مقدمة
لقد شكل الإعلام اليوم أحد أهم دعامات الثورة التكنولوجية الحديثة في الاتصالات، وانعكس ذلك على كل إنسان معاصر نظرا للتغييرات المستحدثة في آلياته والمستجدات في نمط حياة الإنسان مقارنة مع ما كانت عليه في العهود السابقة، حيث أحدث الإعلام انقلابا شبه جذري في كل مجالات الحياة المعاصرة وسلوكيات أفراد المجتمع؛ وطالت التغيرات الأعراف والقواعد والقيم الاجتماعية، هذا فضلا عن ما تعرضه وسائله المتعددة في الأجواء العالمية، بعدما حولت العالم إلى قرية صغيرة.
ويشهد العالم مع القفزات التكنولوجية المتسارعة في مجال المعلوماتية والإعلام ومع تطور الشبكة العنكبوتية ـ اتساعا ووسائطـ نقلة نوعية في مفاهيم المسافة والمساحة والزمن والمكان، فبعد أن كان هناك تقسيم بسيط للوعي بين الواقع والخيال، أضيفت مساحات الافتراضي/ المتَخَيَّل virtual the، وتداخل هذا الواقع المتخيل بسماته الجديدة مع كافة مناحي النشاط الإنساني، ليس المعرفي والإخباري والعلمي فحسب بل والاجتماعي والاتصالي والعاطفي، فالإعلام في أبسط تعاريفه هو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت ذاته. وفي الحقيقة أن الإعلام هو الذي يوجه الناس في المجتمع وهو الذي يصنع الرأي العام وفق رغبات وأهواء القائمين على الوسائل الإعلامية وانطلاقا مما يؤمنون به من مبادئ وأفكار وقيم.
لذلك نجد أن هرتزل قد اعتبر السيطرة على الإعلام بعد السيطرة على المال في العالم من المهمات الرئيسية التي لا بد للصهيونية من أن تنجزها في حركتها للسيطرة على العالم، وقد عمل الصهاينة على إنجاز هذا الهدف بجد حتى أصبحوا اليوم يمتلكون أكبر الامبراطوريات الإعلامية ويسيطرون سيطرة فعلية على وسائل الإعلام في العالم. ولنا أن نقول أن السبب في أهمية الإعلام بصورة عامة أنه قادر على مخاطبة جميع الشرائح لما يملكه من إمكانية النفوذ في كل مفاصل المجتمع.
فالإعلام أصبح بطل الملحمة واللاعب الأساسي في صياغة الترتيبات العالمية على ضوء انعاكاسات الحادي عشر من سبتمبر.. وبالتالي فإن المتحكمين في الإعلا م، هندسة وتمويلا وصياغة، هم الأكثر قدرة على صوغ خريطة العالم ورسمها في هذا الزمن وفقا لمرئياتهم وأغراضهم ومصالحهم الخاصة.
وللإعلام دور رئيسي في تشكيل العقل والسلوك البشري. وفي ذلك يقول عالم الاجتماع الأميركي س. رايت ميلز في واحد من أشهر كتبه : “إن جانبا يسيرا فقط مما نعرفه من حقائق اجتماعية عن العالم، توصلنا إليه بأنفسنا، وبطريق مباشر، بينما معظم التصورات والأخيلة التي في أدمغتنا عن العالم، وصلت إلينا عن طريق وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، لدرجة أننا في غالب الأحيان لا نصدق ما يجري أمامنا حتى نقرأ عنه في الصحيفة، أو نسمع عنه في الراديو. فوسائل الإعلام لا تعطينا المعلومات فقط، ولكنها توجه خبراتنا المباشرة 311 Oxford University Press P. The Power Elite.
ومن الملاحظ في هذه الأوقات أن الإعلام الإسلامي، وخاصة الرسمي وشبه الرسمي منه، ما زال يمارس “لعبة إخفاء الحقائق، غير آبه بأن الزمن غير الزمن، وأنه من الممكن اليوم الحصول على المعلومة، كاملة أو مشوهة أو مشكلة من جديد، من مصادر أخرى، في ظل ثورة الاتصالات التي نعيشها، وهذا مما لا شك فيه له نتائج سلبية، لأن هذه السياسة تعمق من أزمة الثقة بين المجتمع والدولة، وتزيد من سعة الفجوة بينهما، بحيث يصبح كل طرف سائرا في طريق مناقض للآخر، مع ما لذلك من مخاطر على الاستقرار السياسي والاجتماعي.
كما أنه من الملاحظ أن الإعلام الإسلامي بوجه عام ما يزال يمارس أسلوب الوصاية الفوقية على المجتمع، أي أسلوب أفعل ولا تفعل، ما يجوز وما لا يجوز، الصح والخطأ. مثل هذا الأسلوب، أي أسلوب الأمر الفوقي، هو عديم الجدوى في النهاية، بالنظر إلى الممارسة الإعلامية السليمة. فالفرد، وهو المتلقي الأخير للرسالة الإعلامية، لا يستسيغ مثل هذا الأسلوب، أي أسلوب الأمر والتوجيه المباشر، وكأنه من القاصرين.
ويتفاقم فشل مثل هذا الأسلوب في ظل عالم أصبحت وسائل الإعلام والاتصال المختلفة تملأ أجواءه، وتصل إلى الناس في غرف نومهم، وفي ظل أزمة ثقة مزمنة بين المجتمع والدولة في هذه المنطقة من العالم.
من ذلك كله نخرج بنتيجة مبدئية مفادها أن العملية الإعلامية في العالم الإسلامي لا تلعب الدور الفعال الذي من المفترض أن تلعبه، خاصة في مثل الظروف الحالية للعالم الذي أصبح بالفعل خريطة إعلامية، قبل أن يكون خريطة جغرافية أو تاريخية.
