لا يعاب على فرنسا أن تكون نصرانية فذاك اختيار شعبها منذ قرون ، وقد تَشبَّثت بهذا الدين وبالنحلة الكاثوليكية وسالت أودية دموية في سبيلها بل هي التي تزعمت الحملة الصليبية الأولى انطلاقا من مدينة كليرموفيران عاصمة الصليبية في العالم ، وعندما انطلقت حملاتها العسكرية لاستعمار الأرض كان ذلك مرتبطا بالتنصير والفرنسة، لذلك كانت إقامة الكنائس أسر وأقوى وأظرز من تشييد المدارس التي تخدم الدعوة التنصيرية .بل حولت بعض المساجد إلى كنائس مثل جامع ” كتشاوة” بالجزائر ولم تكن تلك المدارس لتخريج الأطر والكفاءات العلمية والصناعية والأدبية وإنما كان التركيز على التكوين ” الإندنجين ” الأهلي ليكونوا موظفين في الإدارة الفرنسية : كُتابا وتراجمة وغير ذلك مما يخدم مقاصد الاستعمار واستمراره ، وقد نجح التنصير في إفريقيا السمراء نجاحا كبيرا إلى درجة أنه جعل من بعض الأقطار الإفريقية عاصمة النصرانية الكاثوليكية في إفريقيا السوداء مثل ساحل العاج المقتطع من نيجيريا حيث بُنيت أكبر كنيسة في إفريقيا إبان حكم هوفيت بواني الهالك ، ولا ينسى المغرب بعد انتهاء الجهاد الريفي الجبلي أوائل سنة 1927 استصدار ” الظهير البربري ” ( المرسوم ) لفصل القبائل البربرية الأطلسية عن المغرب وعن الشريعة الإسلامية وجعلها تحتكم إلى الأعراف والعادات كالزواج بأكثر من أربعة قد تصل إلى أربعين ، وبالرغم من أن إسبانيا كانت من أشد الدول نصرانية وكاثوليكية لم تُقدم على ما أقدمت عليه فرنسا كما لا ينسى المغرب تنصير شاب من أسرة كريمة عريقة وذات مكانة في المجتمع الفاسي وفي العمل الوطني وهو محمد بن عبد الجليل الذي وصل إلى أعلى مقام في السلك الكنسي ، وكان أحق بالبابوية من غيره إلا أنهم كانوا يشكون فيه ، ولعله مات مسلما كما أخبرني بذلك بعض أقاربه.
ورحم الله مالك بن نبي الذي كثيرا ما كان يقول : إن فرنسا علمانية متعددة التيارات وفيها كثير من الملحدين والشيوعيين والمتمردين على الكنيسة ، ولكن إذا ما توجهوا جميعا نحو الإسلام والمسلمين سرعان ما يتحولون إلى صليبيين متعصبين حاقدين ..
وما فعلته فرنسا بسترة الرأس (الذي ليس هو الحجاب) يكشف عن هذه الحقيقة وهي أن اليسار واليمين والوسط جنس واحد : صليبيون جميعا عندما تعلق الأمر ببنات صغيرات أبناء وأحفاد أولئك الذين ضحوا بأرواحهم إبان الحروب التي خاضتها فرنسا في القرن الماضي وأبناء أولئك العمال الذين قامت وتقوم عليه الصناعة والأشغال الوضيعة والشاقة التي تحرك الآلة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية لفرنسا .
أرادت فرنسا إدماج هؤلاء الفتيات في المجتمع الفرنسي ولكنها فعلت خيرا كثيرا للإسلام والمسلمين ، إن هذا الفعل الشنيع والاعتداء الفظيع على هؤلاء الفتيات وعلى القيم الإسلامية الثابتة كانت وستكون له نتائج عظيمة ، فقد أسقط الأكذوبة الرائجة القائلة إن فرنسا بلاد الحرية وأن دولة فرنسا علمانية ، ثم إنه كشف الحقد الدفين الفرنسي اتجاه الإسلام مما يعمق الإيمان بالدين الإسلامي والتشبث بتعاليمه والدفاع عنه والمزيد من نشره والتبشير به وحمل المسلمين بفرنسا أن يحذو حذو الجالية اليهودية الفرنسية التي تملك عدة مدارس ذات مستوى علمي عال تجعلها مستقلة عن أي تدخل صليبي في شؤونها بل إن هذه المدارس هي محط آمال كثير من الفرنسيين الذين يدفعون رسوما عالية للالتحاق بها ، وقد استطاعت الجالية اليهودية أن تغتنم الفرصة فتستلم حوالي عشرين مليون دولار من السلطات الفرنسية ثمن سكوتها عن إصدار القانون الذي لا يضرها في شيء ، بل إن هذه الجالية الذكية المستقلة بتعليمها معروفة بأن لها مدارسها الخاصة حيث ما كانت و حلت وقد رأينا ذلك في كندا حيث مدارسها ومستشفياتها ومؤسساتها الثقافية الناجحة !!
أما الدول الإسلامية فهم مشغولون عن جالياتهم في العالم إلا آثارا قليلة ومدارس هزيلة لا تبلغ الخمسين في العالم كله، وكم بها من الطلبة ؟ وخذ فرنسا أو إسبانيا أو كندا أو إيطاليا مثلا .!!
أما أغنياء المسلمين فجلهم مشغول بتعمير دنياه وتخريب آخرته ، ولو أن بعضهم صرف 1% على شؤون الجاليات الإسلامية بالخارج ، مما يبذله على شهواته البطنية والفرجية والنزوات الجنونية والصبيانية لكانت تلك الجالية أعظم الجاليات في العالم على الإطلاق،
ليت المسلمين المخلصين لا يحجون سنة أو لا يعتمرون سنة أو يصومون أسبوعا في السنة ويفطرون على البسيط من الأكل والشراب ويجعلون ذلك خاصا لمدارس جاليتنا التي ضيعها حكامها الغافلون وأغنياؤها السفهاء و تياراتها الخرقاء وتقدمياتها السريعة نحو الوراء ..