(مقرر السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي)
صدر مؤخرا كتاب (في رحاب التربية الإسلامية) وهو مقرر السنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي الذي تم اعتماده من طرف وزارة التربية الوطنية والشباب على الصعيد الوطني.
وقد قرأت الكتاب كله مركزا على الجانب الحديثي فيه، فسجلت مجموعة من الملاحظات صنفتها إلى الوقفات الآتية :
مرتبة الأحاديث من حيث القبول والرد
عدد أحاديث الكتاب 135 حديثا بدون المكرر. المقبول منها 130 حديثا. والمردود خمسة أحاديث هي الآتية مرتبة من الأخف إلى الأشد ضعفا :
- درس (محاربة الاسلام للمفاسد الاقتصادية) ص 38 ضمن التحليل : قوله : “التاجر الصدوق الأمين مع النبيئين والصديقين والشهداء” رواه الترمذي وإسناده منقطع بين الحسن البصري وأبي سعيد الخدري(1).
- درس (الرفق بالحيوان) ص 103 ضمن التحليل : قال : “ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا” رواه عبد الرزاق. سيأتي التنبيه على أن عبد الرزاق إنما رواه موقوفا عن عمر من طريق ابن سيرين عنه. وهذا إسناد منقطع فابن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر (2) ومن ثم لايمكن أن يسمع الأثر عن عمر. وقد ضعف هذا الأثر أيضا الشيخ الألباني رحمه الله(3).
- درس (البر بالوالدين) ص 47 ضمن النصوص المؤطرة للدرس : عن عبد الله بن عمر ] عن النبي قال : “رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب تبارك وتعالى في سخط الوالدين” رواه البزار. وتكرر في ص 48 ضمن التحليل معزوا للطبراني. أما حديث البزار فقد رواه في مسنده وقال عقبه : “لا نعلم رواه عن يحيى إلا عصمة وهو ضعيف” (4).
وعصمة هو ابن محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري. قال يحيى : كذاب يضع الحديث. وقال العقيلي : يحدث بالبواطيل عن الثقات ليس ممن يكتب حديثه إلا على جهة الاعتبار”(5) وقال فيه ابن عدي : “منكر الحديث”(6) فحديث البزار شديد الضعف. وأما حديث الطبراني فرواه في الأوسط(7) عن أبي هريرة مرفوعا : “طاعة الله طاعة الوالد، ومعصية الله معصية الوالد” وعلق عليه الحافظ الهيثمي بقوله : رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه أحمد بن ابراهيم بن عبد الله بن كيسان وهو لين عن إسماعيل بن عمرو البجلي وثقه ابن حبان وغيره وضعفه أبو حاتم وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح”(8) فحديث الطبراني أخف ضعفا من حديث البزار.
وأصح ما وقفت عليه في الباب حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : “رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد” رواه الترمذي (9) وغيره وصححه الشيخ الألباني رحمه الله بطرقه(10).
- درس (الإسلام والصحة) ص 56 ضمن التحليل : قال رسول الله : “إن الله طيب يحب النظافة، كريم يحب الكرم فنظفوا أفنيتكم” رواه الترمذي وإسناده شديد الضعف فيه خالد بن إلياس قال البخاري : “ليس بشيء. وقال أحمد والنسائي : متروك”(11)
- درس (نظافة البدن) ص 57 ضمن النصوص المؤطرة للدرس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : “الإسلام نظيف فتنظفوا فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف” رواه الطبراني وإسناده شديد الضعف تفرد به نعيم بن مورع كما ذكر الطبراني(12). وهو يسرق الحديث(13). فحديثه متروك. ومعلوم أن رتبة المتروك بعد رتبة الموضوع(14). هذا إن لم يكن الحديث موضوعا.
ولا شك أن هذه الأحاديث الضعيفة -وبالأخص الشديدة الضعف- قد شانت الكتاب رغم قلتها.
عدم عزو بعض الأحاديث إلى مصادرها
حديثان لم يتم عزوهما إلى أي مصدر وهما :
- درس (التربية الجمالية في الإسلام) ص 86 ضمن أنشطة التعلم الذاتي خارج الفصل : قول الرسول [ : "إن الله جميل يحب الجمال". أخرجه مسلم(15).
- درس (عناية الإسلام بالزينة) ص 90 ضمن التحليل : عن عبد الله بن عباس] قال : “رأيت رسول الله [ أحسن ما يكون من الحال". لم أقف على من أخرجه.
وبهذه المناسبة أنبه إلى عدم جواز نسبة الحديث إلى رسول الله بدون تخريج. إذ قد يكون موضوعا ومن ثم سيساهم فاعل ذلك في نشر الكذب على رسول الله. وقد حذرنا عليه الصلاة والسلام من ذلك كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه(16) عن سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة مرفوعا : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". ورواه ابن حبان في صحيحه وترجم له بقوله : "فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى وهو غير عالم بصحته"(17) وفقه المحدثين في تراجمهم.