استراتيجية إعلا مية للوحدة الإسلامية
وبعد مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. تلك الأحداث التي أخرجت مارد الكراهية والتعصب من القمقم ضد الإسلام والمسلمين والتي أسقطت القناع الزائف عن مؤسسات الغرب ووجهه المظلم… وما نتج عنها من مآس ومظالم للأمة المسلمة، آن لنا أن نضع أيدينا على مواطن الخلل ونعيد النظر في خريطتنا الإعلامية خاصة وقد أضحت الحرب علانية.
ولعل من أبرز نتائج تلك الحملة الغاشمة إزالة دولة إسلامية وتشريد وقتل آلاف الأبرياء المسلمين بالإضافة إلى حصار العالم الإسلامي وتهديد أمنه واستقراره ومحاولة تقسيم بلاده وما يحدث مع العراق اليوم أكبر دليل على تلك المؤامرة الأمريكية الخبيثة.
فكل هذه المحن تحتم وجود أولويات جديدة لتلك المرحلة التي تعيشها أمتنا الإسلامية لقد أصبح من الضروري أن نتعامل مع تلك المرحلة الجديدة بفقه الأولويات، أو ما أطلق عليه الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فقه”مراتب الأعمال” وهو ما يعني وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال ثم يقدم الأولى فالأولى بناء على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي ونور العقل، فيوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم بلا طغيان ولا خسران، وهذا واضح من النصوص الشرعية كما قال الله تعالى : {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون} (سورة التوبة) وقوله : “الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.
وهذا يوضح أن هناك أولويات في الأعمال، ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم حريصون على التعرف على الأولى في الأعمال ليتقربوا إلى الله عز وجل ولهذا كثرت أسئلتهم عن أفضل الأعمال وأحب الأعمال إلى الله تعالى فإذا كانتمعرفة الأولويات للأمة المسلمة وهي تغدو إلى ربها سنة نبوية كريمة، فهي اليوم أمر واجب تفرضه المرحلة الراهنة. وإذا كنا بصدد وضع استراتيجية إعلامية فينبغي أن تكون رؤيتنا واضحة؛ فوضوح الرؤية من شأنه أن يؤدي إلى :
1- التأصيل الشرعي والمنهجي لكل عمل وقول، حيث تصبح الاختيارات واعية تحكمها الثوابت والمحددات لا العوارض والانفعالات.
2- التكامل بين أجزاء الصورة الواحدة والتناسق فيما بينها، فلا يتضخم جزء منها على حساب آخر، لا يضمر بعض أجزائها حين يكون الواجب أن يشغل حيزا أكبر من سواه.
3- توزيع الموارد البشرية والمادية توزيعا راشدا وفقا للأهمية النسبية لأجزاء المشروع وأولوياتها المختلفة.
4- ترتيب مراحل العمل المختلفة بتدرج مبني على فلسفة واضحة.
5- اقتراح المشروعات التفصيلية التي تجسد الرؤية وتعبر عنها.
أولوية الوحدة والاجتماع
لعل من أوجب الأولويات للأمة الإسلامية الوحدةوالاجتماع وتأسيس أدب الخلاف فالله تعالى يقول {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} فالخلا ف والفرقة مشكلة المشاكل للأمة الإسلامية بل هي التي هدت قواها وأذهبت ريحها، وشتتت شملها.
ذلك أن الوحدة والجماعة وإن كانت مطلبا شرعيا واجبا فإنه لا نصر ولا عزة بغير تحقيقها كما قال سبحانه وتعالى لنبيه[ : {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم}.
وبالرغم من أن تآلف قلوب المؤمنين من نعمة الله وفضله على هذه الأمة كما جاء في هذه الآيات إلا أن الله قد بين أن ذلك نتيجة أسباب دعانا إلى تحقيقها كما قال تعالى مثلا : {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
فبين هنا أن التنازع يؤدي إلى الفشل والبغضاء، ونهانا عن الاختلاف صغيره وكبيره في العقائد والعبادات وقال “اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه”.
فإن وحدة الأمة وتماسكها، مطلب شرعي، بل فريضة ثابتة وواجب من ألزم الواجب، قال تعالى : {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} (آل عمران : 103) ، وقال تعالى أيضا : {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال : 46)، وقال : {كنتم خير أمة أخرجت للناس} (آل عمران : 110)، ولا نكون أمة إلا إذا كنا جماعة مؤتلفة على منهج وطريق واحد، وقال أيضا سبحانه وتعالى : {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} (آل عمران : 107)، وقال تعالى : {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} (الأنعام : 159)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا مما يدل على أن وحدة الأمة عقيدة ومنهجا، أمر واجب لازم لا خيار للمسلم في تركه وإهماله، وأن الفرقة والتفرق مدعاة للفشل في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
وبالرغم من أن وحدة الأمة وتماسكها فريضة شرعية فهي كذلك الوسيلة الوحيدة للعز والنصر والتمكين، فلا قيام للأمة الإسلامية إلا بائتلافها ووحدتها، وبالتالي فلا تحقيق لأهداف الرسالة إلا بالوحدة والائتلاف ومعلوم أن للرسالة الإسلامية أهداف عظيمة منها تبليغ الإسلام للناس كافة، وإقامة الحجة لله على عباده وجعل الإسلام فوق الأديان كلها، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى كما قال تعالى : {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} (التوبة : 33)، وقال أيضا : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}(الأنفال : 39).
وهذه الأهداف العظيمة يستحيل تحقيقها في ظل فرقة المسلمين وشتاتهم واختلافهم ومعلوم أيضا أن المختلفين هم في شقاق، وبلاء وقتال، والأمة المشغولة بنفسها التي يتنازع أبناؤها ويتفرقون شيعا وأحزابا فيكفر بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا يستحيل أن تقوم لهم قائمة، أو يرتفع لهم علم أو ينصب لهم لواء.
