نـصـوص
قال الله تعالى : {وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون}(الأعراف : 29).
{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص}(الزمر : 2).
{قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين}(الزمر : 11- 12).
{قل الله أعبد مخلصا له ديني}(الزمر : 14).
{فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون}(غافر : 65).
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}(البينة : 4- 5).
حقيقة الإخــلاص
الإخلاص مصدر أخلص يخلص وهو مأخوذ من مادة (خَ لَ صَ) التي تدل على تنقية الشيء وتهذيبه(1)، والخالص كالصافي، إلا أن الخالص هو مازال عنه شوبة بعد أن كان فيه والصافي قد يقال لما لا شوب فيه.
فأخلص الدين لله : أي قصد وجهه وترك الرياء، بمعنى أمحض الدين لله ونقاه، والمخلِصُ هو الذي يتوجه إلى الله خالصا، والمخلَصُ هو الذي اختصه الله أي : جعله مختارا من الدنس.
فمعنى هذه اللفظة في كلام العرب إذن يدور حول تنقية الشيء مما يشوبه من الشوائب، وتخليصه من الأكدار ومما يداخله.
وأما الإخلاص في معناه الاصطلاحي فقد تنوعت عبارات العلماء فيه(2) :
فقيل : هو إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة.
وقيل : هو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن.
وقيل : هو أن يكون العمل لله سبحانه لا نصيب لغير الله فيه.
وقيل : هو القصد بالعبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده(3).
وقيل : هو تصفية السر والقول والعمل(4).
وقيل : هو تصفية العمل من كل شوب(5).
وانطلاقا من هذه التعريفات يمكن القول إن الإخلاص هو: “أن يتجرد المسلم في عمله كله وفي أمره كله عما سوى الله، تجردا لا يبقى معه شيء من حظوظ النفس التي تنافي الإخلاص أو تنقص من قيمته.
والمراد أن يكون عمل العبد صافيا نقيا مرادا به وجه الله عز وجل، لا أثر فيه لرياء أو سمعة أو ابتغاء ما سوى الله مما يغلب فيه حظ النفس. قال ابن القيم رحمه الله شارحا وموضحا معنى الإخلاص ومعددا بعض الصور من حظوظ النفس : “أي لا يمازج عمله ما يشوبه من شوائب إرادات النفس: إما طلب التزين في قلوب الخلق، وإما طلب مدحهم والهرب من ذمهم، وقضائهم حوائجه، أو غير ذلك من العلل والشوائب، التي عقد متفرقاتها: هو إرادة ما سوى الله بعمله، كائنا ما كان”(6).
فأهل الإخلاص، أعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله. فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمهم. بل قد عدوا الناس بمنزلة أصحاب القبور، لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. فالعمل لأجل الناس، وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم، ورجائهم للضر والنفع منه لايكون من عارف بهم البتة، بل من جاهل بشأنهم، وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم. ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله، وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه. ولا يعامل أحد الخلق دون الله إلا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثر معاملة الله على معاملتهم(7).
وكل عمل باعثه التقرب إلى الله تعالى، وانضاف إليه خطرة بشرية حتى صار العمل موسوما بها، فقد خرج عن الإخلاص، وكما يقول الإمام الغزالي:” كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قل أم كثر، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه، منغمس في شهواته، قلما ينفك فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس.
فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعزة الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشوائب، بل الخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى”(8).
وقد ذكر ابن تيمية أن إخلاص الدين هو الذي لا يقبل الله تعالى سواه، وهو الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، وأنزل به جميع الكتب واتفق عليه أئمة أهل الإيمان وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية، وهو قطب القرآن الذي تدور عليه رحاه”(9).
ومناط الأمر في الإخلاص هو ما تنعقد عليه مجامع القلب من إرادة الله في العمل، فإن انعقد القلب على إرادة ما سوى الله، أو خالطه شيء من ذلك، انتفى الإخلاص عن العمل، وكان عرضه للإحباط والبطلان. وقد يجر صاحبه إلى الرياء ثم إلى النفاق، وهو أبشع أنواع الانسلاخ عن الدين، وهو موجب لأشد أنواع العقاب، وأنكى أصناف العذاب : {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا}(النساء : 145) فانظر ما يورثه فقدان الإخلاص من نكد في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة.” ولا سبيل إلى أن يسترد المنافق معية المومنين، ويستحق الانضمام إلى زمرتهم إلا باستعادة الإخلاص، وتطهير العمل من شوائب النفاق : {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولائك مع المومنين.}(النساء : 146).