أخطاء في العزو
تكرر ذلك أربع مرات هي الآتية :
- درس (الصلاة وأحكامها) ص 20 ضمن التحليل : لقوله : >مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر<رواه مسلم وهذا خطأ فالحديث لم يخرجه مسلم وإنما أبو داود وغيره وهو صحيح(18).
- درس (نظام الآسرة في الإسلام) ص 46 ضمن التحليل : قال : "المرأة الصالحة كنز المؤمن" رواه مسلم ولا وجود له في صحيح مسلم(19). والغريب أن هذا اللفظ لم يرد في موسوعة أطراف الحديث لزغلول(20). ولفظ الحديث الذي أخرجه مسلم هو : "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" أخرجه في كتاب الرضاع من صحيحه باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة(21).
- درس (إماطة الأذى عن الطريق صدقة) ص 101 : لقول رسول الله : "من أماط الأذى عن طريق المسلمين كتبت له حسنة" رواه البخاري. من البدهيات الاصطلاحية أن إطلاق العزو للبخاري يعني أن الحديث في صحيحه. وهذا الحديث لم يخرجه الإمام البخاري في صحيحه وإنما في كتابه الأدب المفرد(22). وهو حديث حسن.(23).
- درس (الرفق بالحيوان) ص 103 ضمن التحليل : فقال : "ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا" رواه عبد الرزاق.
وعبد الرزاق إنما رواه موقوفا عن عمر ].. فقد أخرجه في المصنف كتاب المناسك باب سنة الذبح. قال : عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال : رأى عمر بن الخطاب رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها فقال له : ويلك قدها إلى الموت قودا جميلا”(24).
وهذا الأثر أورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب(25) وقال عقبه : “رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفا”.
عدم مطابقة بعض المتون لمصادرها
سأقتصر على المثال الآتي :
- درس (العفة والقناعة) ص 42 ضمن التحليل : لقول رسول الله : “من احتكر طعاما فهو خاطئ” رواه مسلم. الحديث أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب المساقاة باب تحريم الاحتكار في الأقوات(26) وأورد فيه ثلاث روايات من حديث الصحابي معمر بن عبد الله أحد بني عدي بن كعب، لفظ الأولى والثالثة : “من احتكر فهو خاطئ” ولفظ الثانية : “لا يحتكر إلا خاطئ” فلفظة : (طعاما) الواردة في الكتاب المدرسي لم ترد عند مسلم.
أخطاء معرفية
1- استعمال صيغة التمريض بالنسبة لحديث متفق عليه كما جاء في ص 52. وقد نبه العلماء على أن هذه الصيغة تستعمل للدلالة على ضعف الحديث(27).
2- درس (التعريف بالسنة المطهرة) ص 31 ضمن قاموس المفاهيم الأساسية : (السنة : الطريقة الحسنة) والصواب أن من معاني السنة لغة الطريقة سواء كانت حسنة أم قبيحة(28). ومن هذا القبيل الحديث الصحيح : “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء” رواه مسلم(29).
3- نفس الدرس ص 32 تعريف السنة اصطلاحا : “وفي الاصطلاح ما جاء منقولا عن النبي من أقوال وأفعال وتقريرات” هذا يوهم أن هناك تعريفا اصطلاحيا واحدا للسنة. وليس كذلك فهناك تعاريف اصطلاحية متعددة للسنة فالمحدثون لهم اصطلاحهم والاصوليون لهم اصطلاح مغاير وكذا الفقهاء(30) .ومن ثم فالأولى أن يقال مثلا : “ومن معانيها الاصطلاحية…”
4- نفس الدرس ص 33 صور بعض كتب السنة المطهرة منها “صحيح الترمذي” ومعلوم أن إطلاق الصحيح على سنن الترمذي وباقي السنن الأربعة تساهل كما قال الحافظ العراقي في ألفيته:(31)
ومــن عليها أطلق الصحيحا
فقد أتى تساهلا صريحــا
فكان الأولى اختيار النسخة التي تحمل عنوان “سنن الترمذي”.
وإتماما للفائدة أشير إلى أن الإسم الكامل لسنن الترمذي هو (الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل)(32) فهو في الأصل جامع وإنما اشتهر بالسنن نظرا لعناية الإمام الترمذي بأحاديث الأحكام.