ولما كان أمر الوحدة الإسلامية، والأخوة الدينية فريضة شرعية، وسبيلا لا غنى عنه لتحقيق شرع الله في الأرض، ومراده في عباده.. أصبح لازما علينا أن نسعى في سبيل تحصيل هذه الوحدة وتثبيت أركانها، وإقامة بنائها.
ومن هنا كانت منطلقات موقع “إسلام أون لاين” في سبيل وحدة الأمة الإسلامية وتعميق هذا المفهوم لدى كافة الزائرين للموقع باللغتين العربية والانجليزية.
إسلام أون لاين.. الفكرة والمنطلقات
إن رؤية موقع “إسلام أون لا ين” تدرك أولا طبيعته، فهو ليس حركة اجتماعية ولا حزبا سياسيا ولا جماعة تنظيمية، بل هو موقع في المجال الافتراضي/ المتخيل على الشبكة العنكبوتية، وبذلك فإن هذه الطبيعة الخاصة تفرض تحديد منطلقات النظر للإسلام في عالم مفتوح، وإدراك طبيعة هذا العالم الشبكي.
1- الإسلام في عالم مفتوح :
في مراحل تاريخية سابقة كانت الحدود تفصل بين دار الحرب ودار الإسلام، وكانت التحديات الفكرية والحضارية من شواغل نخبة محدودة، في حين كان الشارع الإسلامي يعيش حياة متجانسة لا تخلو من الجدل والاختلاف الذي يشهده أي مجتمع إنساني، لكن العالم صار الآن : “أون لاين”، غرف “الشات” تجمع العربي مع الإسرائيلي، والفتى مع الفتاة، والمسلم بأتباع شتى الملل والمذاهب.
وإذا كان الإسلام رحبا متسعا يتيح نهج مسارات مختلفة على سبيل الحق وصراط التوحيد ويسمح بالاجتهاد ولا يصادر التفكيرـ فإنه لم يكن في حاجة لتطوير خصائصه العالمية وتقوية حصونه من الداخل مثلما هو الآن؛ دعما للفكر الرصين والاختيار الواعي المسئول، وصياغة للعقل المتفاعل مع العالم الذي يسعى لمخاطبة العالمين بلسان مبين، وبكل اللغات، تعارفا وبلاغا.
إن فكر المذهب الواحد والرأي الواحد وتضييق أفق الخيارات الحياتية ليس فقط غير مناسب، بل صار غير ممكن، كما أن التفكك والتفتت في ظل نسبية القيم والمعايير غير مقبول. وعبر المشكلات التي ترد لقسم الشباب والأسئلة التي ترد للفتوى يتضح يوما بعد يوم أن المنهج الأنسب وأقوم السبل لأن يظل الناس على سبيل الهدى ولا يزيغوا هو منهج النقاش طويل النفس، وبلورة الأطروحات بعمق مقارن يوضح رؤية الإسلام واختلافها عن الرؤى الأخرى، والسعي لتحصين الناس بعلم راسخ بالشرع الحنيف ومقاصده، وتطوير آليات يومية معاشية للاجتهاد، وتزويد الناس بمفاتيح الفهم لقواعد العلاقة بين الثابت والمتغير وكيفية تنزيل الأحكام في الزمان والمكان، ثم التعاون على صياغة رؤية للمتغيرات برأي رشيد في مواقف مستجدة.
ولأن الإسلام منهج حياة صالح لكل زمان ومكان بقدر ما يراعي ظرف الزمان وشروط المكان، فإن منهجنا هو قبول التنوع في إطار الوحدة، والاختلاف تحت ظلال التوحيد، والتأليف والتسديد والمقاربة دون قسر أو قصر، والمشاركة في قضايا العالم وهموم الإنسانية المشتركة، والمعرفة بالعدو ولغته والرؤى المغايرة وتضاريسها والتفاعل معها بثقة وعزة، واستشراف التحديات، والنظر في مواطن الفتن ومعرفة خصائص العصر المستجدة والتعامل معها بحكمة ورشد.
لقد ربط الانترنت أطراف الأمة وأتاح التواصي بالحق والصبر والتناصر رغم البعد، كما يمثل ساحة للبلاغ للعالمين وللتعارف والتعاون في القضايا الإنسانية، وعلى هذين المستويين ندرك رسالة الإسلام في القرن الخامس عشر الهجري ـ الحادي والعشرين الميلادي.
فكرة مشروع إسلام أون لاين تقوم على الأسس التالية
أولا : الهدف هو وحدة الأمة :
لابد من الوعي بأن “الأمة” هي الكيان المبتغى دعمه ومخاطبته وإعادة ترابطه من خلال هذا المشروع.
إن تواصل الأمة وإعادة التماسك لبنيانها هدف أصيل لهذا الموقع، وهناك إمكانية ضخمة لوصل “أفراد” الأمة على اختلاف أقطارهم، وذلك بإيجاد قضايا مشتركة للحوار وتبادل الرأي، وتحقيق التعارف والتفاهم، ثم الالتقاء على الاهتمامات المشتركة بينهم. كذلك توجد إمكانية هائلة لتشبيك “المنظمات” الإسلامية على اختلاف أشكالها : من مراكز إسلامية، إلى جمعيات أهلية، إلى لجان إغاثية، إلى مؤسسات تربوية وتعليمية… مما يساعد في تفعيل هذه المؤسسات وترابطها على المستوى العالمي. ولا شك أن احتياجات الأمة الآنية والمستقبلية ستبقى محددا هاما لكل ما يوضع على هذا الموقع.