فالتوبة إلى الله هي الخطوة الأولى ومفتاح الباب “إلا الذين تابوا” لكن الذي يؤكدها ويصدقها ويحققها هو إصلاح حال العبد وتدارك نفسه بما فاتها من صالح الأعمال، وتزكيتها وتطهيرها مما علق بها من قبيح الخصال “وأصلحوا” ثم الذي يضمن استمرار هذا الإصلاح والإقبال عليه، وتجلب نفعه وتجني ثمرته، هو الاعتصام بالله، والاستمساك بحبله، والالتزام بدينه”واعتصموا بالله”. والدوام على ذلك كله والمواظبة عليه، ومجاهدة النفس عليه، يوصل صاحبه إلى الإخلاص لله عز وجل “وأخلصوا دينهم لله فأولائك مع المومنين”(10).
درجات الإخلاص
الإخلاص ليست له درجة واحدة، بـل الناس يتفاوتون فيه بتفاوتهم في تصحيح العزم عليه،والأخذ بأسبابه وتحصيل موجباته، غير أن لهذه الدرجات المتعددة أصولا ثلاثة، فيها يتنافس المتنافسون، ويتبارى العاملون، وهي :
الدرجة الأولى : قصد وجه الله تعالى: أي أن يعمل العبد متمحضا لإرادة وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، ولا يلتفت إلى شيء آخر، وإن كان مباحا: فهو يجاهد يريد ما عند الله فقط لا يريد غنيمة، فضلا عن المقاصد السيئة كالرياء والسمعة.
وهو يصوم يريد ما عند الله عز وجل، ولا يلتفت إلى ما يجوز الالتفات إليه كتخفيف الوزن، أو تحسين صحة العبد أو الحمية، أو ما إلى ذلك.
وهذه الدرجة لا تتحقق إلا بثلاثة أمور:
” اخراج رؤية العمل عن العمل، والخلاص من طلب العوض على العمل، والنزول عن الرضى بالعمل”(11) وبيان ذلك أن العبد معتاد أن يقع له في عمله ثلاث آفات :
1- رؤية عمله وملاحظته وما يتبع ذلك من إعجاب به واعتزاز واعتداد.
2- طلب العوض عنه والمثوبة عليه.
3- رضاه به وسكونه إليه.
فإذا تجرد العبد من ذلك كله فذلك هو الإخلاص في قيمته العليا التي لا ينالها إلا خاصة الخاصة من الاصفياء والأتقياء وعباد الله المخلصين.
والذي يخلص الانسان من هذه الآفات الثلاث ويجرده عنها:
1- حسن إدراكه لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه إياه {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء}(نور : 21) وأن يعرف ربه ويعرف نفسه ويضع كلا في منزلته، فهذا يخلصه من رؤية عمله.
2- علمه بأنه عبد محض لله عز وجل والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضا ولا أجرة إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه، وإحسان إليه، وإنعام عليه، لا معاوضة. فهذا يخلصه من طلب العوض على عمله.
3- علمه بما يستحقه الله جل جلاله من حقوق العبودية. وحسن تبصره بعيوبه وآفاته وتقصيره في القيام بحق الله، فالعارف لا يرضى بشيء من عمله لربه، ويستحيي من مقابلة الله بعمله.
فهذا يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه.
الدرجة الثانية : الخجل من العمل مع بذل المجهود.
فهذه الدرجة تنزل عن الأولى بكون العبد العامل لم يتجرد عن رؤية عمله تجردا محضا، لكنه يراه غير لائق ولا موجب لرضوان الله، فهو يخجل من نفسه ويستحيي من الله عز وجل أن يتقرب إليه بصغير الأعمال وحقيرها، قال تعالى : {والذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}(المومنون : 60) وقد فسره النبي بأنه: >هو الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه<(12)
الدرجة الثالثة : إرادة نفع الآخرة : أي أن يكون العمل بقصد الفوز بالنعيم والنجاة من الجحيم.
