لم يُكْتَف بإلزام الدول بتطبيق بنود وثيقة بكين لتمويلها وسد ديونها، فمن الواضح أن المؤسسات الأجنبية الممولة للجمعيات الأهلية النسائية تلزم هذه الجمعيات بالسعي لتطبيق بنود هذه الوثيقة، وظهر هذا واضحاً وجلياً في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة، الذي هدف إلى الآتي :
أولا : مناقشة المحاور المطروحة من المنظور العلماني البحث، أما المنظور الإسلامي فهو مهمش تماماً، ولايعطي للحضور من الإسلاميين -وهم للأسف الشديد قليلون جداً- الفرصة لطرح الرؤية الإسلامية الصحيحة، مع أن الطرح من قبل الباحثين الآخرين والباحثات كان طرحاً مشوهاً لصورة الإسلام، فهو يطرح من وجهة نظر الجماعات الدينية “المتطرفة” من جهة، ومن جهة أخرى من وجهة نظر الباحثين والباحثات الذين ثبت جهلهم بالإسلام، فهم يتحدثون عن الإسلام وتعاليمه عن جهل كامل.
ثانيا : كان هدف معظم الباحثين والباحثات من طرح قضية قانون الأحوال الشخصية، قصرها على العبادات بل طالب البعض بإبعاد الدين عن دستور الدولة، وعدم جعل الإسلام دستوراً للدولة وتعطيل الشريعة الإسلامية، وإبعادها عن قانون الأحوال الشخصية، وكانت معظم البحوث التي طرحت في المؤتمر تطالب بالآتي :
1- إلغاء نصوص قرآنية قطعية الدلالة لا تقبل التأويل والتحريف والتي نصت على :
- قوامة الرجل -العدة- تعدد الزوجات -حظ الذكر مثل حظ الأنثين -حد الزنا -حق الزوج في تأديب الزوجة إن امتنعت عنه.
2- كما طالبت بالآتي :
أ- إلغاء إذن الزوج لزوجته للسفر أو للعمل أو للخروج من البيت.
ب- عدم الطلاق لفقدان البكارة.
جـ- حفظ حق المرأة في أثاث بيت الزوجية عند طلاقها إن كانت مرتكبة خطيئة الزنا.
د- إعطاء المرأة الحامل مهلة تتعدى الثلاثين يوماً للإفصاح لزوجها عن الحمل.
هـ- وجوب الطلاق أمام المحكمة ولأسباب مشروعة ومتساوية للرجل والمرأة.
3- من خلال طرح موضوع الحجاب في الإسلام للنقاش نجد أن الهدف من طرحه الوصول إلى الآتي :
أ- أن الحجاب ليس أمراً تشريعياً، فهو لا يتعدى كونه ملبساً مختاراً هيّأته الجماعة لحمل اسم آخر مضمر، وأنه معوق لعمل المرأة وتقدمها، وأنه ينظر إلى المرأة كجسد يجب أن يغطى، ويحبس في البيت، وهذه النظرة تلتقي مع الغرب الذي ينظر إلى المرأة كجسد، يريده أن يتعرى للمتاجرة به، واستخدامه كسلعة.
ب- أن الحجاب عادة من العادات الاجتماعية، ونفي أن يكون تشريعاً سماوياً.
جـ- أن الحجاب لايعبر تعبيراً حقيقيا عما إذا كانت المحجبة ملتزمة بتعاليم الإسلام أم لا، فهناك محجبات يقمن علاقات مع شبان، ثم ما الذي يؤكد أن هذه المحجبة تصلي وتصوم؟.
د- أن الحجاب يجعل المرأة المحجبة تحمل هويتين، لأنها بالحجاب تعلن أنها مسلمة، وهي في الوقت ذاته مواطنة، فأيهما هي؟ مسلمة أم مواطنة؟.
أ- المطالبةبخطاب لغوي أنثوي خاص بالمرأة، وقد اصطلحوا عليه ثقافة الجندر.
ب- أن تكتب المرأة بحرية عن الجنس، وفي شهادات الكاتبات خلع صاحباتها ثوب الحياء وصرحن بما لم تجرؤ المومسات على التصريح به.