ثانيا : الظرف ـ الواقع :
فلا بد من الوعي بظروف الواقع وتحولاته، وآليات هذه التحولات، وإمكانية المشاركة فيها بدلا من مراقبتها عن بعد، ثم مآل هذه التحولات حتى نستعد لمستقبلنا، بل ونشارك في صنعه أيضا؛ فلم يمر يوم من أيام الدهر على البشرية إلا وشهد “تطورا” في واقعها، لكنها قليلة جدا, تلك الأيام التي شهدت “انقلابا” في واقعها المتطور. وإننا نزعم أننا نشهد هذه الأيام “تغيرا” في الواقع ينتمي إلى النوع الثاني.
وخطورة هذه المسألة هي أن الواقع الذي نريد أن نفهمه سيرتحل بعد قليل، فما الجدوى من فهمه؟ بل ما أهمية البناء على مفرداته؟ كذلك فإن المستقبل المنتظر لا يعلم أحد كنهه؛ حتى أكثر المشاركين في صنعه. وبالتالي فإن علينا :
1- فهم مفردات الواقع المرتحل، لا للبناء عليها، بل لدراسة نواتج فنائها أو تحولها، وتأثير هذه النواتج والعواقب على مستقبل العالم.
2- فهم بعض الكليات الحاكمة لمسارات التحول، وفهم تفاعل هذه الكليات مع بعضها البعض ومع الواقع بأبنيته وعملياته وناسه.
3- فهم آليات هذا التحول وخطواته.
4- إدراك القوى الفاعلة في هذه التحولات وإدراك العلاقات المتشابكة بينها والمصالح والأهداف الداخلة في حساباتها وأفعالها.
5- إدراك واقع الأمة الحالي وموقفها من هذه التحولات إدراكا يوضح عوامل قوتها وعوامل ضعفها وفقا للمفردات الجديدة، ويوضح إمكانات تفعيلها ومشاركتها فيما يحدث، ويحدد الدور المنوط بها في هذه المرحلة والغاية التي نسعى لإنجازها.
إن الواقع القائم بتحولاته، والمستقبل المنتظر باحتمالاته، سيتركان -ولا شكـ تأثيرات ثقافية ومعرفية وقيمية على العقل المسلم، وغير المسلم الذي يريد أن يعرف شيئا عن الإسلام، تتمثل هذه التأثيرات في الأسئلة الجديدة التي يطرحها، والقضايا المستحدثة التي تطرأ…، وهذا سيكون له تأثير على الموقع. فمشروع بحجم ونوعية المشروع الذي نحن بصدده، ينتمي إلى القرن القادم، بل ويمكن أن يكون بحق مشروع القرن الحادي والعشرين. يحتاج أن يقف راصدا ومحللالتحولات الواقع، واتجاهات ومسارات المستقبل، لأن هذه العملية من شأنها أن تساعد المسلم الذي يريد أن يعيش عصره هو بإيمانه هو وقومه هو وفي بيئته الزمانية والمكانية… باستخدام أداة الإنترنت التي من شأنها أن تساعده على مواجهة التحديات الحضارية التي تختلف من عصر إلى عصر، ويستجيب لها بمنهج قرآني أصيل، متأسيا بمحمد ، وسيرة سلفه الصالح.
ثالثا : المضمون المتوازن بين الأصالة والمعاصرة
فيقوم “الموقع” بتقديم مادته من خلال مساحات ثلاث :
- مساحة لخدمة النص : حيث يجد فيها المسلم ـ وغيره ـ النص الإلهي الكريم من قرآن وسنة، وما يخدم هذا النص من علوم (كمصطلح الحديث)، وكذلك ما تعلق به ـ مما ليس منه ـ من فهوم علماء الأمة طيلة مئات السنين (كعلوم التفسير والفقه وشروح الحديث) وما نتج عن هذه الفهوم من اجتهادات وأنظمة ومؤسسات قام بها ـ لا عليها ـ البناء الإسلامي.
- ومساحة يتعرف فيهاالمسلم على واقعه المحيط به : صفاته وخصائصه، أزماته وتحدياته، تجدده وتقلباته، نوازله وحوادثه، آرائه وأفكاره، جماعاته وأحزابه، أفراده ودعاته.
في هذه المساحة سيجد المسلم ما يهمه من أخبار العالم، وسيتابع أحداثه، ويلاحق تقلباته، كما سيجد بها عرضا للأفكار المعاصرة والجماعات النشطة والأحزاب المتصارعة وقضايا الساعة المثارة… وهكذا.
- ومساحة تتلاقى فيها اجتهادات علماء الأمة “المختلفة” مع آراء أبنائها المتباينة، مساحة يتنفس فيها العقل المسلم بحرية طالما استمتع بها أيام مجد المسلمين، مساحة لا يحجر فيها على أي أحد ولا يُتهم فيها إنسان بشذوذ أو انحراف، مساحة يتعرف فيها كل صاحب نشاط ورأي على مؤيديه ومخالفيه، حيث يكون “الالتقاء على القضية” أهم بكثير من الاتفاق على رأي بشأنها، مساحة يلتفت فيها المسلمون إلى قضاياهم الشاغلة يتحدثون فيها بصراحة دون خوف أو وجل.
والحق أن هذه المساحات الثلاث ستبقى تصورا نظريا يعين القائمين على الموقع على ملاحظة وتصنيف وتقييم ما يضعونه به، دون أن تتخذ “شكلا” ظاهرا للمستخدم بالطبع، بل إن بعض المواد سيتقاطع بلا شك مع أكثر من مساحة واحدة، بل ربما يتقاطع مع الثلاث معا، لكن يبقى هذا التقسيم ضرورة ملحة لإبراز أهمية وجود المساحات الثلاث.