والإخلاص في حده الأدنى واجب على المكلف وهو شرط في قبول الأعمال، بل هو الميزان الذي يعرف به صالح الأعمال من فاسدها، وصحيحيها من باطلها ونافعها من ضارها، ومأجورها من موزورها، ولا يعرف هذا كله إلا الله سبحانه وتعالى، لأن الإخلاص مسألة قلبية ولا يطلع على القلوب إلا هو سبحانه >إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم<(رواه مسلم).
فالإخلاص لله عز وجل مفتاح بابه إصلاح القلب وتطهيره من كل ما يحل به من أدران الآفات وأوساخ العلات، والقلب هو مصدر الصلاح أو الفساد، ومبعث الخير أو الشر ، ومنطلق الاستقامة أو الانحراف والاعوجاج. يصدق ذلك قول النبي : >ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب<(رواه البخاري ومسلم).
فــضــائــلـــه
إذا استوفى الإخلاص حقيقته، واستكمل عناصره، أهل العبد المخلص لنيل رضا ربه وقبول عمله، ومكنه في الدنيا من إدراك حقيقة العبودية لله، وتذوق لذاتها والإحساس بقيمتها، فيعيش يقظا واعيا شاهدا على حياته شاعرا بافتقاره إلى الله، محسا بحاجته إليه سبحانه، تماما كما يشعر ويحس الإنسان عندما تضطره أزمة ما إلى التضرع إلى الله وإخلاص الدعاء له لينقذه منها، قال تعالى : {هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها، جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين}(يونس : 22) وقال أيضا : {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين}(لقمان : 32) فانظر إلى هذا الإنسان كيف يكون في لحظات الشدة والحرج والضراء مضطرا إلى رحمة الله، فهو يتوجه إلى ربه توجها صادقا مخلصا تدينه وعبوديته لله خاشعا خاضعا في دعائه إياه وطلبه النجاة. فالمسلم ينبغي أن يكون دائما مخلصا لله في السراء والضراء.
هذه فضائل الإخلاص على وجه الإجمال، أما على وجه التفصيل فيمكن القول :
1- إن الإخلاص أساس قبول الأعمال: فعمل لا إخلاص فيه كجسد لا روح فيه، فهو بمنزلة الروح من الجسد، وهو عمود العمل وذروة سنامه. قال الفضيل بن عياض رحمه الله. معلقا على قوله تعالى: ” أيكم أحسن عملا” قال: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل. حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله. والصواب أن يكون على السنة. ثم قرأ قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(الكهف : 105). وقال تعالى : {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}(الفرقان :23). وهي الأعمال التي كانت على غير السنة، أو أريد بها غير وجه الله. أي لا إخلاص فيها. وقد أخبرنا رسولنا عن أول الثلاثة الذين تسعر بهم النار: قارئ القرآن، والمجاهد، والمتصدق بماله، الذين فعلوا ذلك ليقال: فلان قارئ، فلان شجاع، فلان متصدق،. ولم تكن أعمالهم خالصة لله.
2- أن العمل بالإخلاص يكثر ويتعاظم: ولو كان العمل قليلا إذا وجد مع الإخلاص فإن العمل يعظم، ويكون رابحا، لأن الله عز وجل ينميه ويبارك فيه، ويجازي عبده المخلص بتكثير فعله حتى أنه ليجد ذلك العمل يوم القيامة فوق ما يحتسب. ولهذا كان بعض السلف يوصي إخوانه بهذا الإخلاص فيقول أحدهم لصاحبه: “أخلص النية في أعمالك يكفك القليل من العمل” وقد قال النبي لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : >إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى : إلا ازددت به خيرا، ودرجة ورفعة< وقد أخبرنا الله عز وجل عن المجاهدين الصادقين المخلصين حيث قال : {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح}(التوبة :120). فأعمال المجاهدين لا يكتب منها ما زاولوه عند مواجهة العدو فقط، وإنما يكتب لهم كل عمل بمجرد الخروج من بيوتهم، بل يكتب للمجاهد إعداده لطعامه وشرابه، ويكتب له نومه، ويكتب له مشيه، ويكتب له كل شيء زاوله وعمله، ولو لم يلق عدوا. كل ذلك يكتب له عند الله عز وجل. وهكذا كل من خرج في طاعة الله عز وجل. ويبين ذلك أيضا قول النبي في حديث أبي ] : >من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه، وروثه ، وبوله في ميزانه يوم القيامة<(رواه البخاري). هذا الفرس إذا ارتوى، وإذا شبع، وإذا أخرج روثا وإذا بال، بل حتى الخطوات التي يخطوها الفرس وهو يجول، تكتب لصاحبه. وذلك كله بسبب إخلاصه لله عز وجل.
