قال تعالى : {قالوا إنا كنا قبلُ في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} (الطور: 26-28)
النجاة من عذاب الله، والفوز بجنته ورضوانه أسمى ما يبتغيه المسلم، وأقصى ما يرتجيه المؤمن، ولذلك أبواب مشرعة، ومسالك متنوعة، تجمعها الطاعة المطلقة لله تعالى ولرسوله الذي قال : “كلكم يدخل الجنة إلا من أبى” قالوا : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال : “من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى” وفي التنزيل {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}، وإذا كانت أبواب الطاعة، ومسالك العبادة متعددة ومتنوعة فإن من أهم مظاهرها التي تدل عليها وتؤدي إليها أربعة :
> أولها : الخوف من الله، والخوف من الله ركيزة المعرفة، وسمة العارفين. إنه لا يخاف الله تعالى إلا الصالحون، ولا يخشاه إلا الفائزون أولئك الذين {يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه} وأولئك الذين {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله} ذلك أن خوفهم منه يحملهم على السير القويم في الصراط المستقيم {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} ولقد أثنى سبحانه على هذا الصنف من الناس فقال {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون، والذين هم بآيات ربهم يومنون، والذين هم بربهم لا يشركون، والذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجِلَةٌ أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المومنون : 61-57).
>وثانيها : الدعاء. والدعاء مخ العبادة، ورأس الطاعة، ولذلك حض القرآن الكريم كما هو الحال في سنة النبي الكريم على الدعاء، قال تعالى {أدعوا ربكم تضرعا وخُفية إنه لا يحب المعتدين} {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وعن أنس ] قال : قال رسول الله : “لا تعجزوا في الدعاء، فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد” (صححه ابن حبان والحاكم) وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : “الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين، ونور السماوات والأرض} (صححه الحاكم).
ثم إن الله تعالى جمع بين الدعاء والخوف في غير ما آية من كتابه، من ذلك قوله تعالى : {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون{ وقوله سبحانه {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}.
> وثالثها أن يكون الدعاء بأسماء الله الحسنى، قال تعالى:{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون} فإن من أحصى هذه الأسماء، وعمل بمقتضاها، وكان من مدلولاتها على بصيرة، وأيقن بمعانيها أيما إيقان كان من أهل الجنة، فقد قال : “إن لله تسعة وتسعين إسما من حفظها ـ وفي رواية من أحصاها ـ دخل الجنة”.
> ورابعها أن الفضل كله لله، بما في ذلك النجاة من العذاب والفوز بالرضوان و بما في ذلك الهداية والإيمان.قال تعالى : {يمنون عليك أن أسملوا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين} وبما في ذلك بعث الرسل وإنزال الكتب {لقد من الله على المومنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.
هذه الحقائق الأربعة هي التي كانت سببا في نجاة ثلة من الصالحين من عذاب الله، وفوزهم برضوانه سبحانه، وذلك قوله عز وجل {قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين} خائفين وجلين، وهذه الأولى، وأما الثانية فهي قوله تعالى حكاية عنهم {إنا كنا من قبل ندعوه} متضرعين متذللين خاشعين باكين، وأما الثالثة فهي ما كانوا يعرفونه من أسمائه الحسنى وصفاته العلى {إنه هو الرحيم} وأما الحقيقة الرابعة، فهي أن النجاة من العذاب والفوز بالرضوان محض فضل من الله سبحانه {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} وهذه {ووقانا عذاب السموم} كانت النتيجة المرجوة، والعاقبة المبتغاة.
ولعل ذلك ما رأته أسماء رضي الله عنها بقلبها وبصيرتها فكان لها هذا الموقف : عن عبد الوهاب بن يحيى بن حمزة عن أبيه عن جده قال : افتتحت أسماء ابنة أبي بكر سورة والطور” فلما انتهت إلى قوله تعالى {فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم} ذهبت إلى السوق في حاجة ثم رجعت وهي تكررها {ووقانا عذاب السموم} قال : وهي في الصلاة” (1)
فاللهم قنا عذ اب السموم بفضلك، وأدخلنا الجنة برحمتك. آمين
…………………………
1- فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 69