إن خدمة هذه المساحات وتحقيقها وتحققها تثير قضية كيفية تصنيف المادة على الموقع، بعبارة أخرى : ما هو المدخل أو المداخل المناسبة لتحقيق المقصود : مدخل العلوم السائدة (علم الاجتماع – علم القانون – علم التاريخ..)، أم مدخل النظم الذي يصنف المادة المتجمعة وفق عناصر المنظومة الاجتماعية (النظام الاجتماعي ـ النظام السياسي ـ النظام الأخلاقي والمعنوي…)، أم المدخل المكتبي الذي يحدد المادة وفق تصنيفها المكتبي، أم مدخل مفاهيمي (المعرفة- العلم – المنهج – الحضارة – الدين – التراث…)، أم مدخل آخر جديد يستفيد من المداخل السابقة ويحقق احتياجات العقل المسلم المعاصر المعرفية.
المحتوى والخطاب
يعد المحتوى الفكري أو الخطاب الذي يقدمه المحتوى من أهم ما يميز موقع “إسلام أون لاين.نت” فهو ـ بالفهم السالف البيان ـ قد خط لنفسه مسارا فريدا، وبلور خطابا يتمتع بمصداقية عالية لأصالته وعصريته ونفعه للناس واشتباكه مع حياتهم وهمومهم، ويمكن تحديد ملامح هذا الخطاب المتميز بأنه :
1- متعدد المستويات : فالخطاب الذي نقدمه متعدد الأبعاد والمستويات، يخاطب أكثر من جمهور، ويحمل رسائل اتصالية مركبة تحاول أن تصيب أكثر من هدف، وتخاطب أكثر من جماعة وفريق ودائرة، في ظل طبيعة الانترنت الغامضة التي لا تمثل الرسالة الاتصالية فيها خطا مستقيما بين طرفين، بل شبكة من الاتصالات والرسائل المتشابكة والتفاعلات المعقدة وردود الفعل والآثار المتفاوتة وغير المتوقعة أحيانا.
2- متفاعل : يعتمد على التغذية الاسترجاعية ويأخذ ردود الفعل والآثار المتحققة في الحسبان، فهو لا يهدف لإطلاق صرخة في البرية بل ينشد النفع ويسعى لقياس تحققه وتطوير ذاته (وحدة التقويم).
3- خطاب تشبيك : أي كون الموقع قناة للتواصل والتنسيق الفكري والتنموي والإصلاحي بكل جوانبه بين جهات شتى داخل الأمة لتطوير الأداء، وبينها وبين الجهات الفاعلة دوليا لدعم الإنجاز.
4- متعدد اللغات : فالرسالة التي ينهض بها ” إسلام أون لاين.نت” رسالة عالمية للأمة وللعالمين، ومن هنا جاءت الحاجة لتقديمه بألسنة كل أقوامنا. والبدء بالعربية والإنجليزية هو مجرد خطوة نسعى لاستكمالها، وأن يكون الموقع بشتى اللغات، وجار تطوير ما هو قائم بالفعل من محتوى باللغة الانجليزية ليكون على مستوى التحديات التي يواجهها الإسلام والأسئلة التي تُطرح عليه على الساحة الدولية.
رابعا : طريقة العرض المتناسبة مع الإمكانات العالمية:
فلا بد من الوعي بطبيعة الأداة الإعلامية ونوعية مستخدميها، لتحقيق الاستفادة القصوى منها، وتفعيل إمكاناتها المتعددة، ومخاطبة جمهورها بما يحتاجه أو يريده.
وعلى عكس ما يرى البعض فإن الشكل الذي سيوضع به المحتوى محدِّد هام لطبيعة هذا المحتوى وطريقة تقديمه، وبالتالي فإن فهمه واستيعابه يبقى ضرورة ملحة قبل الشروع في إعداد المحتوى. والشكل هنا (شبكة الإنترنت) يدفعنا للحديث عن أمرين :
1- الأداة : حيث تتميز الشبكة بالصفات التالية :
- ضخامة الحجم : مما يتيح لنا وضع “الكثير” من المواد عليها، مع ملاحظة أن هذه الصفة رغم ما تحمله من مزايا إلا أنها تشكل خطورة أيضا، فالمعلومات ” الوافرة” إن لم يحسن تقديمها وفقا لرؤية واضحة أصبحت وسيلة للتشتت لا للمعرفة، كما أنها قد تصبح مشوهة للصورة الكلية بدلا من زيادة توضيحها.
- سهولة البحث : فلا يحتاج المستخدم لتصفح كتاب ضخم أو لسماع ورؤية ساعات طويلة من المواد السمعية البصرية للوصول إلى ما يريده، بل يمكنه ذلك في لحظات محدودة، لكن المهم هنا هو كيفية تقديم البحث الموضوعي، حيث يحمل هذا النوع من البحث فلسفة كامنة ينتج عنها طريقة محددة لتحليل الموضوع، وتبويب كتاب البخاري خير دليل على ذلك. وهناك نقطة أخرى وهي كيفية تصنيف المادة، حيث يحقق كل تصنيف أهدافا رسمها له أصحابه وواضعوه، وطبيعي فإنه يمكن الاستفادة من التصانيف السابق عملها كتصنيف المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والتصانيف القائمة على العلوم، وتصانيف الموسوعات المختلفة، بحيث نصل إلى التصنيف المناسب والمحقق لأهداف المشروع.
- سرعة الحركة داخل الشبكة : فالمستخدم ـ القلق غالبا ـ إن لم يجد ما يريده :
أـ في لحظات معدودة.
ب ـ وفي صورة مشوقة.
لن يلبث إلا يسيرا حتى يرحل عن هذا الموقع إلى غيره.
ـ التحديث المستمر: فالمواد الموضوعة على الشبكة سيحتاج غالبها إلى التحديث المستمر وفقا لمعطيات الواقع، وبالتالي يصبح الموقع حيا نابضا، أما “إلقاء” المعلومات الثابتة به وتركها بعد ذلك فينفر المستخدمين ولا يجذب إلا العناكب تغزل عليه بيوتها.
