المتابع لخفايا السياسة الفرنسية وتدرج سياستها الخارجية من الرمادي الفاتح إلى الأسود الباهت ثم الأسود الغامق مؤخرا في تعاطيها مع المسلمين بخصوص قضية الحجاب تحديدا، سيلفت انتباهه ذلك الجفاء العلني الذي طبع السياسة الفرنسية الإسرائيلية في البداية حين تعرض شيراك بالأراضي المحتلة لاعتداء جسماني وإن كان جد طفيف، ثم وهوبالديار الفرنسية حيث عادت موجة النقد والعداء لتواجهه، وأطلق اليهود الفرنسيون آنذاك قولتهم التهديدية الشهيرة ضد الرئيس الفرنسي عبر الصحف والتي كانت كالتالي :
” souviendrons nous nous ” أي ما معناه سنتذكر ولن ننسى مواقفك يا شيراك.. وبالموازاة عرفت فرنسا سلسلة هجمات على الطائفة اليهودية في الوقت الذي كان فيه شيراك يرابط في خانة الرفض القاطع للسياسة الأمريكية بالعراق، الشيء الذي لم يكن ليرضي اللوبي الصهيوني وهوالقاعدة الخلفية لهذا الاحتلال، والمهيمن على مواقع القرار الغربي الرسمي . وتصرمت الأيام.. وكما يقول التعبير الفرنسي، جرى منذ ذلك الوقت ماء كثير تحت الجسر، واستيقظنا ذات غفلة على اللوبي الصهيوني وقد نفد تهديده بأسلوب ديبلوماسي ذكي طبعه الغزل المكثف للساسة والشعب الفرنسي بمختلف أطيافهم، وتغير موقف السيد الرئيس تجاه القطب العربي، والإسلامي خاصة، حيث تدنى إلى درجات برودة قياسية بحظر الحجاب على المسلمات الفرنسيات، هذا الحجاب الذي تعمد الرئيس مقارنته برموز لم تعد لها إلا صلة فلكلورية واستعراضية بالفكر الديني اليهودي والمسيحي .. وشيراك هوومن يقفون وراء هذا القرار، يعرفون جيدا وبكل تأكيد خطورته على نفسية المسلمات أساسا والمسلمين بالدرجة الثانية بديار الغرب، هؤلاء المسلمين الذين ألفوا أن لا يروا من أخواتهم إلا الوجه والكفين، وسيرونهن الآن كاسيات عاريات، وفي ذلك ضرب مؤلم لكرامتهم من منطلق أن عليهم أن يعاينوا أخواتهن المتكشفات، ولا يملكون إلا طأطأة الرأس المصحوبة بوخز الضمير المتكتم، لقعودهم عن نصرة أخواتهن .. ولعمري تلك إحدى الرهانات الاستعمارية للنظام الإمبريالي الجديد كيفما كانت مواقعه وتكتيكات تعاطيه مع المسلمين، والمتمثلة في الضرب على وتر النفس العربية المكالة إلى الإذلال بما يكفي، لإشعارها بالمزيد من الإحباط والإهانة، وردعها بالتالي عن الجهاد ومدافعة المحتل، في الوقت الذي حصنها سبحانه وتعالى من هذا الشعور بقوله {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ..}.
نعم، إن أكبر اشتغالات المحتل الآن هي استهداف هذه النفسيات لبث الحزن والهوان فيها بغية دفعها إلى الركون إلى مركبات ضعفها في أفق استعمارها التام بكل طمأنينة . وقد حاول الاحتلال الأمريكي أن يشتغل على هذه الوصفة الشيطانية بالعراق من خلال إذلال رئيس عربي، وهويعرضه بذلك الأسلوب الاحتقاري لكسر ما تبقى في نفوس الشعب العراقي والأمة الإسلامية من عزة وكبرياء، فما زاد هذا الاستفزاز الشعب العراقي، إلا توهجا وشدة على الكافرين ..
إذن وعَوْدًا على بدء، فلهم استراتيجياتهم وحساباتهم ولنا حساباتنا . لهم الدنيا الأهون على الله سبحانه من جناح بعوضة بأطماعها المستهدفة للشعوب وثرواتها، ولنا الدنيا الرسالية والآخرة المجازية، وبالتالي فإن حساباتنا تستلزم منا اليقظة لهذا الحطب بليل دامس، والذي يضع ضمن استراتيجياته الكبرى، المرأة المسلمة كأحد أنجع المعابر لاستعباد المسلمين،ولن تكون لهذه الاستراتيجيات من فعالية إلا بتعرية المرأة المسلمة وجعلها قربانا سائغا للإفساد للقضاء على أهم بناء في كيان الأسرة قبل الإجهاز على ا لأسرة بالضرورة وعلى الأمة جمعاء ..
