37 ساعة في كوالا لمبور: ماليزيا تخرج من النفق


يتمثل المشروع النموذجي والحضاري الذي أطلقته رؤية سنة (2020) في جعل دولة ماليزيا دولة صناعية حديثة في كافة القطاعات الحياتية، وذلك بحلول سنة (2020) وهو ما يعرف ببرنامج “عشرين على عشرين” وتتطلب تلك النظرية وتطبيقها تحديث وتطوير أساليب الحياة اليومية في كافة القطاعات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية والنفسية والسيكولوجية، بحصر القضايا المحورية ذات الأولوية لتحقيق ما يلي:

1- ولاء راسخ وإيمان مطلق لدى الشعب تجاه الوطن بما يساهم في إرساء النهضة والتحرر الاقتصادي.

2- سيادة العدالة الاقتصادية وإزالة الفوارق القائمة على أسس عرقية أو دينية أو جهوية.

3- سيادة الرفاهية الاقتصادية لكافة الطبقات الاجتماعية دون تمييز.

4- تعزيز القدرات الذاتية وتثمين جهود الإنسان وتوفير الثقة المطلقة في الشعب لإنجاح كافة المشاريع مهما بلغت تعقيداتها.

5- سيادة الديمقراطية الحقيقية التي تتماشى والتركيبة السكانية للشعب.

6- تكوين مجتمع أساسه الإرادة والأخلاق والقيم الدينية وتسبيق العمل الوطني على أي مكسب أو إيديولوجية أو أفضلية للوصول إلى مكانة مرموقة على الخريطة التكنولوجية العالمية، وهو يتحقق بالفعل.

7- ترسيخ الوحدة الوطنية بين كافة أفراد الشعب ثقافيا وعرقيا.

وتهدف الخطة-باختصار- إلى الوصول إلى مرحلة متقدمة معينة ومحسوبة تكنولوجيا وفكريا لبلوغ النمو إلى 7% كمستوى عام لهذا التطور، وتشير القرائن والدلائل والإطلاع عن قرب إلى صحة هذه الفكرة ميدانيا ونجاح تطبيقها في مراحلها الأولى، حيث تحققت معدلات قياسية خلال السنوات الماضية مما يؤكد صحة وسلامة النظرية والتطبيق معا، كما لم يفت عن بال الماليزيين أن الغاية من هذا البرنامج والخطط تحويل ماليزيا إلى أول وأكبر دولة إسلامية في العصر القادم، ومن أبرز الأشياء التي يمكن التركيز عليها في هذه السطور القصيرة مدينة (بوتراجايا) العاصمة الإدارية الجديدة المستقبلية للبلد والواقعة على بعد 80 كلم شمال كوالالمبور، حيث تحتضن الوزارات والدوائر الحكومية، ويبدو من بعيد ونحن في الطريق إلى هذه المدينة الجديدة، البناء الرخامي الهائل المشيد على جبل يرتفع قليلا، ليبدو بنوافيره وأشجاره كعلامة من علامات التحدي والتطور العمراني، وهو المبنى الذي يضم -مركب المؤتمرات الدولية وهو في حقيقة الأمر وحين النظر إليه عن بعد أو التجول بداخله، يبدوا أكثر تحفة فنية وعمل معماري من مبنى الأمم المتحدة، لأنه جمع بين التكنولوجيا والأصالة المحلية، إضافة إلى هذا المبنى الفريد في العالم من نوعه هناك المسجد الضخم الذي شيد على الطراز الفارسي المغولي، والذي يطل على المباني السكنية المخصصة لسكن الموظفين والدبلوماسيين هذه المدينة الجديدة وما فيهامن إنجاز وإعجاز حققها العقل الماليزي في ظرف 5 سنوات فقط، ولو كانت في دولة أخرى لاستغرق إنجازها 150 سنة، السبب، المتابعة الميدانية والرقابة المشددة في كل شيء من التخطيط إلى التنفيذ، قصر المؤتمرات وحده يمكن أن يضاف إلى عجائب الدنيا السبعة، لكنه أكثر تأثيرا لأنه بناء القرن الجديد وليس قرون التاريخ الماضية، ويحق للشعب الماليزي أن يفتخر بمدينة جديدة عصرية تكنولوجية، ولا يزال العمل الإضافي جاريا لتوسيع المنطقة لتشمل مشروع ( السوبر كرويدور) المتمثل في بناء مدينة صناعية لتكون مركزا عالميا يحتضن أبرز شركات العالم في ميدان التكنولوجيا.

في ماليزيا، أينما ذهبت سواء كنت صحافيا فضوليا، أو سائحا أو ناقدا لتجربة الدول الآسيوية تكتشف بسرعة مذهلة اختفاء وانعدام المعاملات والملفات الورقية بشكل كامل في الدوائر الحكومية إلى درجة أن دخول أي إنسان إلى مبنى المؤتمر يتم تصويره إلكترونيا وتخزن صورته وعند خروجه من المبنى يحدث نفس الشيء دون رقابة ودون تفتيش ودون إطالة الوقوف في الصف، كل شيء يسير بالتكنولوجيا والعقل المنظم، وقد واجه الماليزيون معارضة شديدة (وصابوتاج) مقنع وواضح من طرف كثير من الدول لكي لا تتحقق هذه المشاريع كما حدث بالضبط عند بناء برج بتر وناس التوأم (أعلى برج في العالم قبل وبعد سقوط البرجين التجاريين في نيويورك يوم 11 سبتمبر).