ب- عند التأمل في أساليب الطرح والمناقشة، وفي أبعاد المطالب نجد الآتي :
ج- أن هذه المطالب لاتعبر عن الأشخاص المطالبين بها، وإنما تعبر عن أهداف وأغراض مؤتمرات المرأة العالمية، وبالأخص مؤتمر بكين -تلك المؤتمرات التي تخدم أهداف أعداء ديننا وأمتنا وفي مقدمة هؤلاء الأعداء، الصهيونية،و كلنا نعلم مدى تغلغل الصهاينة في الحكومات الأمريكية والأوربية، والمنظمات الدولية، وفي الصحافة العالمية، وأكبر شبكات التلفاز الأمريكية، والذي يؤكد هذا الآتي :
1- أن مطالب المؤتمرين والمؤتمرات تهدف إلى هدم الدين والقيم والأخلاق، وذلك بإلغاء نصوص قرآنية قطعية الدلالة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إشاعة الإباحية بإلغاء الطلاق لعدم البكارة، وعدم حرمان الزوجة المرتكبة خطيئة الزنا من حقوقها لدى زوجها، وزيادة مدة إخطار الزوجة المطلقة لزوجها عن أنها حامل، أيضاً مطالبة المرأة الأديبة الكتابة في الجنس..
فلماذا التركيز على هذه المطالب؟.
2- ويظهر هدم الدين من جانب آخر، وهو المطالبة بخطاب لغوي أنثوي خاص بالمرأة، ونحن العرب لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم، ومعظم التكاليف التشريعية والعبادية جاءت بصيغة العموم للمرأة والرجل، وهذا دليل التكافؤ والمماثلة، وخصت النساء بالذكر في بعض التكاليف، وفي العبادات رداً على ما كان يطرح من تساؤلات في المجامع الكنسية، مما يؤكد عالمية الإسلام، وأن هذه الرسالة من عند الله، وإيجاد خطاب لغوي أنثوي بالمرأة يسقط -فيما بعد- عن المر أة التكاليف الشرعية والعبادية التي وردت بصيغة العموم كالصيام مثلا لأن نص الآية يقول : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} فالمرأة تقول أن الصيام لم يكتب عليها لأن الخطاب لم يوجه إليها في فرضه.
لقد فشل أعداء الدين من النفوذ إلى القرآن الكريم، فسبق أن دفعوا تلامذتهم إلى المطالبة بالكتابة بالحروف اللاتينية، وطالبوا بكتابة القرآن الكريم بالخط الإملائي، وفشلت دعواتهم تلك، واليوم أرادوا أن ينفذوا إلى القرآن الكريم، وإفساد الدين بإيجاد خطاب لغوي أنثوي، ورغم أن هذا المطلب يتناقض مع وثيقة مؤتمر بكين التي التزم بها معظم المؤتمرين والمؤتمرات في هذا المؤتمر -طبقاً لتوجيهات وتعليمات الجهات الممولة للمؤسسات والهيئات والمنظمات والجمعيات المنتمين والمنتميات إليها- بإلغاء الفوارق بين المرأة والرجل؛ إلا أننا نجده المطلب الأول والأساسي عند طرح قضية المرأة والأدب، وكأنه العقبة الكؤود التي تقف حجر عثرة أمام إبداع المرأة الأدبي، بل اعتبر البعض أن المرأة لن تتحرر إلاإذا وجدت لغة خاصة بالمرأة، ولو رجعنا إلى الوراء، إلى مائة عام نجد أن مطالب النساء كانت إلغاء نون النسوة، واليوم وبعد مائة عام يطالبن بنون النسوة وتاء التأنيث في خطاب أنثوي.
3- مما يؤكد أن معظم الباحثين والباحثات يحققون أهداف الصهيونية، وهي محاولة تغييب كلمة إسلام، واستبداله بالأصولية، والخطاب الأصولي، ولم يرد اسم “إسلام” إلا في عنوان بحثين فقط، حتى وجدنا في ندوة المائدة المستديرة بروز هذا المسمى “المرأة والتيارات الدينية”.
كما نلاحظ من الطرح استبعاد طرح المفهوم الصحيح لموقف الإسلام من المرأة، وما أعطاها من حقوق، مع الحرص على إعطاء الحضور صورة عن الإسلام من وجهة نظر “الجماعات المتطرفة”، بل عندما تحاجّ بعضهم يتهمك بأنك تحرض على قتلهم من تلك الجماعات.
4- تجاهل المؤتمر القضايا التي تصلح من شأن المرأة والأسرة والمجتمع، فلم يتناول الآتي :
أ- مكانة المرأة في الإسلام وحقوقها التي منحها إياها الإسلام برؤية إسلامية وسطية معتدلة يتم تقديمها وتوضيحها من قبل فقهاء وفقيهات، ومفكرين ومفكرات مسلمين ثقاة من مختلف دول العالم الاسلامي، مع إعطاء نماذج للنساء المسلمات اللائي أسهمن بإيجابية في الحياة العامة أمثال أمهات المؤمنين، والصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن، كنماذج حية حصلت على حقوقها في الإسلام وليكن قدوة للنساء المسلمات وليس ضرب الأمثلة بسيمون دي بفوار، وجورج صاند، ومي زيادة، وهدى شعراوي وغيرهن.