ـ وجوب استخدام أكثر من لغة : حيث لا ينتمي المستخدمون “العالميون” إلى لغة بعينها، وعدم وجود لغة المستخدم يبعده عن الموقع ويحرمه من الاستفادة بمادته أو المشاركة في قضاياه.
إن تعدد اللغات يؤدي إلى تعدد الثقافات، بالإضافة إلى تعدد الأغراض المبتغاة من وراء وضع التعامل مع “الإسلام على الإنترنت”، فبعض المواد قد تخدم غرض الدعوة، دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو على الأقل درء الشبهات المثارة حوله، ناهيك عن مخاطبة المسلمين غير الناطقين باللغة العربية الذين يمثلون الأكثرية العددية.
إن كل نوعية من نوعيات الجمهور هذه تحتاج خطابا مختلفا ومتعددا وهذا يستدعي وجود بؤرة فكرية في كل تشكيلة حضارية وثقافية تقدم وتحدد مضمون ونوعية هذا الخطاب، ونحن نقترح لها في المرحلة الأولى ثلاثة تشكيلات حضارية وثقافية : الاولى : عربية، والثانية : آسيوية، والثالثة : غربية.
ـ تعدد المستويات : فبينما يقدم الكتاب أو البرنامج الإذاعي أو المرئي مادته لمستخدم ذي مستوى ثقافي محدد، يسمح الحاسوب إذا روعي ذلك الإعداد بتقديم نفس المادة إلى مستويات ثقافية متعددة.
ـ تعدد الوسائط : حيث لا يكتفي بوضع المادة على صورة نصية فحسب بل يمكن استخدام الوسائط السمعية والبصرية بأنواعها المختلفة كذلك لتوضيح المادة، وتشويق المستخدم، وهناك نقطة مهمة بهذا الصدد : وهي وجوب النظر إلى الوسائط المتعددة، باعتبارها أنماطا مميزة لتقديم الفكر بأساليب خاصة لا الاكتفاء باعتبارها “وسائل إيضاح” فحسب، وهذا موضوع مهم لكن مجاله خارج هذه الورقة.
ـ المتعة : فمستخدم الشبكة يبحث مع المعلومة عن المتعة والتشويق واكتساب الثقافة لديه إن لم يصبح “ممتعا” فربما لا يقبله أو يُقبل عليه، والتهاون في هذه الخاصية ـ رغم إمكانية تحقيقها ـ قد يهبط بالاستفادة من الموقع إلى منحدر عميق.
ـ التفا علية : حيث لا يكتفي المستخدم بالقراءة أو الاستماع والمشاهدة، بل يصر على الاختيار(بالتجول والبحث) والمشاركة (بالكتابة والمناقشة).
ـ التشبيك : حيث تقوم هذه الأداة بربط مستخدميها بعضهم ببعض وكذلك بالمواقع الأخرى.
وبالتالي يمكن أن تتحول إلى جهاز عصبي يربط أطراف الأمة المتباعدة، وينسق بينها، كما يربط الأمة بالأمم من حولها، وبهذا يمكننا أن نستخدمها في تعارف المسلمين وغيرهم من الأقطار المختلفة، وفي إقامة حوار متصل حول قضايا بعينها أو حول المواد الموضوعة على الشبكة، كما يمكن إقامة حلقات نقاش ومؤتمرات عن بعد، وكذلك يمكن لكل صاحب نشاط أن يتصل بمن يشاركه نشاطه واهتماماته لتبادل الرأي أو التنسيق، ويمكن أيضا أنيستخدمها رجال الأعمال المسلمون في التواصل والتعاون وإقامة المصالح المشتركة وسط عالم لا يعترف إلا بالتحالفات والتجمعات، وأيضا يمكننا أن نفكر في العديد من الأنشطة الاجتماعية التي يتم التنسيق لها والدعوة إليها عن طريق هذا الموقع…إلخ.
والحق أن ربط الموقع بغيره من المواقع يحمل أهمية كبرى في التعرف على العالم من حولنا، وفتح قنوات للحوار معه حول كل ما يهم الإنسان أو ما يثار نحو الإسلام.
الرسالة والدور
استنهاض أمة المسلمين والتعارف مع المعالمين.
1- استنهاض الأمة:
يسعى الموقع عبر خطابه وأدواره المختلفة أن يكون من أدوات نهضة الأمة الإسلامية في أرض الإسلام التي تضم مع المسلمين أناسا من ملل أخرى يعيشون نفس الظروف والأوضاع، هم شركاء في السعي من أجل النهضة، كما يقدم للأقليات الاسلامية ساحة ومساحة للتفاعل والتواصل والمشاركة في تبادل المعارف والتشارك في الهموم.
< توفير المعلومة والمعرفة : فالمعلومة هي رأس مال العصر الذي نعيش فيه، وهي رغم كثافتها فإنها أحيانا متحيزة وغير دقيقة، لذا فرسالة الموقع هي توفير المعلومة بصدق وأمانة والبحث عنها في مظانها بدقة ودأب، وتقديم المعارف المختلفة للمسلمين برؤية شاملة وفتح آفاق للثقافة والفقه ومتابعة قضايا العصر.
< متابعة القضايا :
فالموقع يهدف لتحقيق تراكم ومتابعة للقضايا الحيوية في شتى المجالات، فهو ليس صحيفة تقدم اليومي فحسب بل يمثل قناة جيدة للحفاظ على ذاكرة الأمة وتقديم رؤية متكاملة للقضايا. ويتم الهدف من خلال أدوات مختلفة أهمها الملفات والحوارات الحية وتوظيف قاعدة المعلومات وفهرستها لتزويد الباحث والمتابع بكل المعلومات المطلوبة، أي تحويل الموقع ـ بجانب طبيعته الديناميكية ـ لبنك للمعلومات في شتى الميادين، ليس فقط كمعلومات خام وإنما عبر رؤى تحليلية لتصنيف المعلومات.
