مجرد رأي: “ورق الكوتشينا”


… ويستمر الهوان والاستخفاف بهذه الأمة وكل يوم مئات الشهداء تسقط ومئات الأراضي والمنازل تحرق في واضحة النهار أمام الرأي العام العالمي والدولي ومنظمات حقوق الانسان وحتى الحيوان ولا هم يحزنون لما حصل.

تستمر آلة البطش الاسرائيلي في اغتيال المجاهدين الشرفاء الذين يدافعون على أرضهم وعرضهم وعلى مقدسات الأمة نيابة عنها.

بالأمس يُغتال شيخ الشهداء أحمد يا سين وهو على كرسيه المتحرك، ولم تحرك منظما ت حقوق الانسان ساكنا. واليوم خليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. وبالأمس يتوعد شارون بقتل عرفات والمزيد المزيد من القادة الميدانيين لحركات المقاومة. وكيف لا وهو يتأبط وعد “بوش فور” يفعل ما يشاء وقت ما شاء ولا أحد يمنعه أو يردعه، وقد “يئس” من تحرك المنتظمات الدولية والاسلامية والعربية كما يئس الكفار من أصحاب القبور.

فبعد اليوم يبدو أن لا أحد أصبح في منآى عن صواريخ الآباتشي الإسرائيلية… لا في فلسطين فقط وإنما في كافة بلدان العالم. فكل شريف أو صاحب رأي وفكر نظيف سيجد في يوم من الأيام صورته على ورق “الكوتشينا” الاسرائلية هذه المرة. وعلى ذكر”الكوتشينا” فهي تقليعة إسرائيلية منسوخة عن النموذج الأمريكي إبان الغزو الأمني للعراق؛ بمعنى آخر هي “سرقة اسرائيلية” للنموذج الأمريكي دون أداء لحقوق الاختراع والتأليف. خوفي أن كل شرفاء هذه الأمة وحتى غيرها من شرفاء الأمم الحرة سيتم رفع صورهم على “الكوتشينا” ليتم اصطيادهم الواحد تلو الآخر حسب الترتيب الرقمي للأوراق ويومها سيقول كل رقم “ألا إني (كُتْشِنْتُ) يوم (كُتْشِنَ) الرقم اللي قبلي!! وهكذا دواليك حتى يتم اصطياد كل الأرقام لتطلع علينا أوراق “كوتشينا” أخرى وهكذا إلى أن يأذن الله لهذه الأمة أن تستفيق من سباتها العميق وترفض أن “تكتشن” أو تدجن، وما ذلك على الله بعزيز.

إن ما يصيبالأمة هذه الأيام لم يأت اعتباطا أو بين عشية وضحاها، إنما هو نتيجة حتمية لسنوات التبعية والقهر والتخلف والابتعاد عن القيم السامية التي ضمنت لهذه الأمة العزة والقوة والمناعة لعصور طويلة من الزمن؛ بنت وأسست حضارات ونشرت علوما وثقافات في العديد من دول العالم وما تزال آثارها العمرانية والثقافية مائلة للعيان ليومنا هذا رغم التعتيم والتدمير الممنهج لطمسها ومحوها من الذاكرة.

إن ما يقع للأمة من ظلم وهوان على الناس وذلة ومسغبة هو أيضا نتيجة حتمية لسنوات طويلة تضرب في عمق التاريخ من الكبت والقهر وتكميم الأفواه وتكسير الأقلام والعظام.

فلم يكن أمام العلماء الأفذاذ وأصحاب الفكر الحر النير إلا أبواب السجون والمعتقلات مفتوحة على الدوام، أو المنافي والموت البطيء عن طريق الإهمال والتهميش الممنهج. فحيل بين الأمة وعلمائها الشرفاء، وطغى السطحَ أشباهُ العلماء وأنصاف المثقفين، فضلُّوا وأظلوا، فصاروا يحرفون الكلم عن مواضعه ويلوون أعناق الآيات والأحاديث إرضاءًا لأولياء نِعَمِهم في الداخل والخارج على السواء وبَعدت الشقة بينهم وبين إحياء هذه الأمة إلا من المنافقين والأفاكين وصيادي الفرص والانتهازيين. فكثر في الأمة فقه النفاق والمداهنة والانبطاح أمام كل شاردة وواردة وكل فكر مأفون يحارب الفضيلة وثوابت الأمة ويعمل على هدم أساسها وتجفيف منابعها. فانحل جسم الأمة وتفكك وغزته الأوبئة والأمراض المستعصية حضاريا وسياسيا واجتماعيا، تماما كما تحتل الفيروسات الخبيثة أي جسم مريض ماتت فيه المناعة المكتسبة. فالأمة الآن تعاني من مرض فقدان المناعة الحضارية المكتسبة. ولهذا فلا غرو أن تصبح فريسة لكل طامع ووليمة لكل جائع. تتهاوى عليها الأمم كما تتهاوى الأكلة على قصعتها.

ولا كاشف لهذا الضعف والهوان في جسم الأمة إلا الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>