من المؤكد أن عصور التخلف التي مرت بها الأمة الاسلامية قد خلفت مجموعة من السلبيات في مختلف مجالات الحياة، وانعكست أنواع من السلوك الخاطئ على الأسرة التي هي نواة المجتمع، وتحملت المرأة قدراً كبيراً من المعاناة التي أثقلت كاهلها، وحجبتها عن ممارسة دورها الطبيعي كاملا في الحياة، ولا شك أن طغيان النزعة الذكورية كما يقال قد أضاع كثيراً من حقوق المرأة، وربما ضاعت حقوق الأبناء أيضا.
غير أن هذا الواقع ليس مرجعه إلى الاسلام، بل إلى سلوك المسلمين في واقعهم، وإلا فإن الاسلام قد كرم المرأة وحدد جميع حقوقها، ولم يميز بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، بحسب طبيعة كل منهما وخصوصياته، وهي طبيعة تؤدي إلى التكامل لا إلى التعارض، وبعيداً عن التطرف في النزعة الذكورية كما يقال، وما ترتب عنه من رد فعل في بروز النزعة النسوية، ينبغي النظر إلى وضع المرأة ودورها في الحياة، باعتبارها أما، وزوجاً، وبنتاً، وأختا، وكل ذلك يوجب تكريمها بما كرمها به ديننا الحنيف، وذلك خلافاً لما تعانيه المرأة في المجتمع الغربي حيث غدت سلعة وأداة للاستغلال البشع، فأتت الاباحية الناتجة عن الاختلاط والتحرش وفقدان القيم على عفة المرأة وكرامتها، وهي تعتقد بذلك أنها متحررة وُمَمارِسَة لدورها كما تريده، والفرق شاسع بين قيام المرأة بدورها في الحياة، واندماجها في المجتمع، وارتقائها في السلم الاجتماعي، بما حصلته من ثقافة لا تختلف عما حصله أخوها الرجل، مع احتفاظها بكرامتها وإنسانيتها، وبين أن تقوم بأدوار يراد منها أن تؤديها فتدفع إلى ذلك دفعا بمختلف الوسائل والإغراءات، ونتج عن ذلك تقهقر في العلاقات الأسرية، وشيوع الإباحية، وظهور سماسرة اغتنوا على حسابها، وانتشار ظاهرة الأمهات العازبات، بما يصاحب ذلك من توتر نفسي وعقد اجتماعية، وتيه وضياع، وما إلى ذلك من المشاكل التي لا تظهر خطورتها وانعكاساتها السلبية إلا مع التقدم في السن، وتفاحل المشاكل وتفاقم الأمراض القاتلة التي يعرفها الجميع.
وإذا كانت قيم الغرب تتقبل مثل ذلك، أو كانت تتقبله إلى حين، فإن قيمنا تتعارض مع معظم تلك القيم، فلماذا لا نأخذ منهم إلا ما يتوافق وقيمنا التي نعتز بها، لأنها نابعة من ديننا القويم، وتتناسب والفطرة الإنسانية، وتتوافق والعقل السليم، ولأنها تتوخى الوقاية ودرء المفاسد، وترتكز إلى أخلاق العفة والمروءة فتقي الفرد والجماعة من الأمراض النفسية والجسدية، وتحمي الأسرة من التمزق والتشرد، وتزرع الود والسكينة بين الأفراد والجماعات، في البيت، والمدرسة، والإدارة، والمجتمع.
لقد وقعت كثير من النساء في شباك الغواية التي يتفنن من لا ضمائر لهم من الرجال وحتى من النساء في تحسينها وإذاعتها في المجتمع بمختلف الوسائل، وهو ما ينبغي على من يهمهم الأمر التصديله ولفضحه وكشف خلفياته وأهدافه صيانة لكرامة المرأة، وفي ذلك صيانة كرامة الرجل والأبناء أيضا، وعودة إلى العفة المفقودة، وذلك ما أصبح المجتمع الإنساني يبحث عنه في الشرق وحتى في الغرب، فقد أخذ الباحثون المتخصصون في علم الاجتماع، والفاعلون في المجتمع المدني يحلمون بالرجوع إلى عصر العفة، وبدأ الوعي بأبعاد القضية يعم حتى في بعض المنظمات العالمية، ومن نماذج ذلك على سبيل المثال ما تضمنه التقرير الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية مؤخراً حول داء نقص المناعة، اعتماداً على ما قام به عدد من علماء النفس وعلماء الاجتماع من جهود في معاينة أنشطة مجموعة من الجمعيات المدنية في مدينة إفريقية، تحمل شعار العفة ومحاربة الانفلات الجنسي وانعكاساته الوخيمة في مختلف مجالات الحياة على الأفراد والجماعات، وتصحيح التصور عن الجنس وتحريره من النظرة البهيمية، والسمو به في الإطار المشروع إلى المشاعر الإنسانية النبيلة وقيمها الروحية السامية التي تستمد طبيعتها من سر الوجود والهدف من الخلق كالأمومة واستمرار الحياة، وقد لاحظ التقرير المشار إليه انحساراً ملحوظاً في داء السيدا في هذا الوسط الذي عم فيه الوعي بالقضية، واختار التمسك بأخلاق العفة. ولا شك أن نبذ التعصب والتطرف، والتخلي عن نزعة الاتباع في كل شيء، والتسلح بالوعي السليم، ومراجعة نظام الأسرة وحقوق أبنائها وواجباتهم كما حددها الإسلام، سيجعلنا في غنى عن كل تشنج أو موقف مفتعل ومشكل مصطنع، وسيجعلنا نحمي أنفسنا ذكوراً وإناثاً، لأن كرامة المرأة من كرامة الرجل، وفي كرامتهما صيانة للأبناء، وخدمة للمجتمع، وارتقاء بالدولة.
ألا إن المرأة كنز، فهل نعرف كيف نُعد هذا الكنز ونهيئه ثم نصونه ونحافظ على قيمته، مصداقاً للحديث النبوي الشريف، فحين نزل قوله تعالى : {والذين يكنزون الذهب والفضة… }الآية قال أصحاب رسول الله : نزل اليوم في الكنز ما نزل، فقال أبو بكر الصديق ] : يا رسول الله، ماذا نكنز اليوم؟ قال : >لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة صالحة تُعين أحدكم على إيمانه<.