2- التعارف.. جوهر العلاقة مع العالمين :
2 1– الانفتاح والتعارف :
الانترنت ساحة مفتوحة للبلاغ والتعارف، من هنا فهو جهاد العصر حيث المعلومة هي السلاح، وصارت رسالة الإسلام أقرب لغير المسلمين مما سبق عبر التاريخ، وهكذا فإن العلاقة مع آفاق العالمية والتواصل مع كل الناس صار ممكنا وميسورا، وصار عبء تقديم خطاب معاصر ومتفاعل مع العالم أصعب، ونسعى في “إسلام أون لاين. نت” لذلك عبر الانتقال من :
2- 2- من المفاصلة للتواصل الفعال الواعي :
فالحواجز التي كان يتترس لها البعض سقطت وصار لزاما مواجهة تيارات الشبهات والرد عليها بعمق ومهارة، وتقديم بدائل حياتية لمناهج الحياة غير الإسلامية، ومحاولة تقديم إجابات مركبة على سؤال : لماذا الإسلام؟ وكيف؟
منطلقات وأسس حاكمة في دور الإعلام في توحيد الأمة
لقد جاء الإسلام كرسالة للعالمين، لكنه في الوقت ذاته يخاطب بشرا في محيطهم المكاني والزماني. و”الحكمة” البالغة في الدعوة تكمن في قدرة أي رسالة دعوية على تحديد درجة العالمية ودرجة المحلية في تلك الرسالة والموضوع الذي تتم الدعوة عبره، ومداخل تقديمه للناس، وهنا يجب أن تحكم الرسالة الإسلامية عبر الإنترنت مجموعة قيم حاكمة :
1- التوحيد : فالعقيدة التي ننطلق منها هي عقيدة التوحيد. والسعي في المجال الإعلامي هدفه تحقيق تجليات هذه العقيدة في النفس والجماعة والأمة والعالمين، فالأصل هو الإصلاح رغم كل الاختلافات. والسعي هو للتوحيد من أجل صالح البشرية. والغاية هي إقرار العدل والكرامة لبني الانسان كافة، فلا يجب أن تغيب هذه القيمة الكبرى عن الأذهان في كل رسالة إعلامية في أي مجال، فرؤيتنا لسيت صراعية بل توحيدية، تدرك حكمة التدافع لكنها لا تقف في مواجهة العالم بأسره أو تخلق عداوات متوهمة مع العالمين.
2- الشهادة : أي السعي الدائم لكي يقيم المسلمون الدين في انفسهم وحياتهم فيقيمون بذلك الحجة على الناس بنموذج مجتمعهم ومعاشهم وعلاقاتهم مع الشعوب والأمم، فهم ليسوا شعبا مختارا بل هم حملة رسالة وأمانة ومسئولية، وهو ما يقترن بتقديم الخبرة الحضارية للناس من اجتماع وسياسة واقتصاد وفنون، وهنا يصبح إبراز إنجازات الحضارة الإسلامية منذ بزوغها وحتى الآن كنتاج لعقيدة التوحيد هدفا هاما من أجل نشر منهج الإسلام كمنهج نافع للحياة، وطريقة طيبة للعيش نسعى لتقديمها للناس ليجدوا فيها علاج مشكلاتهم، حتى وإن لم يعتنقوا الإسلام، مثلما نشرت الحاضرة الغربية منهج معاشها بين الأمم في الرؤى والفلسفات والسياسات والأنظمة الحياتية ومناهج العيش من ملبس ومأكل ومشرب وأثاث وذوق عام وطبيعة العلاقات بين الناس، دون أن تلزمهم بالضرورة بتغيير معتقداتهم، فحققت قبولا ونفوذا وهيمنة.
3- التمكين : والتمكين قرين العدل والإصلاح، فنحن لا نتبنى تصورا صداميا إقصائيا متجبرا من ناحية، ولا نقبل في الوقت ذاته أن يتحول الإسلام لكيان رخو مهادن بلا ملامح من ناحية أخرى، بل ننشد التمكين للإسلام كمنهج حياة طيبة وشريعة إصلاح وعمران، ونهدف لأن نصوغ خطابا متميزا وفاعلا يلقى ـ لموافقته للفطرة واستجابته للحاجات المستجدة ونفعه للناس ـ قبولا بين العالمين، بل نذهب إلى حد أن ننشد أن يتبناه الناس منهجا للحياة الدنيا ويصلحوا به أحوالهم، حتى وإن لم يتحولوا لعقيدة الإسلام مثلما تبنت شعوب بأكملها نمط حياة زينته الرأسمالية العالمية وإن لم يتحولوا عن أديانهم ومذاهبهم.
4- البلاغ والتذكير والتعاون على كلمة سواء : توجيه الخطاب للغير تعريفا بنفسها بشكل مباشر لتتحدث عن رؤاها و”تبين لهم” موقفها من قضايا العدل ونشر السلم بين الناس كافة، واحترام الشورى وحفظ كرامة النساء وكفالة حقوق الأقليات الدينية، واحترام الخصوصية والضمانات القضائية وغيرها من القضايا التي للإسلام فيها موقف متميز في مجالات السياسة والقانون والترتيبات الاجتماعية والآداب والأخلاق، وهي مساحة التعاون على البر والتقوى و”التعارف” بمعناه المركب الواسع.
5- ا لمجادلة بالتي هي أحسن وانتقاء الكلم الطيب : وهي قيمة أساسية عند مستوى مجادلة أهل العقائد المخالفة، وعند تقويم سياسات ومواقف الأطراف المعادية للإسلام وأهله، فلا يتم التجريح أو الإساءة لشعوب أو أهل ملل، بل يتم بسط الموقف الإسلامي بقوة وحجة بالغة؛ لأن الغاية هي تحسين أوضاع العالم وأممه في مجالات الأزمة السياسية والاقتصادية الأخلاقية والجمالية والبيئية وقضايا الفنون والآداب وترقيتها، أي المجالات المتاحة للتغيير الفردي والجماعي.