ويرى الماليزيون في تحقيق مثل هذه الإنجازات بأيدي وعقول ماليزية دون الاحتماء بالخبرة الأجنبية ودون رشوة وبيروقراطية بل ودون ضوضاء وتهريج، يرى الماليزيون في هذه الإنجازات وغيرها تحديا لكل من لا يريد الخير والتطور لدولة عصرية خرجت من التخلف وكل دولة تقع في آسيا التي عرف عنها سابقا أنها تختص بالمخدرات والفقر ولا تصلح سوى أن تكون دولة محتلة أو قاعدة عسكرية، هذا التحدي هو الذي فرض على دول آسيا الأزمة الإقتصادية الخانقة سنة 99 والتي خرج منها الشعب الماليزي منتصرا، بل وجبارا عملاقا، عملقة أعلى برجين في العالم، رغم هزال البنية الجسدية للإنسان الآسيوي..

تتضمن رؤية 2020 الكثير من الأفكار والطموحات والخطط التي سيتم تطبيقها لاحقا بشكل لا مثيل له (في التسيير وحسن التفكير) لتحقيق رفاهية شعب وتقدمه كان وإلى غاية السبعينات من القرن الماضي، شعباً فقيراً لا يعرف جله حتى قيادة السيارة لأن الطريق غير موجودة أصلا والسيارة المستوردة حلم وشرف لاقبل للفقراء والمعدمين به إلا أن تاريخ ماليزيا، غير معروف لكثير من الناس حتى المثقفين منهم إذ أن ماليزيا تعرضت لعدة حروب واحتلال من طرف الدول الغربية من قبل البرتغاليين عام 1511 والهولنديين سنة 1641 ثم بريطانيا التي أحكمت سيطرتها على البلاد عام 1786 وفي عام 1826 أصبحت ماليزيا وسنغافورة مستوطنة إنجليزية إلى غاية 1941 حيث تم طرد البريطانيين من طرف اليابانيين واحتلوا البلاد لمدة أربع سنوات إلى غاية سبتمبر 1945 تاريخ سقوط اليابان مع دول المحور في نهاية الحرب العالمية الثانية حينها استعاد البريطانيون مستعمرتهم (المفتكة منهم) إلى غاية عام 1955 حيث تم استقلال ماليزيا، بتحالف الأحزاب من حزب القومية الملاويوية إلى حزب الجمعية الصينية الماليزية إلى الكونغرس الهندي الماليزي وأصبح تنكو عبد الرحمان الحاج رئيسا للوزراء وفي عام 1963 تشكلت دولة ماليزيا الحالية بعد أن اختارت (سنغافورة) الانسحاب عنها لتكون دولة مستقلة بحد ذاتها وتتكون ماليزيا اليوم من ( 23.26) مليون نسمة 58,1% ماليزيين 24,3% صينيين 6,5% هنود والباقي 3,2% من مختلف الأعراق من الأوربيين والآسيويين ولغة الجميع في التعامل اليومي وفي الإدارة هي اللغة الماليزية إضافة إلى اللغة الإنجليزية ويحث الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي لكن هناك حرية فيالعبادة حيث يمارس المجتمع المتعدد الأجناس ديانته المختلفة مثل المسيحية والهندية والبوذية بكل حرية.

هذه هي ماليزيا  التي يمكن وصفها دون مبالغة أنها الدولة الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي من حيث المزج بين الإسلام والعصرنة بين الدين والتكنولوجيا بين العقيدة والعلم وإذا كان من حق شعب ماليزيا أن يعتز بشخصيته ودينه فمن حقه أيضا أن يعتز بتحديه للفقر والجهل والمحسوبية والتسييس المجاني، وأن يعتز أكثر بأنه أول شعب رفض العولمة السلبية وأنشأ مدارا خاصا به داخل قطب العولمة دون أن يتأثر بسلبياتها، بل أثر في إيجابياتها.

تغادر ماليزيا دون أن تعرف عنها شيئا مهما بلغت مدة زيارتك لها لأنها مدينة العلم والتكنولوجيا لا تعترف بغيرهما سبيلا للوصول إلى الهدف بعيدا عن صراع الأديان والحضارات قرن الدول القوية، لا الدول الضعيفة قرن ما بعد أحداث 11 سبتمبر لذا تتعرض ماليزيا اليوم إلى مشاكل من طرف الدول الأخرى لتحطيمها أو على الأقل لوضع حد لتطورها وفي مقدمة هذه الدول أمريكا.وإسرائيل، الأولى لأنها تريد أن تبقى رائدة ومهيمنة على العالم، والثانية تحت تأثير العامل الديني والقومي لليهودية، لأنها أي إسرائيل لا تريد دولة إسلامية أكثر تطورا منها ولفهم هذا يجب إعادة قراءة الموضوع من أوله.

> عن جريدة الشعب الجزائرية

22 أكتوبر 2003

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>