3- أن الإخلاص يحقق الطمأنينة والسكينة:
يقول الله عز وجل عن أهل بيعة الرضوان: {لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}(الفتح : 18).
فقد رتب سبحانه وتعالى على علمه بما في القلوب {فعلم ما في قلوبهم}وهو الإخلاص والصدق، وصحة القصد، رتب على هذا العلم سبحانه “فأنزل السكينة عليهم” ومعلوم أن الحكم المترتب على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه فكلما زاد إخلاص العبد، كلما ازدادت هذه الأمور التي تتنزل عليه من طمأنينة القلب وسكينة النفس، وكل ذلك بحسب قصده وإخلاصه {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم}. والتعقيب بالفاء بعد قوله سبحانه : {فعلم ما في قلوبهم} حيث قال : {فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}يدل على أن سبب نزول السكينة عليهم هو علمه ما في قلوبهم من إخلاص. فالإخلاص سبب نزول السكينة في قلوب المؤمنين.
4- أن عمـل المخلص يكون سديدا وحكيما :
قال سفيان بن عيينة رحمه الله :”ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وبصره عيوب الدنيا: داءها ودواءها”
فإذا أخلص العبد لله فإن الله يسدده ويوفقه، ويرشده إلى كل خير، وإذا نزلت الفتن واختلط الحق بالباطل، والتبس ذلك على كثير من الناس، فإن أهل الإخلاص يهديهم ربهم بإيمانهم، ويوفقهم للصواب، ويظهره على أيديهم، وتنطق به ألسنتهم، وإذا كان العبد سيئ القصد تخبط في موضع الفتن، وتمرغ فيه، وصدرت عنها أمور عجيبة مع سعة علمه، وفرط ذكائه إلا أن الذكاء وحده لا ينفع إن لم يكن معه إخلاص، والعلم وحده لا ينقذ إن لم يكن معه إخلاص ولم يكن القلب عامرا بتقوى الله عز وجل وإرادته دون إرادة الدنيا ولذلك تجد كثيرا من الناس إذا وقعت الفتن واشتبكت الأحوال وكثر الخلاف بين الناس تجد أهل الإخلاص يتبينون الحق ولا يبقى ملتبسا عليهم، فالله عز وجل يسددهم، ويهديهم، ويرشدهم،
5- أن المخللص يكفيه الله عز وجل من وجوه عدة :
يقول الله سبحانه وتعالى: {أليس الله بكاف عبده}(الزمر : 36). فقد عبر عز وجل بالعبودية هنا والتي أضافها إلى نفسه، ما قال ” أليس الله بكاف خلقه، أو أليس الله بكاف محمدا، وإنما قال: ” أليس الله بكاف عبده” ليدل ذلك على أن سر الكفاية هو تحقيق العبودية ، وهل يمكن أن تتحقق العبودية بغير الإخلاص لا يمكن ذلك ، لأنه سرها، ولهذا فإن الله عز وجل يكفي العبد كما أخبره، ويجعل له ألوان الكفاية بقدر ما عنده من تحقيق العبودية ، فكلما ازدادت عبودية العبد لله، كلما ازدادت كفاية الله عز وجل، فازدد عبودية يزدك الله عز وجل كفاية وحفظا.ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :”من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله.
ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله : إنما الله يريد منك نيتك وإرادتك، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. والمخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته. ومن شاهد في إخلاصه الإخلاص فإخلاصه يحتاج إلى إخلاص. فالناس لا تعبأ بهم، ولا تلتفت إليهم ولا تتجمل لهم بعملك الصالح، الله يكفيك شأن الناس: “أليس الله بكاف عبده” إنما عليك أن تصلح ما بينك وبين الله جل جلاله.
—————–
1 مفردات الراغب ص:154
2 مدارج السالكين: 1/91.
3 الكليات للكفوي:164
4 نفسه.
5 مدارج السالكين: 2/92
6 المدارج:2/92
7 نفسه:3/83.
8 إحياء علوم الدين:4/368.
9 التحفة العراقية في أعمال القلوب :58.
10- المحجة العدد:47 السنة 26 شوال 1416/16 ممارس 1996.
11- مدارج السالكين:2/92
12- مدارج السالكين :2/95.