هذا الرجل تعرفت عليه قديما. ذلك أن أسرته كانت على صلة بأسرتي فجدي رحمه الله والذي توفي عن عمر يفوق المائة عام 1365هـ الموافق لسنة 1946م كان صديقا لجده ولأبيه. ووالدي كان صديقا لوالده وله أيضا. والعلاقة التي كانت تجمعهم هي علاقة المحبة في الله علاقة الدين والعلم والجوار. فجد الفقيه رحمه الله كان هو وأولاده من الشرفاء الحجاميين المقبولين عند الناس بفاس، ونواحيها عمالة تاونات الآن. ووالده كان شيخا زاهدا تقيا مجاهدا داعية إلى الله بحاله ومقاله. والفقيه أضاف إلى هذا الإرث والسمعة الطيبة، العلم الذي أخذه عن شيوخه الذين كثيرا ما كان يذكرهم ويثني عليهم ويحكي عن فضلهم وعلمهم، بكل من منطقة شمال المغرب والقرويين بفاس.
الشيء الذي جعله يحتل مكانة طيبة عند كل من يعرفه ويتصل به من مريديه ومحبيه وعامة الناس وخاصتهم.
فالكل كان يجد فيه ما يروي ضمأه ويشفي غليله ويشبع نهمه.
مــجـــالـــســــه
أما مجالسه رحمه الله فكانت كلها فائدة ومتعة وفُسحة ـ فائدة ومائدة ـ إذ بمجرد ما يجلس زائره ـ وفي أية مناسبة ـ يرحب به ويسأله عن أحواله وعن أحوال عائلته. ثم يقول هل من مذاكرة علمية في أي موضوع من المنقول أو المعقول؟
وقد يطرح هو نفسه موضوع المذاكرة إذا كان له غرض بموضوع معين في التفسير أو الحديث أو الفقه أو التاريخ وبالأخص تاريخ المغرب الذي عاصره هو وشاهد وقائعه وشارك في بعضها في القرن العشرين الميلادي….
الــنــظـــام فـــي الـمـذاكـــرة
وكان رحمه الله يحب النظام في المذاكرة والمشاركة فكل من أراد أن يدلي بما لديه في الموضوع له ذلك، بل كان يلح على أن يشارك كل من كان حاضرا في المجلس من أهل العلم شيخا كان أو شابا ولكن على أساس النظام وأدب الحوار والمناظرة وبهذا النظام والحرص عليه ومقابلة الأقوال والأدلة ببعضها وترجيح ما قوي دليله أو ما اشتهر في المذهب المالكي أو ما جرى به العمل.
كان المجلس غالبا ما يصل إلى النتيجة المرجوة والثمرة التي من أجلها وقع النقاش وجرت المذاكرة. وهذا لعمري أمر مهم كان الفقيه رحمه الله يحرص عليه حتى لا يمر الوقت دون فائدة.
قـيـمـة الـوقـت عـنـده
فالوقت في نظره ومنهجه له قيمة كبيرة ولذلك كان رحمه الله يحرص كل الحرص على استغلاله واستثماره فيما ينفعه وينفع الأمة بصفة عامة فهو إما متكلم يذكر الله أو يعظ أو مُستمع يستفيد أو صامت يتفكر في ملكوت الله ويتأمل وكثيرا ما كان يذكر الموت ويدعو الله أن يتوفاه على ملة الإسلام. وكان هذا دأبه سواء كان مزورا أو زائرا كان في بيته أو في المسجد أو في بيت أحد أصدقائه ومحبيه.
والخلاصة أن الرجل لم يكن غافلا بل كان يستعد دائما للقاء ربه ويحرص على الخير حيثما كان وأينما كان مصداقا لقول رسول الله كما في صحيح مسلم :
“…. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه”.
رحم الله شيخنا وصديقنا وأستاذنا الفقيه الحجامي ووفقنا ربنا لما يحبه ويرضاه آمين والحمد لله رب العالمين.
ذ. أحمد بن عبد السلام النجاري