6- التأكيد على قبول التعددية واحترام التنوع: وهي الرسالة التي يجب أن يعكسها الإعلام في خطابه ومادته ومجالات اهتمامه ودوائر تغطيته، فهو يضطلع بدور هام في تأكيد الطبيعة التعددية للرؤى والاجتهادات الإسلامية بما يخدم ويثري حياة المسلمين ويجنبهم الفرقة والتباغض، فنحن لا نزعم أننا الناطق الأوحد باسم الحق، بل نحن نقدم رؤى إسلامية في عالم متشابك يعاني من الانقسام، ونحاول تقديم ما يقف على أرضية الإسلام وينطلق منه كمرجعية دون مصادرة على الرأي أو هجوم على المخالف.
فالإعلام ينبغي أن يكون منبرا لأصوات متنوعة، ساعيا لبناء تيار عام رحب دون تحزب أو عصبية، ومدركا للتنوع البناء كسبيل للتجديد والنهضة، وهو كذلك يقدم من حضارات مختلفة رؤى متنوعة ليعكس التعدد في الثقافات والأمم ومواقف أهلها من قضايا العدل والتنمية والحرية، ويسعى بإصرار لعدم الوقوع في الصور النمطية عن الآخر أو التعميم غير الدقيق بشأن مواقف الأطراف المختلفة من القضايا الملحة.
7- التواصي بالحق والصبر: فالإسلام ليس نظريات بل حياة وفاعلية. وهدف الإعلام الإسلامي ربط الأنشطة القائمة على أرض الواقع وزيادة كفاءة الأداء عبر توفير قناة اتصال بين النشطاء في مجالات التنمية والعلوم والدعوة والعمل الاجتماعي، ثم عبر تزويدهم بكل جديد في مجالهم وتوفير أحدث الأخبار والتطورات في كل مجال.
8- تجسير الفجوات وصناعة الحياة : فهدف وهدف الإعلام الإسلامي أن يكون وسيطا لتجسير فجوات شتى : الفجوة بين النظريات والواقع، وبين الرأي والرأي الآخر، وبين الذات والغير، وبين الواقع الراهن والمستقبل المنشود. كما أن هدفه ليس إنتاج محتوى وتوفير معلومات في مجال الفكر، بل تحويل الرؤى لواقع نافع، والمساعدة على صناعة الحياة بالمعنى الشامل.
9- العدل والإنسانية المشتركة : فتقديم الرؤى الإسلامية والاجتهادات الجماعية يخدم في البدء والمنتهى المقاصد الشرعية، وأولها العدل، العدل على مستوى الفرد وعيا وسلوكا، والعدل في الأسرة والمجتمع، والعدل بين الناس والأمم، وعلى هذا الأساس المتين تدور حركة الإعلام الإسلامي، دون إفراط أو تفريط، ثم تمتد الرسالة للعدل على مستوى العالمين في الموقف من القضايا الإنسانية المشتركة والأزمات.
10- المعاصرة والربط بالشرع وبالسنن : فهو ليس خطابا تقليديا يكرر ويعيد إنتاج الفقه الشرعي والحضاري السالف بل هو يؤسس عليه وينطلق ليستفيد من العلوم الإنسانية والمعارف المختلفة ليقدم رؤية ريادية تأليفية ـ وليس تلفيقية ـ للقضايا والشواغل المختلفةـ تتمتع بالعمق والشمول والتركيب، ولا تزعم الشمولية أو القطعية أو الإطلاق.
11- التجديد والتحرك في مساحات العفو : فهو خطاب نطوره ونشحذه ونجدده مع تجدد خبراتنا وتعدد روافدها بما يحقق له المرونة، خاصة في مساحات العفو التي لم يرد فيها نص قطعي، وتحتاج معايش الناس ومصالحهم أن نطور فيها صيغا حياتية يومية للتفاعل مع العالم ومستجداته بأصالة وعمق وريادة وتميز.
12- النفع والعملية : فنحن نسعى لتقديم خطاب ينفع الناس، ونموذج إسلامي عملي يستجيب لحاجاتهم الحقيقية ولا يكلفهم مالا يطيقون أو يتوقع منهم أكثر مما يملكون، فهو خطاب يدرك الحال وينشد النهضة الممكنة ويخوض المواقع اليومية الصغيرة؛ لأنه يرى أن المعارك الكبرى نتاج للنجاح في عبور متتال لجسور الممكن، لا أن نستعذب حمل الإصر وننشد المستحيل؛ فنصاب بالإحباط أو نلقى الحتف بغير حصاد، أي أنه خطاب معاشي وليس استغاثي أو تهييجي أو متشائم أو يائس.
13- الاستشراف : فنحن نؤمن بأن المؤمن يرى بنور الله وأن السعي لتحصيل المعرفة والإصلاح والنفع يورث بصيرة تتحسب العواقب وتطمح للخير وترى ـ كزرقاء اليمامة ـ الأخطار فتتجهز لها وتلتقط مجالات التحول وقواعد التغيير في العالم المتغير فتسبق وتتنافس في الخيرية لتحقق العمارة والاستخلاف وتحقق الشهادة على الناس.
————-
(ü) دراسة مقدمة إلى المؤتمر العالمي عن وحدة الأمة الإسلامية في القرن 21 : فرص وتحديات الذي أقيم بكوالاامبور بماليزيا يومي 2/1 أكتوبر 2003، ونظمه المعهد العالمي لوحدة المسلمين والجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا.
(üü) نائب رئيس تحرير موقع إسلام أون لاين. نت،.
رئيس القسم الشرعي