… للرئيس الأمريكي السابق (رونالد ريغن) نظرية استراتيجية كان يعتمدها في إدارة الأزمات والحروب. تقول النظرية بأنه “بقدر ما يكون هدفك واضحا بقدر ما يكون تحالفك واسعا”.
وهذه النظرية الريغانية استفاد منها الرئيس بوش الأب أيضا واستطاع بفضلها حشد أزيد من 33 دولة إلى جانبه في حرب الخليج الأولى بالإضافة إلى ترسانة طويلة من القرارات الأممية.
الرئيس الحالي يبدو أنه لم يعمل بنظرية ولا بنصيحة سلفيه في حربه على العراق لا لزهده فيها وإنما لسبب بسيط هو أن الهدف من الحرب لم يكن واضحا لديه بما فيه الكفاية وبالتالي لم يتمكن من حشد التحالف الكافي كما فعل والده من قبل، وعدم توفر الرجل على هدف واضح بل ورأيا واضحا مرده إلى ضعفه المخجل في القضايا العسكرية والعلاقات الدولية، وهو ما كان واضحا في حملاته ومقابلاته الانتخابية. فالرجل لم يخض ولا حربا واحدة بل يقال أنه فر من الخدمة العسكرية على عكس والده الذي شارك في الحرب العالمية الثانية وفي العديد من النزاعات والمناورات فاكتسب خبرة جيدة في مجال الحروب والعلاقات الدولية.
الرئيس بوش الابن يبقى عالة على رأي خبرائه ومستشــــــــاريه فـــــــي مــــثل هذه القضـــايــــا خاصة BIRD RICHARD مستشاره في الشؤون العربية والإسلامية إضافة إلى ” كونداليسا رايس” مستشارته في الأمن القومي… بالإضافة إلى بعض المشايخ من أمثال : GRAHAM BELLY وROBINSON PAT وJERRY FAWELL JOHN وكلهم من أكبر المقربين له وكثيري الحضور للبيت الأبيض حرصا على توجيه القرار السياسي الأمريكي بحيث يتوافق مع “إرادة الرب” التي تحددها حسب زعمهم التفسيرات الموضوعة لمجموعة من النبوءات الدينية التي ورد ذكرها في بعض أسفار التوراة والعهد القديم ( مثل سفر الرأيا- حز قيال- يوحنا وغيرها) ومن هذه النبوءات معركة (هرمجيدون) التي ستمهد للظهور الثاني للمسيح والذي هو شرط لقيام صهيون ومن أبرز تعاليم هؤلاء “المشايخ” أن على من قلدهم الرب مقاليد الأمور أن يعملوا على تحقيق إرادته في الأرض. والرب وحده الذي يختار من يكون له شرف بدأ حرب (هرمجيدون) الممهدة لظهور المسيح وقد كان الرئيس السابق (ريغن) يتمنى أن يختاره الرب ويمن عليه بكبس الزر النووي لتحقيق إرادته في الأرض. والرئيس الحالي يسعى لنفس الهدف ولهذا أعلن منذ البداية أن حربه على أفغانستان والعراق إنما هي حرب صليبية لتحقيق “إرادة الرب” والمتتبع لتصريحاته إبان الحرب وقبلها يلاحظ عليها المسحة الدينية غالبة (إرادة الرب، محور الشر، الأشرار، العدالة الإلهية…إلخ.
بقي أن نعرف أن هؤلاء المشايخ هم أقطاب ما يسمى باليمين المتطرف أو الصهيونية المسيحية لأنها تلتقي مع الصهيونية في الأهداف البعيدة.
فهذا التوجه الجديد القديم في أمريكا ليس مجرد حركة سياسية وإنما هو تيار جارف له رجالاته وكنائسه ومنظومته الفكرية المتعارضة تماما مع الكنائس المسيحية خاصة الكاثوليكية والأورتودوكسية ومن هنا كانت معارضة كل من فرنسا وألمانيا وروسيا شديدة لتفرد أمريكا في حربها على العراق، وما تزال على مواقفها على اعتبار أن هذه الدول الثلاثة تمثل هذه الكنائس المعارضة. وهكذا يظهر جليا أن الحرب التي تقودها أمريكا والغرب عامة إنما تنطلق من خلفيات دينية وعقائدية بحتة، في حين أننا نحن المسلمون والعرب لازلنا نتبرأ من خلفيتنا الدينية والعقائدية في حروبنا وصراعاتنا مع الآخر… فهم يحاربوننا باسم الرب ونحاربهم باسم استرجاع الأرض وباسم القومية العربية وشعارات أخرى بعيدة كل البعد عن العمق العقائدي، فكان أن خسرنا جميع الحروب وخسرنا معها مرجعيتنا الدينية فأصبحنا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، أي في منزلة بين المنزلتين فغابت لدينا الرؤية وضاع الهدف وبالتالي لم نتمكن من تحقيق التحالف الكافي لمواجهة الأخطار المحدقة بنا من كل جانب والمهددة لوجودنا وهويتنا الحضارية لا قدر الله.