< إلغاء بسم الله من المراسلات والإسلام من التشريعات
< الاسلام مصدر تشريعي لكنه يُنسخ عند تعارضه مع المصادر العلمانية
< كل الأعمال و الجلسات الرسمية و المؤتمرات و الندوات يجب أن تفتح باسم الحرية والديمقراطية و الشعب ومبادئ الدولة العليا وليس باسم الله أو الآيات القرآنية
شهدت الآونة الأخيرة تصعيدا أمريكيا واضحا في اتجاه فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير على المنطقة العربية. وفي هذا الصدد تقدم نحو 30 عضوا بالكونجرس الأمريكي باقتراحات تقضي بإعداد دستور أو قانون أساسي أمريكي، تلتزم به البلاد العربية كأساس نهائي للإصلاح والتطوير.. وتقترح مذكرة أعضاء الكونجرس التي نقلت إلى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية أن يتم منح الدول العربية مهلة لا تتجاوز الستة أشهر فقط لتعديل دساتيرها القائمة حاليا.
ومن ضمن المسائل المهمة التي أكدتها مذكرة الكونجرس “الاعتراف بالخصائص الجغرافية في كل دولة، وبما يؤدي إلى منح استقلال ذاتي محدود لبعض الطوائف أو الأقليات في إدارة شؤونها الداخلية، أو في تمثيلها لدى الحكومة، أو في تعاونها أو اتصالاتها مع الجهات الخارجية”.
كذلك اقترحت مذكرة أعضاء الكونجرس أن تأخذ الدول العربية جميعها بمبدأ مشترك وهو “أن الإسلام مصدر من مصادر التشريع، دون تعارضه مع كافة المصادر التاريخية الأخرى أو المنتشرة في قوى العالم المتمدن، أو مصادر غير تقليدية”.
ووفق المذكرة الأمريكية، فإن الإسلام لا يجب الاعتراف به في خطة الإصلاح القادمة كمصدر للتشريع، أو من مدلول حكم، أو نهج سياسي، إلا في الشكل الذي لا تتعارض فيه مبادئه مع جميع أنواع المصادر الأخرى العلمانية والعلمية معا، وأنه في حال التعارض فإن الغلبة تكون للمصادر الأخيرة. ويتم تقزيم المبادئ الإسلامية لأن تكون نهجا دينيا فقط. وحتى في الحالة الأخيرة فإن الرقابة على الإسلام كمنهج ديني ستتطابق مع حذف كل المبادئ والأفكار التي تحض على “التطرف والعنف”، أو التي تسبب المزيد من التوتر بفعل أحداث “إرهابية”.
وتؤكد مذكرة الكونجرس أن كافة أنواع الشعارات الدينية أو بعض الرموز أو الأعمال الافتتاحية التي تتم باسم الدين يجب أن تختفي من مظاهر ممارسة السلطة، لأن فكرة الدين تنبع أساسا من اقتناع داخلي. وأن هذا الاقتناع يجب أن يكون في داخل كل فرد، وأن الأفراد ليسوا ملزمين بالإفصاح عنه بين الحين والآخر، وأن كل الأعمال الرسمية الافتتاحية أو الجلسات الرسمية، أو المؤتمرات أو الندوات، أو كل ما يأخذ نطاق العمل الحكومي والبرلماني والقضائي والعسكري وغيره يجب أن تفتتح باسم الحرية والديمقراطية والشعب ومبادئ الدولة العليا ـ ووفق هذا النموذج، فإنه لا يجوز مثلا افتتاح جلسات مجلس الشعب بالآية القرآنيةالتي تقول : {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} أو أن يبدأ رئيس الجمهورية خطابه أو ينهيه بآية قرآنية. بل إن “بسم الله الرحمان الرحيم” تعد رمزا دينيا كما ورد في المذكرة الأمريكية، وعلى هذا الأساس يجب إلغاء استخدامها، وأن يتم استبدالها “باسم الشعب، وباسم الديمقراطية والحرية” وغير ذلك من المعاني الدينية.
