بمناسبة رحيل الإمام الرباني سيدي أحمد بن محمد الحجامي (1318هـ)
سَرَقَ الحُوَاةُ مِنَ العُقُول ذَكَاءَهَا
ِباسْمِ الفُنُون َفصُفَّتِ الأَْزلاَمُ
يلقى المُمَكّي في البلاد حفـــــاوة
أندى وليس من العباد يضام
و المفردون يلوح في آفاقهــــــم
جرح الجحود كأنهم أيتـــــام
عفوا إذا جمح الأسى بمشاعري
وطفت على بحر الهوى الآلام
أخرج الإمام البخاري في جامعه الصحيح عن عروة بن الزبير قال: حج علينا عبد الله بن عمرو فسمعته يقول: ” سمعت النبي يقول: >إن الله لا ينتزع العلم بعد؟ أن أعطاكموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منكم بعد قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال ُيستفتون فيفتون برأيهم فيَضِلُّون وُيضِلُّون<.
نعم آصرة من العلم والدين ضمت للإمام الراحل الفقيه العلامة سيدي أحمد ابن محمد الحجامي رحمه الله جوانحَمحبين كُثْرٍ على الحب المكين، كل منهم قد سرى إليه عبر بذر نبل من شجرة خُلُقِه الفيحاء وشخصيته الشماء الجامعة بدون تكلف.
فلقد ضممت المجد في عليائه
فزها الثرى وسما بك الإسلام.
لكنهم على كثرتهم قلة في بلد إنما عاش فترة صحو في القرن الماضي بسبب جهود الإمام الراحل وأضرابه لسانا وسنانا، حسا ومعنى، تفهيما وتنظيما.
إن العلماء أسوار محصِّنة من الضياع المتربص من الداخل بسبب سقم الرأي وعدم استبانة الحدود والمقادير، ومواقع العدل وآفاق الإحسان، ومن الأذى المتوفز من الخارج بسبب حبكات الأعداء وركضاتهم.
فالعلماء هم أولو الأمر الذين وجب رد أمور الأمن والخوف إليهم قبل الإذاعة بها.. فإذا مات عالم انحط سور محصن من قِبَله.
والخوف كل الخوف على أمة تفقد الإحساس والشعور بهذه المصائب العظمى فتدخل بذلك في الذهول الحضاري..
لَكَمْ حسم الإمام الراحل من خلافات كانت ستُقطع بسببها أرحاموتُسفك دماء وتُؤكل أموال وتُهتك أعراض… بمجرد كلمات مرشده -لكنها كلماته هورحمه الله- إثر الرد إليه، لما جُرِّب ثم جُرِّب من سداد رأيه، و عدل حكمه، ونير إرشاده..
لقد كان رحمه الله مثالا لرهافة حس العالم الذي يسبر غوْرَ جُلاسه ويتمثل حالاتهم وحاجاتهم، فلا يكون كلامه إليهم ولا إقباله عليهم إلا بمقتضى تلك الحالات
و الحاجات، سنة جده .
وقد رأيت منه رحمه الله أشياء من ذلك، حتى بعد أن أودع حبيبتيه محتسبا راضيا عند من لا تضيع ودائعه.. فكان رحمه الله بعد كلمات -مجرد كلمات- مع زواره، يطالعهم بالحديث بحسب أحوالهم، بل وهواجسهم وما يمور في أذهانهم، فيكون الحديث بذك ِهنَاءً على َنْقبٍ و بلسَمًا على داء. وما -والله- إن يشعر بأن الأََربَ قد قُضِيَ والُّسقم قد شُفِيَ حتى يبادر إلى ختم المجلس بالدعاء الصالح والكيل بالمكيال الأوفى، فما خرج الجلاس إلا وقد -إن أبصروا- رأوا معالم من الشرع ومقاصد، وأنواراً من الوحي وخرائد، فأنفاسه نور وحضرته نور.
لقد كان الشيخ الإمام رحمه الله آخذا نفسه بالعزيمة. فقد بقي إلى آخر سني حياته مصرا على حضور الجُمَع والجماعات وقراءات في مصنفات الفقه والتفسير، كما بقي رحمه الله محافظا على صيام الفرض والنفل. ضاربا بذلك أروع الأمثال وأبلغها في معانقة الحزم والعزائم وليس -كحال الأكثر منا- متخذا للترخص السلالم..
كل ما ذكر من خصال وأخرى بينه وبين ربه ثم خاصته، على نَسء مبارك في العمر وثبات من شأنه أن يغر لم يزد الإمام رحمه الله إلا خوفا من ربه وتشميرا للاستغفار والإخبات، كما أنه رحمه الله كان دائم السؤال ممن يطمئن إليهم أن يدعوا له الله تعالى بأن يقضي عنه حقوق المخلوقين وتبعاتهم.
نسأل الله عز وجل أن يتقبل الإمام سيدي أحمد في الصالحين وأن يأجرنا في مصيبتنا فيه وأن يقضي عنا وعنه حقوق المخلوقين، آمين.
أحمد العبادي