رب غافل قد يعد ما ذكرنا، مجرد هذيان، حسنا فبماذا نفسر اعتبار الحجاب بمثابة عمل عدواني من طرف رجل سياسة نبـيـه كالرئيس شيراك، وهويعرف حتما حكمة تشريع الحجاب، فله باحثون ومنقبوه الذين زودوه بإحصائيات عن نسبة الجنوح النسائي المتزايد، وكذا تنامي موجة العنف الموجه ضد المرأة داخل المجتمع الفرنسي، وهي مظاهر عدوانية ضد نساء عدوانيات هن الأخريات إذ اخترن الولوج إلى الفضاء العام عبر بوابة الجسد المسلع بتجميل تضاريسه للعيون الدوابية، ولا تدخل ضمن هذه الفلسفة المادية وتبعاتها فئة المتحجبات بكل تأكيد، وبالتالي فالأصوب ربط معركة الحجاب بخـفاياها السياسية الكبرى والحقيقية التي يمكن إدراجها تحت يافطة الحرب على الإسلام الرسالي الذي يدرك أبعاد الحملات الصليبية، والصهيونية من ورائها على المسلمين والمسلمات، وله الحل الأمثل لدحرها، فوجب خنقه في بداياته..
ومع ذلك فهل نحن بحجم مخاوفهم وتخطيطاتهم بالنظر إلى الغثائية المتفاقمة التي غدت تميز أجيال الأمة في الوقت الحاضر والتي من أبرز سماتها، التهالك المتطرف على أسباب اللهووالمجون والمكاسب المادية المؤلِّـهة للذات، ولنا في حمى كرة القدم في العالم العربي كل العضات والعبر ..وإن دل الصخب الذي يرافقها على شيء فإنما يدل على محدودية التواجد المؤثر للنساء الرساليات، وبالمحصلة ضعف الزاد الإيماني في نفوس شباب اليوم ، ولا سبيل لتربية الجيل المجاهد واستغلال هذه الشحنات العظيمة الدفق التي تهدر بملاعب كرة القدم فحسب، ولا طريق لإدراك طبيعة هذا التهديد السالف الذكر لكيان الأمة -عوض استشعاره من خلال انهزام في مباراة لكرة القدم !!.. إلا من خلال نساء استشهاديات، لا داخل معاقل الأعداء بل في بيوتهن، استشهاديات بالمفهوم الذي لا يجعلهن رهينات معارك وهمية مع أزواجهن أوزملائهن أومديريهن في العمل، باسم المساواة أوالكرامة أوالحقوق على الإيقاع الغربي الفرداني، بل استشهاديات بمفهوم نساء السلف الصالح من المؤمنات القانتات والصابرات الودودات، المؤثرات على حقوقهن ورغائبهن في التمكين الذاتي، رغائب الأسرة والأمة وطاعة الله سبحانه قبل كل شيء ونيل رضاه وسلعتـه الغالية : الجنة.
نساء من الطينة النادرة التي ربت جيل الاستشهاديين الأوائل الذين أهدونا خرائط بملايين الكيلومترات المحررة من الجاهليات المتعددة ويتنازل عنها الآن بكل سخاء أبناء الأجيال الجديدة، لا من أجل كأس وسيجارة وغانية كما بالأمس بل وأيضا من أجل كرة جلدية من هواء تذر على نجومها ملايين الدولارات والكثير من أسباب التخدير للشعوب..
وفي الأخير، هل تعـي النساء المسلمات أبعاد هذا الإحتناك الإمبريالي الذي يتجه إلى ضرب مقدساتنا وعلى رأسها النص المؤطِّر للحجاب وغيره من الأحكام الإلهية أي القرآن الكريم ؟؟ ..وللتدليل على قولي أختم بهذه الكلمات الواسعة المعاني، وهي لأحد أكبر منظري الاستعمار الليبرالي،صاحب مقولة نهاية التاريخ، الياباني الأصل “فرانسيس فوكوياما” الذي قال بخصوص المعركة الدائرة حول الحجاب بفرنسا : “إن من الممكن أن يؤدي منع الحجاب إلى نتائج سلبية!!!! تتمثل في دفع الفتيات المسلمات إلى التخلي عن النظام التعليمي الفرنسي، وولوج المدارس القرآنية “!!!! . ونقول نحن تعقيبا، إذا ظهر المعنى فلا فائدة في التكرار، وكل سنة هجرية جديدة ونحن بمزيد من اليقضة لأجل استرجاع العزة الإسلامية السليبة .