ب- وضع مسيرة المرأة العربية تحت المجهر خلال قرن مضى للتعرف على ما فيها من سلبيات، وأسباب هذه السلبيات ونتائجها، وكيفية تلافيها، وكذلك للتعرف على ما فيها من إيجابيات وكيفية الحفاظ عليها وتنميتها، ولكن المؤتمر نظر إلى حركة المرأة وانطلاقتها على أنها كلها إيجابيات، فالمرأة هي المكافحة المناضلة المغلوبة المقهورة، والرجل والمجتمع والدين هم الذين ظلموها وقهروها.
5- المرأة في هذا المؤتمر ليس عليها واجبات، فهي ليست أماً، وليست زوجة، وإنما هي امرأة لها حقوق فقط، والمؤتمر اعتبر الحياة الزوجية صراعاً بين الزوجين.
لقد تمردت المرأة في هذا المؤتمر على كل أساس وأركان الزوجية، فطالبت بتهميش الزوج، ودفع أجر للمرأة مقابل قيامها بأعباء الزوجية والأمومة، فهي الآن عبدة لأنها تعمل بلا أجر.
كما تمردت على أمومتها فلم تهتم بقضايا الأمومة، وكيف تستطيع التوفيق بين بيتها وزوجها وأولادها وبين عملها الذي اعتبرته أساس وجودها وحياتها، وكينونتها، بل اعتبرته أمرا إلزاميا عليها، ولا تجرؤ واحدة أن تقول لك إنها تريد البقاء في البيت ولا تريد أ ن تعمل، بل اعتبرت المؤتمرات قرار الحكومة الكويتية في منح المرأة حق التقاعد بعد خمسة عشر عاما، مع صرف كامل المرتب،إجحافا بحق المرأة لأن هذا يحرمها من ارتقاء مناصب قيادية.
لذا فالمرأة تطالب بتغيير أنظمة وقوانين العمل بالنسبة للمرأة وإصدار أنظمة خاصة بالمرأة، متجاهلة تماما ما ترتب على خروجها للعمل التكسبي من نتائج جد خطيرة يمكن أن ألخصها في الآتي :
- معاناتها من صراع الأدوار، فالمرأة العاملة تعاني من صراع الأدوار، لأنها تشعر أنها مقصرة في دورها كأم، ودورها كزوجة، ودورها كربة بيت، ودورها كموظفة، وهذا يجعلها تلجأ إلى الإدمان (تدخين – خمر – مخدرات) لتهرب من واقعها، وأحيانا تصاب بالاكتئاب.
- قد تتعرض للعقم لتعاطيها حبوب منع الحمل لمدة طويلة.
- ازدياد نسبة الطلاق.
- التفكك الأسري.
- الجرائم الأسرية.
- جنوح الأحداث.
- تعرض المرأة للابتزاز الجنسي في العمل.
- ظهور مرض الإيدز في مجتمعاتنا.
- ظهور عبدة الشيطان والجماعات الدينية المتطرفة والإرهاب.
- انتشار ظاهرة الزواج العرفي في مصر بصورة خاصة، وزواج المسيار في دول الخليج العربي، مما يدعو إلى بحث الأسباب والنتائج وكيفية العلاج.
- بدء ظهور اغتصاب المحارم، هو ليس بظاهرة، ولكن لابد من دراسة أسباب ذلك لتلافيه قبل استفحاله، ويصبح ظاهرة.
- عدم قيام دور الحضانة بدورها في العناية بأطفال النساء العاملات.
- كيف نواجه العولمة، وهل المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية معدة بالفعل لهذا الغزو الكاسح على عقولنا، وبيوتنا وجميع أمور حياتنا؟.
وما دورنا نحن المسلمين ـ تجاه العولمة؟ هل سنظل سلبيين نتلقى ولا نرسل؟ هل أعددنا برنامجا متكاملا نابعا من ديننا، من قيمنا، من حضارتنا ا لإسلامية الأصيلة لمواجهة العولمة؟.
هذا ما قلته في أحدى مداخلاتي في هذا المؤتمر، بل قلت أيضا أنه لو كان بإمكان الرجل أن يحمل ويلد لطالبته المرأة في هذا المؤتمر ـ بذلك ـ وقلت أيضا :
إن هذه القضايا وغيرها التي تعمل على بناء المجتمع المسلم، والأسرة المسلمة عند طرحها ومعالجتها من منظور إسلامي تتعارض مع أهداف ممولي الجمعيات النسائية، لأن هدفهم من هذا التمويل هو انهيار مجتمعاتنا وانحلالها وتفسخها.