المقـــاصد الجليلة لطواف الحـــاج حــول الكعبة المشرفة :
إن للطواف حول الكعبة المشرفة معان كما أمر بذلك الله عز وجل : {وليطوفوا بالبيت العتيق} وللحركة الدائرة معان ودلالات كثيرة أهمها الاستمرارية الدائمة والأبدية الخالدة المستمرة في ا لآخرة. ومنها أن ذلك يتوافق مع طواف الملائكة حول البيت المعمور في السماء في عالم الغيب. وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين (أسرار الحج) حيث قال : (واعلم أنك بالطواف متشبه بالملائكة الحافين حول العرش الطائفين حوله. ولا تظنن أن المقصود طواف جسمك بالبيت بل المقصود طواف قلبك بذكر رب البيت حتى لا تبتدئ الذكر إلا منه ولا تختم إلا به كما تبتدئ الطواف من البيت وتختم بالبيت. واعلم أن الطواف الشريف هو الطواف بحضرة الربوبية وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر وهي عالم الملكوت)(1). فالعبرة إذن ليست بالحركات والأفعال والسلوكات إنما بمقاصدها ومعانيها العميقة والبعيدة. ولا يعي هذه الحقيقة إلا الإنسان المومن الذي يعرف ماهية وجوده في هذه الحياة ويعمل ويجد للدار الآخرة بالعبادة والتقوى والعمل الصالح مصداقا لقوله تعالى : {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (العصر: 1- 4).
دلالات الحركة السباعية حول الكعبة وفي السعي بين الصفا والمروة :
- إن الحركة الدائرية السباعية في مناسك الطواف حول الكعبة المشرفة وكذلك في السعي بين الصفا والمروة تشير إلى مكانة الإنسان في هذه الحياة الذي كرمه الله تعالى والذي تظلله سبع سماوات وتحمله سبع أراضين وتضمه سبعة أيام… وكل ذلك يرمز إلى عامل الزمن وأهميته في حياة الإنسان والمراحل العمرية المختلفة التي يمر منها بدءا من الحياة وانتهاءا بالموت والبعث والنشور مصداقا لقوله تعالى : {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين}(الأنبياء : 104). وقوله كذلك : {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}(طه : 55).
- إن الحج بطوافه ذي الأشواط السبعة وسعيه السباعي بين الصفا والمروة وجمراته ذات الأحجار السبعة طهارة وكفارة من كل الذنوب والمعاصي التي تفتح باقترافها أبواب النار السبعة. وينال بذلك الحاج المسلم المغفرة والرحمة والجنة كما قال رسول الله : >من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أ مه<. وكما قال أيضا : >الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة<(رواهما البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة).
شعيرة السعي بين الصفا والمروة والمقاصد العظيمة
قال الله تعالى : {إن الصفا والمروة من شعائر الله…} الآية. إن للسعي بين الصفا والمروة من لدن الحاج دلالات ومعان وغايات عظيمة من أهمها أن هذه الحركة ترمز إلى عمر أو حياة الإنسان التي يقضيها في هذه الدنيا بدءا من ولادته وانتهاءا بموته ومرورا بالمراحل والأطوار الزمانية الأخرى مثل الطفولة والشباب والشيخوخة. فعند السعي بين الصفا والمروة يستعرض الإنسان مراحل حياته والأشواط التي قطعها والتجارب التي خاضها والأعمال التي قام بها. فالسعي بين الصفا والمروة يذكر الإنسان بقول الله تعالى : {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة} الآية. وقوله كذلك : {ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر…}(سورة الحج).
إذن فللسعي بين الصفا والمروة دروسا وعبرا يستخلصها الحاج والإنسان المؤمن بصفة عامة لكي يعتبر ويتعظ ويعد العدة للرحيل ولليوم الآخر بالعبادة والطاعة والتقوى والعمل الصالح. قال تعالى : {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} الآية.
- من خلال حركة السعي بين الصفا والمروة نستحضر المرأة المؤمنة هاجر زوجة إبراهيم نبي الله وخليله عليه الصلاة والسلام وهي تعمل وتجد من أجل الحصول على الماء حتى إذا عجزت واستقصت الأسباب جاءها الفرج واليسر من عند الله عز وجل مسبب الأسباب. فالله سبحانه وتعالى هو مفرج الكروب والهموم وهو ولي التوفيق والنجاح ولكن بعد اتخاذ الأسباب والاجتهاد والعمل وبذل الجهد.
……………………………
1- إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله- المجلد الأول – ج 3-ص : 87 – طبع دار الفكر- بيروت – لبنان
عمر الرماش