبه ليرى بنفسه مصداق هذا الذي أشرنا اليه.
وإنَّ مما يُثلج الصدر، ويُطَمْئن الخاطر أن بعض الإخوة من خيرة الأساتذة ينكب على ترجمة آثار هذا الرجل الفكرية والدعوية الى العربية. وهذا -بلا شك- عمل عظيم يؤجرون عليه وخدمة كبرى يؤدونها للإسلام والمسلمين، وهم إذ يفعلون ذلك إنما يضعون لبنات في بناء جسور التواصل واللقاء الفكري والدعوي بين رجال الفكر والدعوة هنا، ورجال الفكر والدعوة في العالم العربي، ليتعرف بعضهم على بعض، والمعرفة تأتي بالودّ، والودّ يأتي بالمحبَّة، والمحبة بين المؤمنين أعظم ما يطمح اليه كل صاحب دين وإيمان، والسلام.