وهذه الأخطاء الواردة في الكتاب ناتجة عن عدم الرجوع إلى المصادر. يدل على ذلك فهرس المصادر والمراجع المذكورة في كتاب الأستاذ ص 74-75 حيث ذكرت ثلاثة كتب حديثية فقط وهي فتح الباري لابن حجر وشرح الزر قاني لموطأ مالك وشرح النووي لصحيح مسلم. وهذا عدد هزيل وقصور في البحث. وقد أخبرني أحد مؤلفي الكتاب أنه تم الاعتماد على قرص مدمج عنوانه (المكتبة الألفية للسنة النبوية) والأقراص تعد وسائل مساعدة في البحث ولا تخلو من أخطاء ومن ثم لا يجوز الاقتصار عليها. فالمصادر هي عمدة الباحث.
ونصيحتي في ختام هذه الوقفات تتلخص في ضرورة إشراك أصحاب الكفاءات العلمية المتنوعة سواء في علوم الشريعة وعلوم اللغة وعلوم التربية ليكون الكتاب المدرسي سالما من الأخطاء وذا مستوى علمي رفيع يشرف أصحابه من جهة, ويساهم في تشريف مادة التربية الإسلامية من جهة أخرى.
وخير ما أختم به قوله تعالى : {إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله}(هود : 88).
………………………………………
(ü) أستاذ التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي التأهيلي -تطوان-
1 -غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام للألباني المكتب الإسلامي بيروت ط 3 : 1405 ه.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي مؤسسة الرسالة بيروت ط 7 : 1410ه (تح) شعيب الأرنؤوط ج 4 ص 606.
3- ضعيف الترغيب والترهيب مكتبة المعارف بالرياض ط 1 : 1421ه ج 1 ص 340.
4- مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد للحافظ ابن حجر مؤسسة الكتب الثقافية بيروت ط 1 : 1412ه (تح) صبري بن عبد الخالق ج 2 ص 237-238.
5- كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي دار الكتب العلمية بيروت ط 1 : 1406ه (تح) أبي الفداء عبد الله القاضي ج 2 ص 176.
6- الكامل في ضعفاء الرجال دار الفكر بيروت ط 3 : 1409 ه ج 5 ص 373.
7- المعجم الأوسط مكتبة المعارف بالرياض ط 1 : 1407ه (تح) محمود الطحان ج 3 ص 134 رقم 2276
8- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد مؤسسة المعارف بيروت 1406ه ج 8 ص 139-140
9- سنن الترمذي دار الفكر بيروت 1408 ه ج 4 ص 274 1899.
10- سلسلة الأحاديث الصحيحة مكتبة المعارف بالرياض 1415ه المجلد 2 ص 43 رقم 516.
11- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي دار المعرفة بيروت ط 1 : 1382ه (تح) علي محمد البجاوي ج 1 ص 628.
12- المعجم الأوسط ج 5 ص 464.
13- ميزان الاعتدال للذهبي ج 4 ص 271.
14- تدريب الراوي للسيوطي دار إحياء السنة النبوية بيروت ط 2 : 1399ه (تح) عبد الوهاب عبد اللطيف ج 1 ص 295.
15- صحيح مسلم دار الفكر بيروت 1403ه بعناية محمد فؤاد عبد الباقي ج 1 ص 93 ح 91.
16- نفس المصدر ج 1 ص 9.
17- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بلبان الفارسي مؤسسة الرسالة بيروت ط 2 : 1414ه ج 1 ص 210.
18- إرواء الغليل للألباني المكتب الإسلامي بيروت ط 1 : 1399ه ج1 ص 266 رقم 247.
19- يراجع الفهرس الذي وضعه محمد فؤاد عبد الباقي لصحيح مسلم.
20- ج 8 ص 666 دار الفكر بيروت ط 1 : 1410ه.
21- صحيح مسلم ج 2 ص 1090 ح 1467.
22- ج 1 ص 306 رقم 593 ط مكتبة المعارف بالرياض ط 1 : 1419ه (تح) سمير الزهيري.
23- سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني المجلد 5 ص 387 ضمن رقم 2306 وحسنه بطرقه.
24- مصنف عبد الرزاق دار الكتب العلمية بيروت ط 1 : 1421 ه ج 4 ص 376رقم 8636.
25- ج 2 ص 159 دار الفكر بيروت 1401ه.
26- صحيح مسلم ج 3 ص 1227 ح 1605.
27- منهج النقد في علوم الحديث لنور الدين عتر دار الفكر دمشق ط 3 : 1401ه ص 296.
28- لسان العرب لابن منظور دار صادر بيروت (دت) ج 13 ص 224-226.
29- صحيح مسلم ج 2 ص 705 1017 وج 4 ص 2059.
30- المدخل لدراسة السنة النبوية للقرضاوي. الناشر مكتبة وهبة بالقاهرة ص 12.
31- شرح الألفية دار الكتب العلمية بيروت (دت) ج 1 ص 104.
32- تحقيق اسمي الصحيحين وجامع الترمذي لعبد الفتاح أبو غدة دار القلم دمشق ط 1 : 1414ه ص55.
ذ. جلال راغون