توسمات جارحة: هل من سبيل إلى انحسار ثقافة الوهن؟؟


كان للفكر والثقافة قبل هذه الفترة تأثير إيجابي واضح على الأمة وتوجهاتها، لكن أتى على الأمة حين من الدهر انغمست في الانحطاط واجترار مفاهيم لا تواكب التغيرات التي تحدث من حولها, فاعتلى الموجة ثلة ممن يملكون القدرة على الاستهانة بعقول الأمة وبمصادر وجودها حاولت تحويل مسارها من محاولات الخروج من الوضعية المتخلفة إلى وضعية أخرى زادتها تبعية واجترارا لمفاهيم مجتثة الجذور بقيمها وثوابتها، فسقطت الأمة في مستنقعات أكثر لُـزُوجَة حارت في كيفية الخروج منها . ووجدنا فيها من يرفض جملة وتفصيلا كل ما يُقدم فيها من فكر وثقافة أيا كان مصدرها فيعيش في مهب الريح ناقما متمردا يسيئ إلى نفسه ومجتمعه، ووجدنا من يزداد افتتانا بما نمتصه لحظة بلحظة من قيم وفكر وثقافة أصابها الوهن حتى النخاع فأصبح وأمسى داعية بامتياز إلى كل ما يزيد الأمة هوانا وذلة. ووجدنا طاقات عديدة خاملة عاجزة عن الحركة مقيدة بأساور غليظة من الاتكالية والغثائية والانفلات من المسؤولية تُعتبر مجرد أرقام تساعد على التهميش وتثبيت معاول الهدم لكل ما تبقى من مساحة ثقافة البناء واسترجاع الفاعلية .فكيف السبيل إلى تصحيح المسار وتجديد البناء وإحياء مقومات الأمة؟؟..

قد يقال إن إجابات كثيرة حاولت ذلك لكننا ما زلنا لا نبرح مكاننا في قاع الركب الحضاري بل نزداد سقوطا ولا فائدة من كل هذا .. وهي مقولات منغمسة في ثقافة الوهن بأشكالها المختلفة والمتلونة، متناسية أن هناك قاعدة أساسية في قرآننا تدل على أن النتائج وتحقيق ما ندعو إليه أمره إلى الله عز وجل : {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}(القصص :56)، أما غير ذلك فإنه يجب أن يدخل في مجال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :”لا تحقرن من المعروف شيئا ولو تلقى أخاك بوجه طليق”(صحيح مسلم)أي السعي في طرق أبواب التجديد والإحياء {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} دون كلل أو ملل لأن الثمار يلزمها ما شاء الله لها من وقت لتنضج، وأنه لابد من امتداد للتثبيت مصداقا لقوله تعالى : {ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك همُ المفلحون}(آل عمران :104) . من هنا كانت الدعوة بكل الوسائل المتاحة لإخراج الأمة مما هي فيه من غلو وتطرف ووهن وتحلل أمانة في عنق كل مخلص واع بأن القرآن الكريم لم يأت بعزل الدين عن الدنيا، ويرفض حصره في شعائر آلية تُؤدى كيفما كان لأن هذه الشعائر العبادية نفسها التي فرضها على المؤمنين به ترتبط بالحياة اليومية وتنظم حياتهم وفق مقاصدها وتعالج قضاياهم على ضوء قيمها، كما أنها أمانة في عنق كل متفائل يؤمن أن الأمة ما تزال تتمتع بقربها من فطرتها القائمة على الإسلام، وأنها متعطشة للخروج من السقوط الحضاري و الشعور بالدونية ومن دائرة الانشغال بقضايا هامشية مفروضة لاتستجيب سوى لحصر التفكير في مجالات ضيقة . إن الطريق طويل وشاق، لكنه ممتع لأنه يفضي إلى الله .قد يشعر الإنسان في هذا الطريق بالغربة، لكنه يعي جيدا أنه يحمل رسالة متميزة على مستوى المفاهيم و القيم، وما عليه سوى الحرص على تبليغها بالقدوة الحسنة من نفسه، و بالمتابعة والتأصيل والإصلاح والتحسين، والتذكير المستمر بقيمة ربانية في المنهج القرآني تقرر بأن الأمم لا تندثر  بالقصور المادي أو العمراني وإنما بالقصور القيمي والذاتي، وأي هزيمة لن تأتي أكلها إلا إذا وقع الانهزام من الداخل، من مثل الهزيمة التي وقع فيها المسلمون في أحد رغم كونهم يحملون الدعوة الصادقة والإيمان بأنهم جند الله {قل هو من عند أنفسكم}(آل عمران :165) .وهذا يشبه إلى حد كبير ما هو حاصل لنا في وقتنا . كذلك هناك نقطة أساسية قلما يلتفت إليها السائرون في الطريق وهي التوعية بالتحديات التي تُبعد المسلم عن الاستجابة للمسار الصحيح، من مثل فقه الواقع الذي يفرض مثلا على سواد الأمة كسب قوتها بطرق ملتوية ومحرمة لأنها لا تجد أمامها غير ذلك، الأمر الذي يضع الخطاب الديني في واد وواقع الناس في واد آخر . وهي وضعية تضع المسلم في حالة مد وجزر دائم مع مبادئه وفطرته وما يُفرض عليه، الأمر الذي يمهد لثقافة الوهن أن تمد جذورها وتعشعش في العقول والوجدان .

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>