كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن “الشرق الأوسط الكبير”، وهو المشروع الذي تعتزم أمريكا تقديمه لمجلس الثمانية في يونيو القادم. ولا يجد المرء أدنى عناء في اكتشاف خلفياته وأهدافه الاستعمارية “الجديدة”، بل هو استمرار لخطة الإرهابي شيمون بيريز لشرق أوسط يستجيب لطموحات الصهاينة في تركيع الدول العربية وتأسيس (دولة إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات.
ورغم الشعارات البراقة والوعود الكاذبة والجنة الأمريكية الموعودة التي تحملها الوثيقة الأمريكية “الجديدة” (أنظر الوثيقة في ص 8-9 من هذا العدد) والتي من أهم قسماتها: نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وتسريع عجلة الاقتصاد وإصلاح التعليم و……رغم كل ذلك فإن المتتبع لسياسة الاستكبار الأمريكي لا يساوره شك في أن الوثيقة تتدثربلهذا البرقع الملون بمساحيق النفاق والكذب لتكريس المزيد من شرذمةدول المنطقة وتدشين سلسلة جديدة من سايكس بيكو ثانية وثالثة و…
وهي تحاول اليوم تسويق هذا المخطط الرهيب لتتحكم بشكل مباشر في مقدرات الأمة بعدما يئست من الأنظمة الحالية الشائخة التي بلغت أرذل العمر بما خلفته من دمار اقتصادي وقمع سياسي و…
هذه الأنظمة ـ التي بلغت من العمر عتيا ـ لم تعد قادرة على تلبية متطلبات الطموحات الأمريكية، لذلك تسعى أمريكا ـ عبر هذه الوثيقة وغيرهاـ لتأسيس استراتيجية جديدة لإدارة مصالحها في المنطقة شعارها القرصنة الدولية على طريقة رعاة البقر.
ولعل أكبر عنوان تحمله هذه الوثيقة هو الإرغام الإديولوجي الجديد ووطأة الهمجية التغييرية على الإسلام والمسلمين تحمل لواء دعوة قوية للتغيير الثقافي والتربوي وإلحاقهما بالمنظومة الأمريكية، وهذا ما عبر عنه وزير الحرب الأمريكي بحرب الأفكار.
وقد دشنت أمريكا لتسويق بضاعتها الكاسدة البائرة في مجالات عديدة لعل أهمها وأخطرها :
1- التعليم : وهو ميدان واسع منظم وهادئ يؤتي ثماره على المدى البعيد بأيدينا ويؤدي إلى الأمركة الجماعية للأمة الإسلامية. ولذلك رصدت له الأموال والكفاءات والمنظمات و… كما نظمت له المناهج التي هدفها صياغة عقلية الأمة وروحها صياغة تتخلى من خلالها عن مقوماتها وثوابتها الحضارية، وبالتالي تتم عملية تفريغ العقل الإسلامي من كل محتوياته الفكرية والسلوكية والتراثية، وعلى أنقاض ذلك تتم عملية بناء جديدة تقتضي ملء الفراغ بالقيم الهمجية الأمريكية.
2- الإعلام : وهو وجه خطير من وجوه أساليب الأمركة، وأداة فعالة من أدواته وخطورتها بالغة، ولعل قناة الحرة الفضائية جاءت في هذا الخط الذي يؤسس لمرحلة جديدة من التضليل الإعلامي الأمريكي الذي يريد رفع رصيد أمريكا في العالم العربي بعدما وصل إلى الحضيض، كما تأتي إذاعة ” سوا” في السياق نفسه بالإضافة إلى نشر المزيد من ثقافة الانحلال والرذيلة، ناهيك عن تجييش الآلاف من الأقلام المأجورة والمبثوثة في كثير من وسائل الإعلام العربية.
ومن المؤسف حقا أن بعض الأنظمة المتهالكة بدأت تستجيب ـ بعضها بدون حياء وأخرى على استحياء ـ للضغوطات الأمريكية، فضيق على التعليم الإسلامي وتُحُكِّمَ في “إصلاحات” التعليم العام، وتم التدخل في استصدار القوانين المتعلقة بالأسرة المسلمة إما مباشرة أو عبر منظمات “مستقلة” أمريكية وأوروبية.
ولماذا كل هذا؟ لتتمدد “إسرائيل” في فراغنا لتصبح “كبرى”.
…ومن يهن يسهل الهوان عليه.