وتشير مذكرة الكونجرس إلى أن إحدى الآفات الكبرى المنتشرة في الدول العربية هي تسييس الدين، وتديين السياسة، وأن ذلك يعني أن الحكام في هذه المنطقة يبررون العديد من إجراءاتهم وأفعالهم السياسية من أجل اكتساب الشرعية، وأن هذا هو الذي أدى إلى انتشار العنف والإرهاب في هذه المنطقة، والذي ألقى بظلاله الكثيفة على الأمن العالمي، فالأحداث “الإرهابية” في فلسطين، تم تديينها للشباب بأنها مصدر السعادة الأخروية “الاستشهاد” والديكتاتورية وعدم نشر الديمقراطية تم تديينهابطاعة الحاكم، باعتباره وليا للأمر بالخير والنهي عن كل شر. إن مثل هذه المبادئ تعوق بالفعل عمليات الإصلاح الديمقراطي، وتعتقد أن السعودية من أكثر دول المنطقة التي يجب أن تبدي اهتماما بهذه الناحية تحديدا، لأن إطار الفصل الكامل بين ما هو ديني وذي محتوى إسلامي، وبين ما هو سياسي وذي محتوى لحكم الشعوب، هو المنطلق الطبيعي لحريات الرأي والفكر، وأن الحكام السعوديين يجب أن يفصلوا بين كون دولتهم تحتضن الأماكن المقدسة لدى المسلمين، وبين كونهم حكاما يحكمون عددا كبيرا من المواطنين العاديين الذين ليست لديهم أية عواطف تجاه هذه الأماكن المقدسة، وبالشكل الذي يجعلهم يفقدون حريتهم وحياتهم لصالح “مشروع أخروي”.
وبحسب المذكرة فإن أحد الاقتراحات المهمة لدعم الدساتير العربية هو أن يتضمن التأكيد على حرية الأفراد في العقيدة والممارسة الدينية التي يجب أن تكون بعيدة عن أي تدخل سياسي أو حكومي.
ومن ضمن الأفكار الأمريكية المقترحة في مذكرة الكونجرس أن يتضمن الدستور المقترح بابا خاصا عن الحريات، بحيث يكون شاملا لعدد كبير من الحريات الأساسية الواردة في الدستور الأمريكي، وأن هذا النموذج الأمريكي سوف يتم وضع آليات عملية لتنفيذه في القوانين المختلفة، وأن هناك حداً أدنى من الحريات يجب تضمينها في كل هذه الدساتير. من بينها :
- حرية الفكر والتعبير البناء “لاحظ أن مذكرة الكونجرس أضافت التعبير البناء، ولم تطلق اللفظ على عمومه.
ووفق المعلومات فإن المقصود من وراء ذلك هو تقييد نسبي لحرية الصحافة في حال ما إذا تهجمت على السياسة الأمريكية، أو عملت على الإساءة للعلاقات الأمريكية- العربية، من وجهة النظر الأمريكية.. كما أن لفظة التعبير البناء تتضمن أن تكون الحرية مكفولة في الإطار الذي يحقق مصلحة الدولة العليا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو الدول الصديقة.. بل إن هذه اللفظة تحديدا -وبحسب المعلومات- قد تتيح للجانب الأمريكي إغلاق بعض الصحف أو تسخيرها لأغراض معينة في حال لم تلتزم بالتعبير البناء بدعوى أن تعبيراتها هدامة وغير محققة لأغراض البناء اللازمة. وعلى الرغم من ذلك فقد أضافت المذكرة في موضع آخر تعبيرا آخر للحرية، وهو “حرية الكلمة والأفعال السلمية” دون توضيح للمقصود بكلمة “الأفعال السلمية” وما هو المعنى الذي تقصده من إضافة الأفعال السلمية إلى حرية الكلمة.
وإلى الحد الذي يجعل مفهوم الديمقراطية متوافقا فقط مع وجهة النظر الأمريكية وبالإطار الذي يحقق المصلحة الأمريكية فقط.
إلا أن الجميع يدرك أن الشعارات البراقة التي ترفعها واشنطن تخفي وراءها نيات شريرة. وعلى من يتشكك أن يراقب السياسة الأمريكية على صعيد التطبيق العملي، سواء في العراق أو فلسطين أو غيرها، دون الوقوف فقط عند منطلقاتها النظرية الجوفاء.
الأسبوع المصرية
15 مارس 2004 بتصرف